بقلم: اورنيلا سكر
ما يجري في لبنان حول مسألة ترسيم الحدود البحرية هي فضيحة وطنية وخيانة عظمى وكل ما نسمعه من مواقف وتهويل هو مجرد مسرحية هدفها حفظ ماء الوجه لدى المعنيين في ملف استخراج الغاز والنفط. إن قانا وجزء حقل كاريش يضمن حق لبنان كاملا ًفي البلوكات 8و9 التي تحتوي المليارات من الاقدام المكعبة من الغاز، لماذا الدولة اللبنانية من الرئيس الجمهورية والحكومة مجتمعة رفضت تعديل المرسوم 6433 الذي يحفظ حق لبنان بكامل حدوده البحرية وارساله الى الامم المتحدة الامر الذي سوف يمنع اسرائيل من الاستمرار في تعدياتها على حدودنا البحرية الرسمية واحترام القوانين الدولية.
الامر غير المفهوم، كيف ترضى الدولة اللبنانية قبول وساطة الوسيط الامريكي عاموس هوكشتاين وهناك خلاف هيدروغرافي متنازع عليه وغير محسوم اي، انه كيف يتم الاتفاق على حقوق لم ترسم حدودها البحرية بعد؟ والغريب أن لبنان لم يباشر العمل بالتنقيب عن غازه في البوكات داخل مياهه الاقليمية والتي لا نزاع حولها ، ولماذا شركات النفط توقفت عن العمل في التنقيب في البوك رقم 4 واغفلته ودفنت معها الدراسات التي من المفترض ان تسلم الى الدولة اللبنانية، كشركة توتال الفرنسية وايني الايطالية، ونوفاتيك الروسية، والمطالبة بتجديد العقد؟
نحن هنا، لسنا بموقع تصدير الاتهامات بقدر عرض وقائع وحقائق من حق الشعب اللبناني معرفتها . انتم تكذبون وتراوغون وتُسمسرون وتتاجرون حتى بعرضكم ووطنيتكم مقابل تحصيل شروط وصفقات شخصية على حساب الوطن، فلا عجب أن يأتي هذا الاستحقاق يتيماً بل متاخراً بفعل هذه النوازع التي بدأت منذ عام 2011 حين تم التوقيع على مرسوم رقم 6433 حول خط 23 دون المطالبة بحق لبنان الكاملة اي، خط 29 والذي كان يرأس اللجنة انذاك الرئيس نجيب ميقاتي واعوانه. السؤال يستأنف من جديد اليوم على طاولة البحث عبر الوسيط الامريكي عاموس هوكشتاين لان المفاوضات ذات السقف العالي لم تفلح في تحقيق اي مكسب نظرا للخلافات والحسابات والنزاع اللبناني قبل الحديث عن النزاع اللبناني –الاسرائيلي . كما انه لا يمكن فصل ما يجري اليوم من نزاع حدودي في المياه البحرية حول ثروة لبنان النفطية دون الاخذ بعين الاعتبار التحديات الدولية لامن الطاقة والصراع الدائر بين أوكرانيا وروسيا وانعكاسها على امن الطاقة في أوروبا وعلاقة ايران مع المجتمع الدولي بما يتعلق بمشروعها النووي والانتهاكات التي تقوم بها بحق وكالة الطاقة الدولية من جهة، والاستدراج الذي تتعرض له ايران من خلال الغارات الاسرائيلية على دمشق من اجل جرها الى معركة وحرب تكون فيه محرجة. كل هذه الاسباب تدفع بالوسيط الامريكي ان يكون موقفه قوياً من خلال فرض شروطه لا شروط الطرف اللبناني.
ولو ان هناك مقاومة حقيقية تُؤتمن على امن لبنان وليس على توسعات مغولية في المنطقة تراعي حسابات ايرانية اكثر منه حسابات لبنانية، لما وقع لبنان في ازمة ترسيم الحدود اساساً ولا حدث اساساً هذا التأخير في بدأ التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية.
