تريد الفتاة العراقية هبة محمد، التي تبلغ من العمر 19 عاما، أن تعيش في مكان يمكنها أن تأكل فيه “سندوتش فلافل”، بشكل طبيعي وهي تشاهد المارة، بدون أن تضطر إلى “الاختباء في سيارتها” كلما أرادت أن تأكل من أحد المطاعم الشعبية القريبة من مكان عملها في منطقة السعدون ببغداد.
وتقول هبة “ربما يكون هذا أمرا تافها بالنسبة للكثيرين خاصة في بلد يزخر بالمشاكل مثل العراق، لكنه في الحقيقة محزن ويمكنك أن تنطلق منه لتعرف كمية التمييز التي تصاحب الفتاة سواء في المنزل، الشارع، أو العمل”.
وتعرف هبة أن الموضوع “اجتماعي” في الأساس، مضيفة “الأكل هو أبسط الحقوق الإنسانية، لكن النظرات التي أتلقاها كل مرة آكل فيها سندوتشا من عربة في الشارع تقول إن الفتيات يطالبن بأن يتصرفن بشكل مختلف، كأنهن كائنات مختلفة”.
وتحتفل الأمم المتحدة في الحادي عشر من أكتوبر بـ”اليوم العالمي للفتاة”، في وقت تمر فيه الفتيات في العراق بظروف عصيبة.
وبحسب هبة، فإن “الفتيات العراقيات محرومات من كل شيء تقريبا، بدءا من الحرية في العمل والدراسة والمشي في الشارع، إلى التمتع بأدوار قيادية في مجتمعاتهن”، مضيفة “تخيل أن تطالب فتاة لا تستطيع الأكل بحرية بمنصب قيادي أو بحقها في تقرير مستقبلها أو بمساحة شخصية لا يتدخل بها أحد”.
وقبل أسبوع، قامت فتاة عراقية من محافظة الناصرية بحرق نفسها بعد استلامها نتيجة الامتحان الدراسي النهائي.
وتقول المتخصصة في علوم المجتمع والصحة النفسية وسن العتابي إن “الفتيات في العراق يتعرضن لضغوط رهيبة”.
وتعيش آلاف الفتيات العراقيات في ظروف صعبة في معسكرات النزوح المنتشرة في العراق بعد اجتياح تنظيم داعش لمناطقهن، وقام التنظيم، الذي يقتل الرجال عادة، ببيع واغتصاب أعداد كبيرة من الفتيات الإيزيديات والمسيحيات.
وتقول الأمم المتحدة إن ثمانين بالمئة من الأطفال العراقيين يعانون من العنف المنزلي، كما إن زواج الأطفال لا يزال شائعا بدرجة كبيرة في مخيمات النزوح
وتضيف العتابي لموقع “الحرة” إن الضغوط العامة الكبيرة التي يتحملها كل العراقيين، من انعدام الشعور بالأمان، أو فقدان الهدف والاهتمام بالمستقبل، أو المخاوف من العنف والاضطهاد تقع بشكل مضاعف على الفتيات اللواتي يتعرضن لضغوط أخرى مثل عنف الأهل أو التحرش أو التمييز.
وتقول العتابي إن الفتيات العراقيات “محرومات من الأنشطة الترفيهية” التي تساعد الشبان على التخلص من الضغوط أو تخفيفها.
ودعت الأمم المتحدة في بيان صدر الأحد إلى “تحدي الأعراف التمييزية بين الجنسين” في العراق، وإلى تحسين فرص الفتيات بالتعليم والحصول على المهارات.
وتقول فرح عبد الكريم، وهي طالبة في الصف الرابع الإعدادي من بغداد إن “مستقبلها محدد مسبقا”، مضيفة “الفتيات في العراق إما أن يكن مطيعات للأهل أو ينظر إليهن على أنهن سيئات”.
وتقول الخبيرة العتابي إن “الوصمة الاجتماعية التي تلتصق بالفتاة بسهولة هي ضغط آخر هائل على الفتيات”، لكنها تقول إن “الضغوط تختلف بحسب مستوى العوائل وتعليمها، لكن يبقى هناك ضغط اجتماعي متساو على الفتيات جميعا”.
قيادة الطائرات
الطالبة العراقية فرح عبد الكريم، تتمنى أن تصبح “قائدة طائرة”، وهي مهنة لا تعمل فيها النساء عادة في العراق، كما أن من غير المعروف إن كانت الحكومة العراقية التي تمتلك خطوط الطيران في البلاد توافق على تعيين الفتيات.
وتقول فرح لموقع الحرة: “أنا ممتازة في الفيزياء والرياضيات، وصحتي ممتازة وبصري جيد جدا، لكن أهلي خيروني بين كلية التربية لأكون مدرسة أو البقاء في المنزل”.
وتعاني الفتيات العراقيات بشكل كبير من مشاكل الزواج المبكر الشائع في البلاد، وتقول المحامية ذكرى علي إنها تشاهد “العشرات” من الفتيات يتزوجن بأعمار 14-16 سنة شهريا في محاكم العاصمة بغداد.
وتقول ذكرى إن الأرقام على مستوى البلاد هي أكبر بكثير، كما أننا نشاهد تزويج فتيات بعمر 12 عاما خارج المحكمة، وهذا أمر خطر جدا لأن الفتيات يجبرن على التخلي عن طفولتهن لرعاية منزل وأطفال.
وتقول المسعفة العراقية لينا الظاهر، وهي من المشاركات في الاحتجاجات التي يشهدها العراق منذ نحو عام إن “بداية الاحتجاجات العراقية حملت معها وعدا بالتغيير، وشاهدنا الفتيات لأول مرة وهن يتمتعن بمساواة شبه كامل واحترام عال”.
وتضيف الظاهر “كل هذا تغير من جديد الآن بعد القمع الذي شهدته الاحتجاجات، وعدنا مرة أخرى للنضال من أجل حقوق بسيطة”.