بقلم: الدكتورة آلاء العزاوي
منذ السابع من اكتوبر واسم “غلاف غزة” يتصدر الأحداث في الشرق الأوسط، فبعد الهجوم الذي شنته فصائل المقاومة الفلسطينية متوغلةً في عمق الكيان وآسرة ما تمكنت من اسره من جنوده ومواطنيه، علينا ان نعرف مايعنيه اسم غلاف غزة وما اهميته الاستراتيجية؟
في سبتمبر/ ايلول 2005 انسحب جبش الأحتلال من غزة معلنة انشاء منطقة عازلة على طول الحدود البرية مع القطاع اطلقت عليها تسمية غلاف غزة تاركة ما يقارب 50 مستوطنة تنتشر في محيط القطاع قسمتها الى ثلاث مناطق ادارية حيث تبلغ مساحة الغلاف ما يقارب 730 متر مربع يسكنها حوالي 50 الف مستوطن صهيوني هم من اليهود الشرقيين الذين يعرفون باسم السيفرديم الذين يواجهون مشاكل تمييز عنصري داخل مجتمعهم مما حدى بالحكومات الصهيونية الى اسكانهم في المستوطنات لتجنب هذه المشاكل. كما يضم الغلاف قاعدة عسكرية (قاعدة رعيم) ومعبر ايريز مما اكسبها اهمية استراتيجية لكل من المقاومة الفلسطينية وسلطة الإحتلال. ومن الجدير بالذكر ان قوات الإحتلال قد عمدت الى جعل هذه المستوطنات حاجز جغرافي و ديموغرافي ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة لمنع قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا في المستقبل وهذا ما اوضحه المهندس المعماري ايال وايزمان في كتابه ارض جوفاء الذي صدر عام 2007 الي شرح فيه ديناميكات الاستيطان الصهيوني وتمزيق الجغرافيا الفلسطينية تمهيداً لابتلاعها.
بعد الهجوم المباغت الذي نفذته فصائل المقاومة الفلسطينية على منطقة غلاف غزة، طالب العديد من العمال الاجانب مغادرة الاراضي المحتلة لكن دولة الاحتلال تجاهلت طلباتهم الى ان حدث ان فوجئت سلطات المطار بمغادرة ما يقارب 10 الاف مواطن تايلندي يعملون بعقود لدى سلطات الاحتلال بمغادرة البلاد بعد ان تحملت تايلند تكاليف عودتهم الى بلادهم حسب ما ذكرته وزارة خارجية تايلند في مؤتمرها الصحفي، ويبدو ان هذا الاجراء كان نتيجة لوقوع عدد منهم اسرى لدى فصائل المقاومة والذين افرج عنهم بصفقة منفصلة عن صفقة تبادل الاسرى بوساطة كل من مصر وقطر وايران في الوقت الذي لم تأبه قوات الاحتلال لوجودهم رهائن ولم تدرجهم ضمن اولويات استعادة اسراها في سابقة تؤكد على انعدام الانسانية والقيم الاخلاقية لدى منظومة الاحتلال. ربما يتسائل القاريء ما الاهمية التي يمثلها هؤلاء الرعايا التايلندين والاجابة هنا هي ان هؤلاء الالاف من المتعاقدين للعمل في الغلاف يمثلون العمود الفقري للقوى العاملة في مزارع وحقول الدواجن ومزارع تربية الاسماك في المنطقة التي تمثل السلة الغذائية لسكان الكيان الصهيوني، وهنا نحب ان نذكر بان عملية طوفان الاقصى ادت الى هروب سكان تلك المستوطنات باتجاه عمق مدن الكيان وهؤلاء هم سكان المستوطنات من المزارعين الذين يمثل انتاجهم السنوي حوالي 75% من انتاج الخضروات، 20% من الفواكة ونسبة لا يستهان بها من الالبان هو اجمالي انتاج منطقة غلاف غزة من مجموع الانتاج السنوي للكيان، وهنا يكمن الانتصار الحقيقي للمقاومة التي تمكنت من تحويل منطقة الغلاف من منطقة عازلة وحاجز جغرافي ديموغرافي انشأه الكيان ليفصل الضفة عن القطاع لتأمين مدن العمق