قد لا يكون هناك عامل أكثر تأثيراً فى الجغرافيا السياسية المعاصرة من الجدل حول ثورة الطاقة، وإن أصبح أقل شيوعًا حول مصادرالطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية بقدر ما أصبح أكثر سخونة حول مصادر الطاقة الصخرية الجديدة وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والبيئية، وكيف يتأثر بها قطاع النفط والغاز…لعقود كان النفط ورقة ضغط فعالة ومصدر نفوذ لدى دول الخليج خاصة السعودية.
كما يعد الغاز الروسى قضية ساخنة فى ملف العلاقات الأوروبية الروسية من جهة والعلاقات الأمريكية الصينية من جهة آخرى كما هو الحال مع النفط الإيرانى، والآن…وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية منتجة ومصدرة للنفط والغاز الطبيعى بفضل ثورة الغاز الصخرى، فإن ذلك التحول الجيوسياسى من شأنه أن يعيد رسم توازنات القوى والعلاقات السياسية والاقتصادية فى العالم، ويلقى بظلاله على الشرق الأوسط والخليج العربى. تركز ميجان أو سوليفان، الأستاذ فى كلية كينيدى بجامعة هارفارد ونائب مستشار الأمن القومى الأسبق خلال إدارة جورج بوش الابن، على العلاقة الحاسمة بين السياسة الخارجية وأسواق الطاقة فى كتابها الأخير «Windfall: How the New Energy Abundance Upends Global Politics and Strengthens Americas Power» كاشفة كيف أصبحت الولايات المتحدة الآن أكبر منتج للنفط والغاز فى العالم، مشيرة إلى أن هذا لم يدفع الأسعار للانخفاض فقط، ولكنه غير بالفعل بنية الأسواق والطريقة التى تمارس بها العديد من الدول السلطة والنفوذ. كما غير السياسة فى روسيا وأوروبا والصين والشرق الأوسط. النفط الصخرى والغاز المصاحب له Shale Gas هو مورد طبيعى ينشأ من حجارة الإردواز، التى تحتوى على نسبة عالية من المواد العضوية والنفط، والغاز يكون محبوسًا على أعماق تقارب 1000م تحت الأرض، ويتم التنقيب بعدة طرق، أوسعها انتشارًا التكسير الهيدروليكى.وأصبح النفط الصخرى والغاز المصاحب له أحد العوامل المتحكمة بأسعار النفط. فمع مطلع الألفية الثانية؛أحدث اكتشاف الغاز الصخرى وإنتاجه بالولايات المتحدة ثورة فى صناعة الطاقة، فبدأت الهيئات والدراسات الدولية برصد احتياطيات الدول من هذا الوقود الجديد، ورصد الاستثمارات ووضع الخطط لاستغلاله. ووصفت وكالة الطاقة الدولية الفترة الحالية بـ«العصر الذهبى للغاز»، متوقعة أن تتفوق الولايات المتحدة فى السنوات القليلة المقبلة على السعودية وروسيا لتصبح الدولة الأكبر إنتاجاً للنفط بالعالم. كما توقعت أن يصبح الغاز الطبيعى ثانى أكبر طاقة استخداما بعد النفط عام 2035، وفى صدارة قائمة الدول الغنية بموارد الغاز الصخرى تأتى الولايات المتحدة والصين والجزائر والأرجنتين والمكسيك وجنوب إفريقيا وأستراليا وكندا وليبيا والبرازيل، حيث احتل حجم الموارد القابلة للاستخراج لهذه الدول العشر نسبة 84٫5 % من إجمالى موارد الغاز الصخرى بالعالم. ترى أو سوليفان أن انخفاض أسعار النفط الخام خلال العامين الماضيين، والقدرة الواسعة لأمريكا على استخراج الغاز الصخرى، لم يجعلها فقط مكتفية ذاتيا بل حولها لأكبر مصدر للمنتجات البترولية المكررة، ومصدِّرًا للنفط الخام والغاز الطبيعى المسال، ومن ثم يمكنها ضخ النفط فى السوق بسرعة أكبر، مما قد يضعف قبضة منظمة أوبك على أسعار النفط، من خلال جعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لخفض إنتاجها من أجل زيادات مستمرة فى أسعار النفط. وللمرة الأولى منذ أكثر من قرن، يحدد السوق سعر النفط. يضغط الإنتاج القياسى للولايات المتحدة على الأسعار. فذكر تقرير لإدارة معلومات الطاقة أخيرا، بلوغ الإنتاج 11٫3 مليون برميل يوميا.