إن المنطقة والعالم اليوم أمام واقع جديد بدات تتكشف ملامحه عبر الزيارات المكوكية من جانب المفوضية الاوروبية اورسولا فون دير لاين إلى اسرائيل من أجل البحث مع الجانب الاسرائيلي امكانية ايجاد مخرج لازمة الطاقة في اوروبا بهدف ايجاد بديل عن الغاز الروسي من خلال صفقات غاز بين اوروبا واسرائيل ومصر ودول الخليج ، التي عبرت عنه لقاءات شرم الشيخ بهدف التعاون الاستراتيجي الذي يفتح الباب لمسار جديد من العلاقات والتعاون في مجالات عديدة مثل الامن والطاقة والغذاء خاصة ان المنطقة والعالم امام تغييرات عالمية عميقة ومشتركة في إطار يقوم على فكرة “ مصائب قوم عند قوم مصائبُ ً كنوع من التحول والشراكة في التحديات المشتركة. إن هذه العقلية الجديدة جعلت السعودية والامارات في مسار جديد ومختلف بل غير مسبوق تعاكس فيه التوجه الايراني وحزب الله الذي يقف خلف الشعارات والصفقات المعادية لامن المنطقة، يعزز فيها تنازع الاضداد على حساب الامن القومي اللبناني من جهة، والعربي من جهة اخرى، من خلال تركه لبنان وغيره من الدول ، ارضاً محروقة كما هو حال اليمن وفلسطين ولبنان بشكل خاص. وهنا اتساءل ما هو شكل المقاومة حين يتم فيها المساومة على كيان ووجود وكرامة الانسان في ارضه وتجويعه وافقاره ليصبح إما لاجئاً أو غريباً في أرضه يواجه ابشع انواع التهجير الممنهج والاحتلالات ؟
إن هذا السجال القائم اليوم في لبنان مدلوله: “أن لبنان لا يملك قراره بفعل سلطة باعت وقسمت الارزاق حسب اهوائها وحساباتها الشخصية” . وهذا ما يفسر حقيقة الامر في لبنان بشان الثروة النفطية وحول ترسيم الحدود لان الطرف اللبناني المفاوض قد باع اسرائيل النفط مقابل اعتبارات عديدة منها: اعطاء حزب الله فائض قوة خاصة ان المسار الذي سبق انتفاضة 17 تشرين وانفجار مرفأ بيروت وادراج احزب الله على لائحة الارهاب وصولاً الى نتائج الانتخابات، كلها قضايا ترهق وتستنزف حزب الله في الداخل اللبناني ، كذلك هو الحال بالنسبة الى جبران باسيل من خلال رفع العقوبات الاقتصادية عنه ، وكذلك الدخول في حسابات الحرب والسلام بشأن نتائج الحرب الاوكرانية –الروسية فيما لو خسرت روسيا الحرب في أوكرانيا. فلا يمكن أن نستثني كل تلك الملفات العالقة دون اخذها بعين الاعتبار حين نتحدث عن حق لبنان بثروته النفطية وحدوده البحرية . وبالتالي ، إن هذا الابتزاز الاوروبي بالتعاون مع اسرائيل في مجال الطاقة، الامر الذي يجعل ايضا حزب الله في موضع ابتزاز اي طرف ممكن ان يهدد وجوده وقوته عندما يصبح الحديث عن حل شامل في المنطقة على ضوء ما قد تؤول إليه نتائج الحرب في اوكرانيا.
وبالختام، يخطأ من يظن أن مسألة الغاز وترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل حدودها وسفقها لبنان فقط . وهنا كنا نتمنى لو أن هذه المسارات والحسابات تأتي في سياق تخدم لبنان وازمته اكثر منه عرض العضلات والتشدق بالسيادة التي تتشدد تارة خلف مقاومة سقطت في كثير من المحّطات المفصلية كتعبير عن الوطنية، وبين التراخي وتسليم الملف للرئيس ميشال عون من اجل التفاوض مع الوسيط الامريكي في وقت كانت هي الآمر والناهي في القرارات الحاسمة والاستراتيجية. ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام هل المقاومة لاتزال موجودة أم بدأ العد العكسي لتغيير العلائق والارتباطات مع العدو كجزء من ورقة التفاهم دولية واقليمية للضغط على لبنان غبر ورقة الغاز لتوقيع ورقة تفاهم مع اسرائيل ؟