الى منطقة عازلة تمتلكها حماس وعازل جغرافي لفصل المستوطنات في الغلاف ومدن العمق وتحويلها الى منطقة عمليات عسكرية مفتوحة بين حماس وبين القواعد العسكرية في المنطقة خاصة تلك المتواجدة في قاعدة راعيم والمسؤولة عن حماية المستوطنات في منطقة الغلاف. وبهذا تكون المقاومة الفلسطينية قد حققت انتصارات غير مباشرة بالاضافة الى تفوقها الميداني الواضح والذي كسر شوكة المحتل وكشف زيف ادعاءاته بانه الجيش الذي لا يقهر ويمكننا ان نلخص هذه الانتصارات الخفية والتي لم يسلط الضوء عليها بما يلي
• الجوع حيث حرمت المستوطنين الصهاينة من المنتوجات الزراعية التي تنتجها مزارع منطقة الغلاف والتي تمثل ما يقارب 75% من السلة الغذائية للسكان.
• استطاعت تحويل الحصار الذي تفرضه قوات الإحتلال على القطاع الى عملية تهجير لسكان المستوطنات الى مناطق العمق الاسرائيلي التي تضم مدنه الكبرى.
• الانتصار الثالث هو المشاكل المجتمعية التي ستظهر نتيجة انتقال سكان المستوطنات من اليهود الشرقيين الفقراء مع سكان المدن من اليهود الاغنياء والتي طالما حاولت سلطات الاحتلال الى ابعادهم عن بعضهم تجنبا لاثارة حالة المشاكل العنصرية الدائمة فيما بين النوعين مما سيتسبب بضغط على الحكومة الانهاء حالة الفوضى نتيجة عدم امكانية دمج المجتمعين. وبالفعل تسببت هجرة سكان مستوطنات القطاع حالة ارباك للحكومة التي ناشدت لمرات عديدة السكان بالعودة الى مناطقهم لكن دون جدوى الامر الذي ادى بوزير الزراعة الى اعلان اتفاقه مع وزارة المال الى منح المزارع العائد الى مزرعته حوافز مالية مقدارها 2,5 مليون شيكل وتعويضات مالية كبيرة في حال تعرض مزارعهم للاضرار.
• نشوء حالة من فقدان الشغف للانتماء لدى اليهود وانخفاض ملحوظ في مدى تعاطفهم مع قضاياهم وهذا ما اشارت له احصائيات منظمة برثرايت ــــــ اسرائيل في تقريرها الذي نشر على موقع تايم اوف اسرائيل عن عدم استجابة اليهود الاوربين الذين سبق ان قدمت لهم المنظمة رحلات مجانية لزيارة الاراضي المحتلة والتعريف برواياتهم حول “احقيتهم بأرض الاجداد”. ويذكر ان برثرايت ــــــــــ ارسرائيل منظمة انشأها الكيان المحتل في اميركا تهدف الى تسيير رحلات مجانية لليهود في كل انحاء العالم الى الاراضي المحتلة لاجل ترسيخ الروايات الصهيونية في ذهنية اليهود من الشباب. ومن الجدير بالذكر ان حكومة نتنياهو وكعادة الحكومات الصهيونية اللجوء الى اثارة تعاطف المجتمع الدولي والغربي على وجه التحديد في الاوقات التي تعجز فيها عن تحقيق اهداف معينة، فقد لجأت الى المنظمة السياحية المذكورة لاستثارة تعاطف هؤلاء الشباب لنجدة ارض الميعاد وانقاذ مايمكن انقاذه من سلة الكيان الغذائية تعاني من تلف كبير في المحاصيل الزراعية ونفوق في مزارع الدواجن واحواض الاسماك في مزارع غلاف غزة. وهذا الانتصار الرابع الذي حققته عملية طوفان الاقصى بتحويل “اسرائيل” الى مكان غير آمن ومن البديهي ان يتحول تدريجيا الى مكان غير صالح للعيش وان هذا الشعور قد تمكن من ابناء جلدتهم مما جعلهم يفقدون الثقة بما زرعوه في اذهانهم وان اساطير ارض كنعان وارض الاجداد ماهي الا اوهام تلاشت بفعل الصدمة التي ولدتها عمليات المقاومة الباسلة.