تجادل أو سوليفان بأن وفرة الطاقة الأمريكية الجديدة من شأنه أن يعزز قوة ونفوذ أمريكا السياسى والاقتصادى دوليا من جهة، ومن جهة آخرى يضعف نفوذ دول آخرى كإيران وروسيا والسعودية ودول الخليج التى تمتعت لوقت طويل بنفوذ خاص بسبب إنتاج النفط مما يمكنه إنهاء ما وصفته المؤلفة بالحصار المفروض من بعض الدول على الدول الغربية بسبب إمدادات النفط والغاز، وتلمح لتداعيات ذلك متوقعة:» فى النهاية قد تتسبب وفرة الطاقة الجديدة فى انعكاسات كبيرة على السياسة العالمية مثل انهيار بعض الدول التى يعتمد اقتصادها على إنتاج وتصدير النفط بشكل كامل».
صعود أمريكا وإضعاف نفوذ روسيا فى أوروبا
تشير المؤلفة إلى أن أمريكا يمكنها أن تستفيد من وفرة الطاقة الجديدة ليس فقط بتقوية اقتصادها بل بتوفير نفوذ أمريكى عالمى، والتقليل من تأثير نفوذ روسيا على أوروبا، مضيفة «فى التاريخ الحديث، من النادر تغير الوضع الاستراتيجى لبلد واحد بشكل كبير فى مثل هذه الفترة القصيرة وعلى أمريكا استغلال الفرصة جيدا.. فى عام 2014، خفضت شركة جازبروم المملوكة للدولة الروسية من إمدادات الغاز لأوكرانيا للمرة الثالثة فى ثمانى سنوات. هذا الشكل من أشكال الإكراه الاقتصادى سيكون من الصعب تنفيذه الآن، بسبب إمكانية نقل الغاز الأمريكى بأسعار منخفضة لأوروبا، كما يوفر مصدرًا بديلاً للإمداد، وهذا من شأنه أن يجعل أوروبا أقل عرضة لواحدة من أدوات التلاعب السياسية الخارجية الروسية الممتدة التأثير فى أسواق الغاز الطبيعى»، مؤكدة أن ذلك سيضع ضغوطا جديدة على روسيا، وربما لن ينهى استخدام أوروبا للغاز الروسى، ولكنه يغير ميزان القوى بينما تتوافر لدى أوروبا خيارات أكبر للشراء. وتسقط أو سوليفان من اعتبارها نقطة مهمة قد تتناقض مع نظريتها بشأن إمدادات الغاز الروسى لأوروبا، فالغاز الروسى يتدفق عبر شبكة من خطوط الأنابيب القديمة لأوروبا، وبالتالى فإن تكلفته أقل بنحو30 % تقريبًا من الغاز الأمريكى (الذى يجب تسييله وشحنه عبر المحيط الأطلسى قبل توصيله بالأنابيب لأوروبا). وتأمل إدارة ترامب أن الأوروبيين سيكونون مستعدين لدفع تكلفة الثلاثين فى المائة لكسر نفوذ الطاقة الروسية على أوروبا، إلا أن هذا قد يصعب تحقيقه فى ظل الانتهاء الوشيك لخط أنابيب «نورد ستريم 2» الممتد من روسيا لألمانيا، والذى قد يجعل أوروبا أكثر اعتمادًا على روسيا من أمريكا.
بالإضافة لذلك فإن الدول الأوروبية الصناعية أصبحت تشعر بالانزعاج المتزايد إزاء خسارة الشركات للقدرة التنافسية لصالح المصانع التى تستخدم الغاز الطبيعى الرخيص وما يترتب على ذلك من تحول التصنيع من أوروبا لأمريكا. ويشكل هذا قلقا كبيرا لألمانيا، التى يعتمد نصف ناتجها المحلى على الصادرات، حيث تتزايد تكاليف الطاقة مما يؤدى لخسارة الصناعة الألمانية حصتها بالسوق العالمية.
