أمين الحافظ .. كما عرفته
بقلم: أحمد صبري
في أول لقاء جمعني بالرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ في بغداد، خرجت بانطباع أن هذا الرجل الذي رحل عام 2009 في حلب شاهد حي، وصادق على فترة هي من أشد فترات الإثارة في تاريخ سوريا والمنطقة. كان له دوره المؤثر في صنعها رغم تباين الآراء حول هذا الدور، إلا أن شهادته التي رواها لي منذ فترة انصهاره بالعمل السياسي في سوريا وحتى تربعه على سدة الرئاسة السورية في ستينيات القرن الماضي وما تلاها من أحداث جديرة بالتأمل، ما حفزني على مواصلة اللقاء مع هذا الرجل الذي غيَّبه الموت عام 2009 في مدينة حلب.
وأبو عبدو ـ كما اصطلح على تسميته ـ كرَّس حياته في منفاه لتوضيح ملابسات الأحداث التي رافقت وصوله إلى المنصب الأول في سوريا والصفحة التي تلت هذه الأحداث قادته إلى كتابة مذكراته عن تلك الحقبة، كنت متابعا لتفاصيلها بطلب منه، وبعد أن اكتملت فصولها كلف أحد الصحفيين العرب بنشرها في صحيفة عربية لاطلاع الرأي العام عليها ونشرت فعلا.
وفاجأ الراحل أمين الحافظ الصحفي المذكور بالتأكيد على أن ريع النشر والمذكرات يتبرع به لأطفال العراق وفلسطين، ورفض استلام فلس واحد عن ذلك، في لفتة تعكس موقفه القومي الإنساني إزاء ما يتعرض له أطفال العراق وفلسطين من حصار.
وطيلة ثلاثة عقود قضاها الرئيس الراحل أمين الحافظ في العراق ولغاية مغادرته عام 2003 بسبب الاحتلال الأميركي كانت حياته بسيطة، حظي برعاية واهتمام الدولة العراقية، إلا أنه فضل هذه الحياة على سواها.
وطبقا لما رواه لي، فإن القيادة العراقية أوعزت للجهات ذات العلاقة بزيادة المخصصات الممنوحة لأبي عبدو بأثر رجعي، ومنحه مسكنا لائقا، وتلبية جميع متطلباته، وما كان من أبي عبدو إلا أن عبَّر عن امتنانه لهذه الالتفاتة الكريمة، وقرر الاعتذار عن استلام المستحقات المالية التي تراكمت بعد احتسابها بأثر رجعي، وقام بالتبرع بها للخزينة العراقية نظرا لظروف الحصار المفروض على العراق. أما بخصوص المسكن فقد استأذن وزارة المالية وقام ببيعه وتوزيع أمواله على العوائل السورية المتعففة في العراق.
لقد كان الرئيس الراحل أمين الحافظ شخصية عفوية تحن للماضي، لكن بنظرة جديدة عسى أن يصلح الزمن أخطاء الماضي التي أوصلت الأمة إلى الحال الذي تعيشه كما يقول لمحدِّثيه.
وفي صيف عام 2003 زرته في شقة بسيطة لأحد أصدقائه في شارع حيفا بكرخ بغداد فوجدته حزينا، إلا أنه كان مؤمنا أن ما جرى للعراق سينجلي، مشيدا بأهل الكرخ الذين حل ضيفا عليهم وشجاعتهم في تأمين الحماية له وللعوائل السورية التي كانت تسكن في شارع حيفا في ظل الفوضى التي شهدتها بغداد بعد الاحتلال.
وأمين الحافظ الذي رحل عنا بهدوء في مسقط رأسه بمدينة حلب ـ كما كان يتمنى ـ بعد أن عاد إلى وطنه معززا مكرما، إلا أن أبا عبدو أصرَّ على عودة من كان معه في المنفى من أشقائه السوريين، في محاولة لفتح صفحة جديدة وطي صفحة الماضي.. فكان له ما أراد.
ومن المعلوم أن أمين الحافظ كان من أبرز الضباط الذين مهدوا لقيام الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958، ثم أصبح وزيرا للداخلية بعد ثورة 8 مارس/آذار 1963، ثم رئيسا للأركان العامة للقوات المسلحة والجيش ووزيرا للدفاع قبل أن ينتخب رئيسا للدولة في ذات العام.