الموصليون بين هوان الماء والحجر
بقلم: اسماعيل الجنابي
لا اعلم باي كلمات او عبارات النعي ابدأ بها مقالتي التي خصصتها بشكل يفوق التعبير امام المنظر المؤلم الذي حصد ارواح شهداء مدينة الرماح التي كان همها ان تحرر نفسها من عقدة السواد الذي خيم على اهلها نتيجة الماسي التي احاطت بهم والذي توجها المصاب الجلل الذي تجلى في حادثة العبارة النهرية في نهر دجلة الذي يخترق المحافظة بشكل متموج من الشمال إلى الجنوب ويقسمها إلى قسمين متساويين تقريبا وهم يشاطرون اخوانهم الاكراد في الاحتفال بعيد النوروز، ويبدو ان قدر ابناء أم الربيعين لم يحلوا لهم التخلص من هذا وشاح السواد لتتوشح به من جديد وهي تودع فلذات اكبادها الذين اختطفهم الموت نتيجة الجشع والطمع اللامحدود لأصحاب النفوس المريضة التي لاهم لها سوى جمع المال السحت الحرام ، لتُثبت من جديد ان مسلسل الاستهداف مازال يلاحقها ليحول افراحها الى اتراح وان هذا الاستهداف يمثل الوجه الاخر لما قام به تنظيم داعش والمليشيات والجهات المتنفذة الخارجة عن القانون ممن يتربعون على هرم الفاسدين والطامعين الذين اعماهم الكسب الحرام على حساب ارواح الناس الذين امتزجت دموعهم بماء نهر دجلة الذي لم يمهلهم جريانه الشديد من تقليل حجم محنتهم .
لقد ايقن العراقيون جميعا ان حياتهم اصبحت ارخص سلعة تباع في سوق الفاسدين والمتجبرين الذين انعدمت الرحمة والانسانية من قلوبهم والتي اعماها الجشع الاسود ولم يبالوا بكميات المياه التي اطلقت في نهر دجلة عبر سد الموصل والتي بلغت اكثر من ( 1000 ) متر مكعب في الثانية الواحدة وهذا يعني توقف كافة النشاطات السياحية على النهر بسبب الخطورة الناتجة من تدفق المياه وجريانه بشكل سريع وخطير ، فما بالكم بالعبارات قديمة الصنع المحلية والمتهالكة والتي يبلغ قدرتها الاستيعابية بين ( 50-60 ) راكب في الظروف الاعتيادية ، لكن الذي حصل هو العكس بعينه تماما ، حيث بلغت حمولة العبارة يقارب الـ ( 200 ) شخص في ظروف مائية غير عادية ما ادى الى انقطاع احد الاسلاك الحديدية المثبتة للعبارة بين ضفتي النهر الامر الذي نتج عنه فقدان توازنها وسقوط جميع ركابها وغرقها بالكامل .
لقد ابكاني منظر الكارثة خصوصا وانا اشاهد اخي العزيز الكاتب والاعلامي القدير ( عبد الجبار الجبوري ) وهو يروي حجم الفاجعة التي حلت بهم عبر شاشات التلفاز وكيف يستنجد من احد ضباط الشرطة النهرية الذي لم يبالي لنجدته او مساعدته في انقاذ زوجته واطفاله الذين كانوا على متن العبارة الغارقة امام عينيه وهو ينتحب الماً وحزناً وقهراً على الارواح التي زهقت دون وجه حق ، ولكن يبدو ان قدر ابناء مدينة الحدباء ان تمتزج ارواحهم بالماء والتراب ، فانقاض ماكنة الحرب التي أُهلت على اجسادهم الطاهرة بالأمس تجددت اليوم في نهر دجلة الذي شهد اعظم مأساة في تاريخه الحديث وهو يبتلع العشرات من طيور الجنة الذين سيشهد عليهم هذا النهر والعبارة التي كانت تقلهم أمام الخالق يوم الحساب .