تؤمن خبيرة الطاقة بجامعة هارفارد أن ثورة الطاقة يمكنها توحيد قارة أمريكا الشمالية سياسيا واقتصاديا، منتقدة إدارة أوباما لابتعاده عن كندا بتأخيره لمشروع خط أنابيب كيستون، وكذلك ترامب لابتعاده عن المكسيك بإهاناته والتحدث عن إنشاء «جدار» بين البلدين، مشيرة إلى أن ذلك لن يؤدى لتقليص أكبر مستهلك للغاز الطبيعى الأمريكى فحسب، بل سيؤدى أيضاً لإضعاف توقعات الولايات المتحدة وكندا والمكسيك فى الوصول لاستقلال الطاقة فى أمريكا الشمالية. كما تنتقد المؤلفة جهل ترامب بالعلاقات الاقتصادية الأمريكية المكسيكية، لافتة إلى أنه عبر حدود البلدين هناك 20 خطا لأنابيب الغاز الطبيعى، فعلى الجانب الأمريكى من خليج المكسيك توجد وحدات تخزين وإعادة تحويل عائمة منذ عام 2005، لافتة إلى أن تلك الوحدات تساعد الآن دولاً فى وسط وشرق أوروبا على تلقى الغاز من الخارج، مما يقلل اعتمادها على روسيا، مشيرة إلى أن توصيل الغاز بحراً أدى لانخفاض الأسعار فى العالم. بالنسبة لروسيا، فإن طفرة الغاز الطبيعى وضع البلاد فى وضع غير مؤاتٍ بشكل متزايد فى التنافس مع الصين على الأسواق والنفوذ فى آسيا الوسطى السوفيتية السابقة. ربما لا تزال روسيا تتمتع بميزة بسبب احتياطياتها من الطاقة، ولكنها لا تستطيع أن تستخدم الطاقة لأغراض سياسية بوضوح كما اعتادت من قبل. وبينما تضعف روسيا، تفترض أو سوليفان أن الصين ستصبح فى بعض النواحى فاعلاً عالمياً أفضل، لأن الغاز والنفط الأرخص سيخفضان تدريجياً من حاجة الصين للصداقة مع الأنظمة الأوتوقراطية الغنية بالطاقة.
الرسوم على صادرات الطاقة ورقة ضغط صينية على أمريكا
وبتفاؤل يتجاهل أسباب آخرى جوهرية للأزمة بين البلدين؛ تجادل نائب مستشار الأمن القومى الأسبق بأن موارد الطاقة الأمريكية الجديدة يمكنها أيضا أن تدفع العلاقات الأمريكية الصينية للتحسن، مشيرة إلى استياء واشنطن قبل بضع سنوات عندما تدخلت بكين فى سياساتها لمواجهة أنظمة اعتبرتها أمريكا مارقة، ومارست بكين ضغوطا لحماية تلك الأنظمة لضمان إمدادات الصين من النفط، معتبرة أن الوضع الحالى لأمريكا يمكنه تغيير السياسة الصينية تجاه تلك الأنظمة وتجاه السياسة الخارجية الأمريكية إذا ما اقتنعت الصين أنه يمكنها الحصول على إمدادات الطاقة الخاصة بها من السوق وليس من حصص فى مشاريع خارجية تم شراؤها من البنوك المملوكة للدولة، مضيفة «إن سيناريو القوى العظمى التى تتنافس على موارد نفطية محدودة منذ سنوات أصبح الآن قصة عفا عليها الزمن»، وتعتبر أن الكرة الآن فى ملعب واشنطن إذا ما أرادت تحسين علاقتها ببكين فإن عليها أن تعزز ثقة الصين فى الأسواق العالمية من خلال تزويد البلاد بالغاز الطبيعى والنفط، مما سيزيد الفرصة أمام الصين لتجد نفسها فى وضع أكثر راحة بالنسخة الجديدة من النظام العالمى الحالى والمستقبلى من ناحية، ومن ناحية آخرى سيشكل حافزًا أقل للصين لتشكيل تحالف مع روسيا التى دافعت عن أنابيب الغاز الخاصة بها مع بكين على أنها «محور» إلى الشرق بعد العقوبات العالمية. وبالنسبة للصين فإن الاستعاضة عن الفحم بالغاز الطبيعى لتوليد الكهرباء تشكل ضرورة لتخفيف الاستياء العام والمشاكل الصحية النابعة من تلوث الهواء. فضلا عن أنه من دون سوق أوروبية، سيتعين على الولايات المتحدة، كمصدّر للغاز الطبيعى، أن تفكر فى التحول لأسواق آسيا. وحاليا، تقوم روسيا ببناء خط أنابيب للطاقة يخدم منطقة سيبيريا، وقادرعلى توصيل الغاز الطبيعى للصين مباشرة. وعلى الرغم من التقديرات التى تشير إلى أن هذا الغاز قد يكون أغلى بنسبة 20% من الغاز الطبيعى المسال فى الولايات المتحدة، إلا أن الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين قد تغيرهذه الحقيقة، وذلك من خلال فرض الصين رسوما جمركية «انتقامية» على صادرات الطاقة الأمريكية بما فى ذلك النفط الخام والغاز الطبيعى المسال. وإذا لم ينجح الطرفان فى نزع فتيل الأزمة، فقد تؤدى الرسوم الانتقامية الصينية لضرب صناعة الطاقة الأمريكية المزدهرة، وقد يقوض ذلك طموحات ترامب المتعلقة بالهيمنة الأمريكية على الطاقة العالمية.
