هكذا يعاقبون الشعب
بقلم: أ.د عبدالرزاق محمد الدليمي
بعد احتلال بغداد في 9نيسان 2003 عملت قوات الاحتلال على اختبار الشعب العراقي ونجحت في اغلب خططها ومنها اختبار خطير جدا عندما بدأت عمليات سلب ونهب واسعة النطاق في بغداد وبعض المدن الأخرى وقد نقلت هذه العمليات للعالم كله عبر شاشات التلفزيون حيث قام الجيش الأمريكي بتشجيع الغوغاء الذين كانوا يقادون كالقطيع من قبل ذيول الاحتلال وعملائه الذين تم تدريبهم في الخارج لسرقة ونهب ممتلكات دولتهم بل كانت دبابات الاحتلال تدمر الاسوار والجدران المحصنة لتسمح لتسهل مهام السراق ولم تهتم قوات الاحتلال الا بحماية مباني وزارة النفط في حين لم تسلم اية بناية مهما كانت مهمة او غير مهمة من عمليات السلب المنظم بأستثناء المدن التي وعى اهلها الى ما يستهدفه المحتل فحموا المؤسسات من الغوغاء.
اسوق هذه المقدمة وانا اتذكر جيدا تلك الايام العجاف التي عشناها كعراقيين والتي حاول المحتل الامريكي البريطاني ان يظهر للعالم ان غالبية العراقيين هم اناس همج لاعلاقة لهم بالمدنية والحضارة يسرقون انفسهم متى ما تراخت عنهم قبضة الدولة وانهم تنفسوا الصعداء وهللوا وفرحوا ورحبوا ايما ترحيب بمن انقذهم وهو جيش الاحتلال وتناسى الامريكان ان شعوبهم هي من ينطبق عليهم هذا التوصيف بدليل ما حدث ولا يزال يحدث من عمليات غوغائية في اهم الولايات الامريكية ولاسباب بسيطة كأنطفاء الكهرباء او الانفلات الامني (علما اننا نتوقع ان الولايات الامريكية ربما تشهد تكرار مثل هذه الاحداث الغوغائية خلال الشهر القادم أثناء عمليات نقل السلطة من ترامب الى جو بايدن).
المقاومة العراقية.
رغم كل محاولات الاحتلال بتشوية صورة الشعب العراقي الا ان الامريكيين وحلفائهم يدركون ان هذه العمليات الغوغائية المنظمة التي اداروها دعائيا بنجاح لن تحجب شمس الحقيقة عن جوهر الغالبية العظمى من الشعب العراقي الذي تربى وتغذى وعاش في ظل عمقه الحضاري الذي يمتد لاكثر من ثلاثين الف سنة ….ففي الوقت الذي قادت قوات الاحتلال عملائها في عمليات السرقة والنهب والتخريب والحرق برزت لهم في نفس تلك الايام الظاهرة التي كانوا يتوقعونا ويخشونها وهي بداية المقاومة الشعبية العراقية البطله التي تمثل فيها كل الشعب العراقي من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه واستطاعت المقاومة ان تحقق نتائج مذهلة رغم كل محاولات التآمر عليها لوأدها في مهدها وكاد بوش الابن ان يعلن الهزيمة لولا الخونة والذيول الذين ربطوا مصيرهم المخزي بوجود الاحتلال!!
من المقاومة لطرد الاحتلال الى المطالبة برغيف الخبز
منذ احتلال العراق وحتى الان كنت انا ومثلي كثيرين من العراقيين المدركين تماما لاهداف وغايات الاحتلال القريبة والبعيدة نكتب ونتحدث في اللقاءات والحوارات والمؤتمرات مؤكدين ان ماخططه المحتلين اعمق واخطر مما يطفوا على السطح وان كل يوم يمضي سيكون اسوء على الشعب من الذي سبقه وقد شبهته في مقال سابق مثل كرة الثلج التي تهاوت من اعلى قمة الجبل وكلما انحدرت كبرت وزاد حجمها حتى اذا ما وصلت الارض ستتفتت وتدمر كل شئ.تخيلوا ان العراقيين تحولوا تدريجيا من المقاومة المسلحة الى الاحتجاجات والمظاهرات للحصول على أبسط الامور الحياتية وبدل الكفاح المسلح لطرد الاحتلال تغيرت المطالب بالتوسل ببقاء الاحتلال ورجائه بايجاد الحلول للكوارث والازمات التي حلت وما تزال تحل على العراقيين بسبب الاحتلال.
