قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية في تقرير لها، إن الحياة تعود إلى الموصل (شمالي العراق) ولكن بصعوبة بعد تخليصها قبل أكثر من عامين من سيطرة تنظيم داعش.
وتعرض التقرير لقصص شبان وفتيات وأطفال من الموصل -ثاني كبرى المدن العراقية بعد بغداد- والتي تعرضت على مدار تسعة أشهر لقتال عنيف لتخليصها من تنظيم داعش.
وابتدر التقرير، الذي ترجمته، “الجزيرة” بقصة الطفل منذر (11 عاما) فذكر أنه كان يلعب ويقفز فوق أطلال حيه السكني، وهو عبارة عن منازل ومبان خاوية وأكوام من الأنقاض وخردة معدنية، وأجزاء من جدران مائلة وهياكل سيارات محترقة وثقوب هائلة في الطرق، تذكر بأن الموصل كانت مسرحا لمعركة رهيبة، ذهبت ضحيتها المدينة القديمة بتراثها التاريخي الذي لا يقدر بثمن.
ومنذر الذي لم يفلت منزل أهله من الدمار، تعلم كيف يتعامل مع هذا المشهد الموحش الذي أصبح ملعبه، وهو يحفظ الأماكن التي توجد فيها بقايا المتفجرات أو القنابل اليدوية ليتجنبها.
واليوم تعيش عائلة منذر بعد معاناة الجوع والرعب في حالة فقر وسط الأنقاض، وهي تحاول دون وسائل كبيرة إعادة بناء المنزل، أما منذر فقد أصبح حرا في اللعب وهو يذهب إلى الدروس المسائية، ولكنه يأمل في العودة إلى التعليم العادي ليصبح قاضيا “لتحقيق العدالة”.
وتناول التقرير قصة أحمد (38 عاما) وهو رجل نصف أصم بسبب صوت القنابل، لا يفتر عن التدخين ويجلس على أريكة ويحتسي الشاي في صالون رتبه تحت السماء، مثل بقية أثاثه وسط أنقاض منزل مزقه القصف دون سقف ولا جدران.
عندما يفكر أحمد في مشهد الخراب هذا، يقول “أنت ترى. لم يعد لدي شيء. زوجتي قتلت برصاص قناص وليس لدي عمل وأعيش تحت أنقاض منزلي المدمر تماما منذ عامين. أنا يائس”.
ورغم أن معركة الموصل انتهت في يوليو/تموز 2017 وأن تنظيم داعش هزم، فإن أحمد لا يزال يشعر بمرارة كبيرة، حيث يقول “نحن الخاسرون. لم يأتِ أحد لمساعدتنا والحكومة لا تفعل شيئا. في هذا الركود، يجب أن نجد طريقة للبقاء. نجونا ولكن بعد ما تحملناه، يحاول الجميع العثور على شيء يتمسك به حتى لا يصاب بالجنون. لن يستطيع أحد التعافي من الصدمة التي عانينا منها”.
ومن أجل محو آثار الصدمة -يقول التقرير- اتخذ إيمانويل وهو كاهن عراقي ولد في الموصل، خيارا بالعودة إلى مسقط رأسه لإعادة بناء الكنائس والمجتمع المسيحي والعلاقة مع المسلمين، بمساعدة “إخوة العراق” وهي جمعية يقودها الكاثوليكي الفرنسي بينوا كامورا، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالشرق الأوسط والذي يعمل من أجل عودة المسيحيين.
وقد تمكن الأب إيمانويل من إعادة بناء مجمع البشارة التي تحول إلى سجن لتنظيم داعش، بعد أن كان أبرشية، والمباني المجاورة لها ستكون بمثابة مهاجع مفتوحة للجميع ولجميع الأديان.
وتروي المراسلة أيضا قصة عودة يحيى وبسمة إلى الموصل مع أطفالهما الثلاثة بعد نفيهم القسري إلى أربيل (مركز إقليم كردستان العراق)، حيث استعادت العائلة منزلها الذي كان يحتله مسلحون، وهما يشعران بأنهما محظوظان، لأن لديهما سقفا يظلهما.
وفي المدينة القديمة، عاد ماجد إلى منزله الذي تملكه عائلته منذ 150 عاما بعد استعادة الموصل، وقد أحرق جزئيا بعد أن استخدمه داعش لتخزين الأسلحة.
أما إعادة الإعمار فهي مهمة إسماعيل اليومية التي يقوم بها لعلاج جروحه النفسية، فهو مهندس شاب (29 عاما)، ما زال يتمتع بابتسامة دافئة وتعبر عيناه عن فرح بالحياة وحساسية كبيرة رغم الوحشية التي كان عاشها خلال فترة حكم التنظيم.
ومن أجل نسيان ما عاشه، ينشغل إسماعيل بإعادة بناء هذه المدينة، وهو يعمل بشكل أساسي على إعادة بناء الجسور الخمسة التي تربط بين ضفتي المدينة والتي لغمها التنظيم، ولكنه يشتكي من بطء وتيرة العمل وتقاعس الحكومة عن وعودها بسبب الفساد المترسخ.
ويقول المهندس الشاب إن الموصل تعج بالمشاريع، لكن غالبا ما يتم التخلي عنها لأن الأموال تضيع في متاهة الفساد. “أعمل كثيرا، لكن ليس لدي أمل كبير في أن تتحسن الأمور هنا”، مضيفا أن “داعش وحش، لكنه عدو معروف، بينما الفساد عدو متنكر يقتلنا من الداخل”.
وفي مقهى ليجند -مقابل جامعة الموصل- يجتمع كل صباح يوم السبت حوالي عشرين من المثقفين والأكاديميين والمؤرخين والباحثين لمناقشة مصير المدينة القديمة، تلك المنطقة الشعبية الغنية بتاريخها وكنائسها ومساجد عمرها قرون.
وفي مقهى كهرمانة هو الآخر، يزدحم الشباب لسماع أغاني كاظم الساهر وهم يدخنون الأرجيلة ويلعبون الدومينو، بعد أن كان ذلك يعرضهم للسجن أو التعذيب -حسب مدير المقهى ليث- “مع داعش لم يكن هناك سوى الصمت والموت”.
المصدر:NAS NEWS