تأثير جيوسياسى بالشرق الأوسط..ومعضلة بالخليج مع الغاز الأمريكى
على جانب آخر، أصبح التأثير الجيوسياسى لثورة الطاقة الصخرية على تغيير الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط موضوعا ساخنا فى واشنطن، وفى الشرق الأوسط ذاته. فعندما طبقت الولايات المتحدة الأمريكية أخيرا عقوبات جديدة ضد صناعة النفط فى إيران – ثالث أكبر منتج للنفط الخام فى منظمة أوبك – استجابت الأسواق بسرعة. فى مواجهة التوترات الجديدة فى الشرق الأوسط.. وتجلس إيران الآن وبجدية على طاولة المفاوضات النووية، وما كان هذا ليحدث لولا النفط الصخرى. فعندما فرضت العقوبات الصارمة من قبل على صادرات النفط الإيرانية، كان الخوف بالأسواق من ارتفاع أسعار النفط العالمية، وأن العقوبات قد تفشل لعدم كفاية الإمدادات البديلة، ولكن الزيادة فى إنتاج النفط الأمريكى على مدى الأعوام القليلة الماضية عوضت عن الإنتاج الإيرانى المفتقد، الأمر الذى مكَّن العقوبات، التى عززتها تدابير مالية موازية، من إحداث التأثير المطلوب مما حث إيران على التفاوض بجدية.
قد لا يكون هناك عامل أكثر تأثيراً فى الجغرافيا السياسية المعاصرة من الجدل حول ثورة الطاقة، وإن أصبح أقل شيوعًا حول مصادرالطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية بقدر ما أصبح أكثر سخونة حول مصادر الطاقة الصخرية الجديدة وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والبيئية، وكيف يتأثر بها قطاع النفط والغاز…لعقود كان النفط ورقة ضغط فعالة ومصدر نفوذ لدى دول الخليج خاصة السعودية.
كما يعد الغاز الروسى قضية ساخنة فى ملف العلاقات الأوروبية الروسية من جهة والعلاقات الأمريكية الصينية من جهة آخرى كما هو الحال مع النفط الإيرانى، والآن…وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية منتجة ومصدرة للنفط والغاز الطبيعى بفضل ثورة الغاز الصخرى، فإن ذلك التحول الجيوسياسى من شأنه أن يعيد رسم توازنات القوى والعلاقات السياسية والاقتصادية فى العالم، ويلقى بظلاله على الشرق الأوسط والخليج العربى. تركز ميجان أو سوليفان، الأستاذ فى كلية كينيدى بجامعة هارفارد ونائب مستشار الأمن القومى الأسبق خلال إدارة جورج بوش الابن، على العلاقة الحاسمة بين السياسة الخارجية وأسواق الطاقة فى كتابها الأخير «Windfall: How the New Energy Abundance Upends Global Politics and Strengthens Americas Power» كاشفة كيف أصبحت الولايات المتحدة الآن أكبر منتج للنفط والغاز فى العالم، مشيرة إلى أن هذا لم يدفع الأسعار للانخفاض فقط، ولكنه غير بالفعل بنية الأسواق والطريقة التى تمارس بها العديد من الدول السلطة والنفوذ. كما غير السياسة فى روسيا وأوروبا والصين والشرق الأوسط. النفط الصخرى والغاز المصاحب له Shale Gas هو مورد طبيعى ينشأ من حجارة الإردواز، التى تحتوى على نسبة عالية من المواد العضوية والنفط، والغاز يكون محبوسًا على أعماق تقارب 1000م تحت الأرض، ويتم التنقيب بعدة طرق، أوسعها انتشارًا التكسير الهيدروليكى.