• اما من المنظور المادي العسكري فإن الخسائر التي منيت بها قوات الأحتلال تفوق التوقع وبحسب وكالة البلومبيرغ فأن مجمل الخسائر المادية ربما تتجاوز 270 مليون دولار يومياً والتي تطمح حكومة نتنياهو ان تعالجه عن طريق الدعم الذي ستحصل عليه من الولايات المتحدة الامريكية رغم ان لاشيء مؤكد لحصول ذلك اذ وحسب وكالات انباء وصحف امريكية ان هناك حالة من الانقسام في مراكز القرار الأمريكية في الاستمرار بالدعم ام عدمه لانعدام قدرة اسرائيل على تحقيق الاهداف التي وضعت لها واهمها القضاء على قادة حماس وانهاء المنظمة التي اصبحت كابوس رعب يقض مضاجعهم، فمعنويا من الصعب ان ينسى سكان المستوطنات الذين اصبحوا مرضى نفسيين تلك المشاهد التي أٌسر فيها ذويهم ولم يستطع احد منهم ان ينطق ببنت كلمة تطلق من فاه.فضلاً عن خسائر لمشاريع كبرى وسحب رخص استثمارات واهمها المشاريع مع الهند في تطوير القناة الموازية لقناة السويس والتي بدأت الهند بالتراجع في تنفيذها وكذلك المشاريع التي عزم الكيان على استثمار حقل التكنولوجيا الزراعية مع افريقيا، كل ذلك واكثر فلا احد يستطيع ان يقامر بمشاريع عملاقة من الممكن ان تذهب ادراج الرياح تحت ضربات المقاومة الشرسة.
والسؤال هنا يوجه الى القاريء الكريم.. هل استطاع الكيان ان ينتصر بكل ما لديه من اسلحة وجيوش و معدات واعلام وسرديات مؤثرة؟ ام انه بدا يترنح تحت تأثير صمود الابطال المسلحين بالعقيدة والسلاح المحلي الصنع والايمان بعدالة القضية؟
واذا كان الموقع الجغرافي المحدد بالاقمار الاصطناعية المتطورة والمعززة بالتكنولوجيا الدقيقة لماذا لم يستطع العدو الوصول الى اهدافه في الوقت الذي بدا مكشوفاً امام مقاتل مسلح بسلاح ال RBG روسية الصنع وهو يردد ” الذين اخرجوا من ديارهم بغير حقٍ الا ان يقولوا ربنا الله” فيضرب ويسدد ويحيل الميركافا الى هباءاً منثوراً !
عزيزي القاريء الكريم علينا ان ندرك بأن حماس التي تقاتل الكيان واميركا والغرب الداعم لها تثبت لنا يومياً عبر الفيديوهات التي تنشر على المواقع الاعلامية بأنها هزمت اسطورة الجيوش والسلاح الفريد في وقت لم نرى من العدو سوى فيديوهات مواطنيه يبكون ويصرخون باعلى اصواتهم بلغتهم المليئة بحرف الخاء
Khamas ……Khamas …. نعم عزيزي العربي الذي ينتابك الشك لقد هزم العدو وانتصرت غزة وما بعد الطوفان ليس كما قبله. فغزة اليوم تعبد الطريق الى القدس الشريف وقريبا سنرى فلسطين العربية حرةً من المية الى المية.