أثار سقوط المقاتلة «أف 16» الإسرائيلية العديد من الأسئلة حول قواعد اشتباك جديدة في المنطقة، وحول اهتزاز صورة تفوق الطيران الإسرائيلي ودفاعه الجوي، الذي تم اختراقه عبر دخول طائرة إيرانية هجومية مسيرة تحمل صاروخاً مضاداً للطائرات إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وحاولت إسرائيل الرسمية التقليل من قيمة ورمزية إسقاط مقاتلة متطورة لها صباح السبت الماضي، حيث قال رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، إنها وجهت ضربات قاسية لإيران والنظام السوري.
وأضاف قبيل اجتماع حكومته الأسبوعي «أوضحنا للجميع أن قواعد عملنا لم تتغير على الإطلاق، سنواصل ضرب كل محاولة للاعتداء علينا، هذه كانت سياستنا وستبقى كذلك. أثبتنا أننا ندرك كيف نتوحد من أجل صد أعدائنا والحفاظ على دولتنا». وكشف نتنياهو خلال جلسة وزراء الليكود أمس، أن إسرائيل وضعت خطوطًا حمراً واضحة، «عملنا وسنعمل بموجبها دائما».
على المستوى العسكري اعتبر قائد لواء الشمال في الجيش الإسرائيلي، الجنرال يوئيل ستريك، أن المعركة يمكن أن تتحول إلى حرب حقيقية خلال لحظة، مشدداً على أن إسرائيل «لن تسمح لإيران بتحقيق مرادها بتحويل سوريا الى قاعدة أمامية لها، ومع ذلك أوضحنا أن وجهتنا ليست للتصعيد». وأكد في حديث مع جنود في الجولان السوري المحتل أمس، أن التدخل الإيراني في المنطقة تهديد مقلق لإسرائيل والعالم.
وتشير الوقائع إلى أن ما دفع القيادة الإسرائيلية لشن هجمات جوية على الأراضي السورية، وتدمير اثني عشر هدفاً بعضها أهداف إيرانية، وإتباع هذا الهجوم بهجوم جوي آخر على مطار «خلخلة» الواقع إلى الجنوب الشرقي من دمشق، والذي يعتبر إحدى قواعد طهران العسكرية قرب دمشق، هو القلق الشديد من الوجود الإيراني في مناطق الجولان على الحدود، وفرض معادلة جديدة في المنطقة.
تزامناً واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الدفع بتعزيزات عسكرية مكثفة نحو الحدود الشمالية مع الجانب السوري، تحسبًا لأي تصعيد مرتقب في ظل التوتر السائد إثر إسقاط مقاتلة إسرائيلية السبت من قبل الدفاعات الجوية السورية، حيث ضاعف جيشها أعداد الآليات العسكرية والدبابات المتطورة في الجولان المحتل خشية من اندلاع مواجهة.
ودعا وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت حكومته لضرب أكبر قدر ممكن من القوات الإيرانية المتمركزة في سوريا إذا هاجمت إسرائيل، بينما شدد على القيام بأي شيء لمنع اندلاع حرب مقبلة مع لبنان، مؤكداً أن حرب لبنان تعني إلحاق الضرر الكبير بالجبهة الداخلية.
ولكن وحسب محللين فإن كل هذا ما كان ليحصل لولا حدوث الضربة الجوية التي نفذها طيران التحالف الذي تقوده أمريكا على رتل مشترك من القوات الروسية والإيرانية والسورية في منطقة دير الزور، وتدميره وتبديد الهدف الذي تحرك من أجله، مما جعل روسيا تبدو مهزومة (على الأقل) أمام شريكتيها سوريا وايران، ويضاف إلى ذلك الغضب الروسي من إسقاط الطائرة الروسية في إدلب، والتي اعتبرت موسكو أن سبب سقوطها هو صاروخ أمريكي الصنع، وهذان سببان سرّعا فكرة إرسال الطائرة المسيّرة باتجاه الأراضي المحتلة في غرفة العمليات المشتركة للتحرش بالسلاح الأمريكي عن طريق إسرائيل.
وترجح المعطيات أن أهداف إسرائيل الرئيسية في هذه المرحلة هي جعل سوريا بالكامل، وما تسمى بمنطقة خفض التصعيد في جنوب سوريا بشكل خاص، خالية من أي وجود ايراني أو أي ميليشيات مسلحة أخرى تابعة لطهران، الأمر الذي كانت قد أشارت إليه إسرائيل في مناسبات عدة، واعتبرت ذلك خطوة مقلقة، حيث كان قد حذر وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان من تثبيت الوجود الإيراني في سوريا، قائلا في مقابلة نشرتها صحيفة «كومرسنت» الروسية في تموز/يوليو 2017 إن «إقامة القواعد الجوية والبحرية، ومحاولة مرابطة 5 آلاف شيعي على الأرض السورية بشكل دائم، ليست مقبولة من جهتنا وستؤدي إلى نتائج ثقيلة الوزن». وأكد ليبرمان في المقابلة أن إيران تدفع لحزب الله كل سنة نحو 800 مليون دولار. وذكر أن حزب الله يحاول هو أيضاً ان يقيم في سوريا قاعدة متقدمة تهدد إسرائيل، قائلا» نحن نرد بالقوة ايضاً عندما نلاحظ إقامة قاعدة متقدمة تستهدف فتح جبهة أخرى ضدنا».
لبنانياً طرحت علامات استفهام حول إمكانية تدهور الأوضاع لتطول اهدافاً لحزب الله. وتأتي هذه الأجواء في ظل معلومات تحدثت عن وضع حزب الله بعض وحداته في حال تأهب غير معلن، في وقت أجرى رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون اتصالات بكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، للتشاور في الأوضاع المستجدة. أما وزير الخارجية جبران باسيل فدان انتهاك إسرائيل للأجواء اللبنانية واستخدامها للعدوان على سوريا. الى ذلك، فإن حزب الله قرأ في «التصدي السوري بداية مرحلة استراتيجية جديدة تضع حداً لاستباحة الأجواء والأراضي السورية، بل تطوّرا يعني بشكل قاطع سقوط المعادلات القديمة».