وأصبح النفط الصخرى والغاز المصاحب له أحد العوامل المتحكمة بأسعار النفط. فمع مطلع الألفية الثانية؛أحدث اكتشاف الغاز الصخرى وإنتاجه بالولايات المتحدة ثورة فى صناعة الطاقة، فبدأت الهيئات والدراسات الدولية برصد احتياطيات الدول من هذا الوقود الجديد، ورصد الاستثمارات ووضع الخطط لاستغلاله. ووصفت وكالة الطاقة الدولية الفترة الحالية بـ«العصر الذهبى للغاز»، متوقعة أن تتفوق الولايات المتحدة فى السنوات القليلة المقبلة على السعودية وروسيا لتصبح الدولة الأكبر إنتاجاً للنفط بالعالم. كما توقعت أن يصبح الغاز الطبيعى ثانى أكبر طاقة استخداما بعد النفط عام 2035، وفى صدارة قائمة الدول الغنية بموارد الغاز الصخرى تأتى الولايات المتحدة والصين والجزائر والأرجنتين والمكسيك وجنوب إفريقيا وأستراليا وكندا وليبيا والبرازيل، حيث احتل حجم الموارد القابلة للاستخراج لهذه الدول العشر نسبة 84٫5 % من إجمالى موارد الغاز الصخرى بالعالم. ترى أو سوليفان أن انخفاض أسعار النفط الخام خلال العامين الماضيين، والقدرة الواسعة لأمريكا على استخراج الغاز الصخرى، لم يجعلها فقط مكتفية ذاتيا بل حولها لأكبر مصدر للمنتجات البترولية المكررة، ومصدِّرًا للنفط الخام والغاز الطبيعى المسال، ومن ثم يمكنها ضخ النفط فى السوق بسرعة أكبر، مما قد يضعف قبضة منظمة أوبك على أسعار النفط، من خلال جعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لخفض إنتاجها من أجل زيادات مستمرة فى أسعار النفط. وللمرة الأولى منذ أكثر من قرن، يحدد السوق سعر النفط. يضغط الإنتاج القياسى للولايات المتحدة على الأسعار. فذكر تقرير لإدارة معلومات الطاقة أخيرا، بلوغ الإنتاج 11٫3 مليون برميل يوميا.
تجادل أو سوليفان بأن وفرة الطاقة الأمريكية الجديدة من شأنه أن يعزز قوة ونفوذ أمريكا السياسى والاقتصادى دوليا من جهة، ومن جهة آخرى يضعف نفوذ دول آخرى كإيران وروسيا والسعودية ودول الخليج التى تمتعت لوقت طويل بنفوذ خاص بسبب إنتاج النفط مما يمكنه إنهاء ما وصفته المؤلفة بالحصار المفروض من بعض الدول على الدول الغربية بسبب إمدادات النفط والغاز، وتلمح لتداعيات ذلك متوقعة:» فى النهاية قد تتسبب وفرة الطاقة الجديدة فى انعكاسات كبيرة على السياسة العالمية مثل انهيار بعض الدول التى يعتمد اقتصادها على إنتاج وتصدير النفط بشكل كامل».
صعود أمريكا وإضعاف نفوذ روسيا فى أوروبا
تشير المؤلفة إلى أن أمريكا يمكنها أن تستفيد من وفرة الطاقة الجديدة ليس فقط بتقوية اقتصادها بل بتوفير نفوذ أمريكى عالمى، والتقليل من تأثير نفوذ روسيا على أوروبا، مضيفة «فى التاريخ الحديث، من النادر تغير الوضع الاستراتيجى لبلد واحد بشكل كبير فى مثل هذه الفترة القصيرة وعلى أمريكا استغلال الفرصة جيدا.. فى عام 2014، خفضت شركة جازبروم المملوكة للدولة الروسية من إمدادات الغاز لأوكرانيا للمرة الثالثة فى ثمانى سنوات. هذا الشكل من أشكال الإكراه الاقتصادى سيكون من الصعب تنفيذه الآن، بسبب إمكانية نقل الغاز الأمريكى بأسعار منخفضة لأوروبا، كما يوفر مصدرًا بديلاً للإمداد، وهذا من شأنه أن يجعل أوروبا أقل عرضة لواحدة من أدوات التلاعب السياسية الخارجية الروسية الممتدة التأثير فى أسواق الغاز الطبيعى»، مؤكدة أن ذلك سيضع ضغوطا جديدة على روسيا، وربما لن ينهى استخدام أوروبا للغاز الروسى، ولكنه يغير ميزان القوى بينما تتوافر لدى أوروبا خيارات أكبر للشراء. وتسقط أو سوليفان من اعتبارها نقطة مهمة قد تتناقض مع نظريتها بشأن إمدادات الغاز الروسى لأوروبا، فالغاز الروسى يتدفق عبر شبكة من خطوط الأنابيب القديمة لأوروبا، وبالتالى فإن تكلفته أقل بنحو30 % تقريبًا من الغاز الأمريكى (الذى يجب تسييله وشحنه عبر المحيط الأطلسى قبل توصيله بالأنابيب لأوروبا). وتأمل إدارة ترامب أن الأوروبيين سيكونون مستعدين لدفع تكلفة الثلاثين فى المائة لكسر نفوذ الطاقة الروسية على أوروبا، إلا أن هذا قد يصعب تحقيقه فى ظل الانتهاء الوشيك لخط أنابيب «نورد ستريم 2» الممتد من روسيا لألمانيا، والذى قد يجعل أوروبا أكثر اعتمادًا على روسيا من أمريكا.
بالإضافة لذلك فإن الدول الأوروبية الصناعية أصبحت تشعر بالانزعاج المتزايد إزاء خسارة الشركات للقدرة التنافسية لصالح المصانع التى تستخدم الغاز الطبيعى الرخيص وما يترتب على ذلك من تحول التصنيع من أوروبا لأمريكا. ويشكل هذا قلقا كبيرا لألمانيا، التى يعتمد نصف ناتجها المحلى على الصادرات، حيث تتزايد تكاليف الطاقة مما يؤدى لخسارة الصناعة الألمانية حصتها بالسوق العالمية.
تؤمن خبيرة الطاقة بجامعة هارفارد أن ثورة الطاقة يمكنها توحيد قارة أمريكا الشمالية سياسيا واقتصاديا، منتقدة إدارة أوباما لابتعاده عن كندا بتأخيره لمشروع خط أنابيب كيستون، وكذلك ترامب لابتعاده عن المكسيك بإهاناته والتحدث عن إنشاء «جدار» بين البلدين، مشيرة إلى أن ذلك لن يؤدى لتقليص أكبر مستهلك للغاز الطبيعى الأمريكى فحسب، بل سيؤدى أيضاً لإضعاف توقعات الولايات المتحدة وكندا والمكسيك فى الوصول لاستقلال الطاقة فى أمريكا الشمالية. كما تنتقد المؤلفة جهل ترامب بالعلاقات الاقتصادية الأمريكية المكسيكية، لافتة إلى أنه عبر حدود البلدين هناك 20 خطا لأنابيب الغاز الطبيعى، فعلى الجانب الأمريكى من خليج المكسيك توجد وحدات تخزين وإعادة تحويل عائمة منذ عام 2005، لافتة إلى أن تلك الوحدات تساعد الآن دولاً فى وسط وشرق أوروبا على تلقى الغاز من الخارج، مما يقلل اعتمادها على روسيا، مشيرة إلى أن توصيل الغاز بحراً أدى لانخفاض الأسعار فى العالم. بالنسبة لروسيا، فإن طفرة الغاز الطبيعى وضع البلاد فى وضع غير مؤاتٍ بشكل متزايد فى التنافس مع الصين على الأسواق والنفوذ فى آسيا الوسطى السوفيتية السابقة. ربما لا تزال روسيا تتمتع بميزة بسبب احتياطياتها من الطاقة، ولكنها لا تستطيع أن تستخدم الطاقة لأغراض سياسية بوضوح كما اعتادت من قبل. وبينما تضعف روسيا، تفترض أو سوليفان أن الصين ستصبح فى بعض النواحى فاعلاً عالمياً أفضل، لأن الغاز والنفط الأرخص سيخفضان تدريجياً من حاجة الصين للصداقة مع الأنظمة الأوتوقراطية الغنية بالطاقة.
الرسوم على صادرات الطاقة ورقة ضغط صينية على أمريكا
وبتفاؤل يتجاهل أسباب آخرى جوهرية للأزمة بين البلدين؛ تجادل نائب مستشار الأمن القومى الأسبق بأن موارد الطاقة الأمريكية الجديدة يمكنها أيضا أن تدفع العلاقات الأمريكية الصينية للتحسن، مشيرة إلى استياء واشنطن قبل بضع سنوات عندما تدخلت بكين فى سياساتها لمواجهة أنظمة اعتبرتها أمريكا مارقة، ومارست بكين ضغوطا لحماية تلك الأنظمة لضمان إمدادات الصين من النفط، معتبرة أن الوضع الحالى لأمريكا يمكنه تغيير السياسة الصينية تجاه تلك الأنظمة وتجاه السياسة الخارجية الأمريكية إذا ما اقتنعت الصين أنه يمكنها الحصول على إمدادات الطاقة الخاصة بها من السوق وليس من حصص فى مشاريع خارجية تم شراؤها من البنوك المملوكة للدولة، مضيفة «إن سيناريو القوى العظمى التى تتنافس على موارد نفطية محدودة منذ سنوات أصبح الآن قصة عفا عليها الزمن»، وتعتبر أن الكرة الآن فى ملعب واشنطن إذا ما أرادت تحسين علاقتها ببكين فإن عليها أن تعزز ثقة الصين فى الأسواق العالمية من خلال تزويد البلاد بالغاز الطبيعى والنفط، مما سيزيد الفرصة أمام الصين لتجد نفسها فى وضع أكثر راحة بالنسخة الجديدة من النظام العالمى الحالى والمستقبلى من ناحية، ومن ناحية آخرى سيشكل حافزًا أقل للصين لتشكيل تحالف مع روسيا التى دافعت عن أنابيب الغاز الخاصة بها مع بكين على أنها «محور» إلى الشرق بعد العقوبات العالمية. وبالنسبة للصين فإن الاستعاضة عن الفحم بالغاز الطبيعى لتوليد الكهرباء تشكل ضرورة لتخفيف الاستياء العام والمشاكل الصحية النابعة من تلوث الهواء. فضلا عن أنه من دون سوق أوروبية، سيتعين على الولايات المتحدة، كمصدّر للغاز الطبيعى، أن تفكر فى التحول لأسواق آسيا. وحاليا، تقوم روسيا ببناء خط أنابيب للطاقة يخدم منطقة سيبيريا، وقادرعلى توصيل الغاز الطبيعى للصين مباشرة. وعلى الرغم من التقديرات التى تشير إلى أن هذا الغاز قد يكون أغلى بنسبة 20% من الغاز الطبيعى المسال فى الولايات المتحدة، إلا أن الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين قد تغيرهذه الحقيقة، وذلك من خلال فرض الصين رسوما جمركية «انتقامية» على صادرات الطاقة الأمريكية بما فى ذلك النفط الخام والغاز الطبيعى المسال. وإذا لم ينجح الطرفان فى نزع فتيل الأزمة، فقد تؤدى الرسوم الانتقامية الصينية لضرب صناعة الطاقة الأمريكية المزدهرة، وقد يقوض ذلك طموحات ترامب المتعلقة بالهيمنة الأمريكية على الطاقة العالمية.
تأثير جيوسياسى بالشرق الأوسط..ومعضلة بالخليج مع الغاز الأمريكى
على جانب آخر، أصبح التأثير الجيوسياسى لثورة الطاقة الصخرية على تغيير الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط موضوعا ساخنا فى واشنطن، وفى الشرق الأوسط ذاته. فعندما طبقت الولايات المتحدة الأمريكية أخيرا عقوبات جديدة ضد صناعة النفط فى إيران – ثالث أكبر منتج للنفط الخام فى منظمة أوبك – استجابت الأسواق بسرعة. فى مواجهة التوترات الجديدة فى الشرق الأوسط.. وتجلس إيران الآن وبجدية على طاولة المفاوضات النووية، وما كان هذا ليحدث لولا النفط الصخرى. فعندما فرضت العقوبات الصارمة من قبل على صادرات النفط الإيرانية، كان الخوف بالأسواق من ارتفاع أسعار النفط العالمية، وأن العقوبات قد تفشل لعدم كفاية الإمدادات البديلة، ولكن الزيادة فى إنتاج النفط الأمريكى على مدى الأعوام القليلة الماضية عوضت عن الإنتاج الإيرانى المفتقد، الأمر الذى مكَّن العقوبات، التى عززتها تدابير مالية موازية، من إحداث التأثير المطلوب مما حث إيران على التفاوض بجدية.