منذ أن بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا بالتحضير للعدوان على العراق تمهيدا لاحتلاله منذ وقت طويل ومهدت لذلك بحملات دعائية واسعة، وبدأت تقارير المعاهد الاستراتيجية عن العراق بتضخيم الخطر العراقي, واستخدمت الحكومة البريطانية تقارير منظمات حقوق الانسان بشكل سياسي لخدمة الغرض الأميركي بتبرير استهداف العراق الآن. وأخذت الصحف الأميركية والبريطانية بالكلام عن الديمقراطية وحقوق الانسان. لكن الولايات المتحدة الأميركية كانت وما تزال تقول “كلام حق يُراد به باطل”. ذلك ان الخيار الأميركي يُسقط على العراق وعلى المنطقة وعلى العالم لأنه “الديمقراطية”, بالقوة وبالإكراه لا بل أنه “الديمقراطية” بالاحتلال والسيطرة.
بعد احتلال العراق عملت الادارات الامريكية على تجميع كل القوى المتحزبة والمتخلفة التي جاءت خلف دبابات الاحتلال وتمكينهم من الهيمنه على السلطة التي خطط لفرضها المحتلين في محاولة ضمان كل النتائج لمصالحهم في العراق عبر اسوء عملية سياسية احرقت الاخضر واليابس واطلقت العنان لعمليات نهب وسلب وقتل وتغييب ودمار لم يشهده العراق حتى في زمن احتلال هولاكو لبغداد وكل ذلك يحدث تحت مرأى ومسمع المسؤلين الامريكيين والذي يظهر انه يتماشى مع خططهم لانهاء وجود شعب ودولة اسمها العراق
الازمات تراوح في مكانها
تراوح الأزمات السياسية العراقية المفتعلة في مكانِها مُنذ قُرابةِ عقدين مما جعل مايسمى بالدولة تبقى في دوامة من الفشل والشلل السياسي الحاد، فقد عجز النظام السياسي الذي صنعه الاحتلال عن إيجاد أي حُلولٍ وخُططٍ إصلاحية مُناسبة للتشظيات والتصدعات التي نالت وما زالت بعيدة معن مشروع الدولة الديموقراطية المزعوم في العراق، وبالتأكيد، فإن مرد هذا الإخفاق يُلاحق سياسيي الصدفه الذي فرضوا قصرا على العراقيين على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم.
ومن الواضح أن الأوضاع الاجتماعية في العراق تزداد سوءًا بوجود طبقة سياسية فاشلة ومتخلفة وعاجزة ينخرها الفساد وتحركها المصالح الفئوية ، سواء كانت شخصية أو حزبية، ومقابل كل هذا، تسيطر حالة من الاغتراب السياسي يُغذيه الإحباط الشعبي الذي تعاني منه شرائح عريضة من المجتمع، وبات التشاؤم سيد الموقف، ومن هنا يأس الكثير من إصلاح النظام السياسي ومؤسساته، ولم تعد الناس تثق في الانتخابات كآلية إصلاحية للنظام السياسي يحتكر السلطة والريع والمشاريع، بينما تعيش الأغلبية الشعبية على الكفاف. ولذا أنا من الذين يؤمنون بأن استمرار النظام السياسي بهذه العقلية التقليدية المتصلبة سيزيد الأوضاع سوءًا وتشظيًا. وان استمرار هذه ألاخطاء والعُيوب الكارثية في النظام السياسي المتهرئ في العراق تنبأ بانهياره و من الضروري عدم السماح ببقائه.
نظام سياسي فاشل
لا أحد يستطيع إخفاء حقيقة أن النظام السياسي العراقي الذي شكله المحتل وفق مُخططات رخوة، لا تنسجم مع أية أسس للنظام الديمقراطي السليم، والذي شكل الدستور الملغم احد واهم اسوء مرتكزاته الهشة، وقد فصل هذا الدستور الهجين للعراق نظام سياسي مُعقد قائم على التقسيم الطائفي المحاصصاتي للسلطة، واختراع مجالس المحافظات والبلديات، ومنح الساسة امتيازات فاحشة، ورسخ أقدام نُخب وأحزاب سياسية فاسدة، لم ينتح عنها إلا فساد دمر الحرث والنسل وحطم اقتصاد العراق، وبدد ثرواته وضاعف البطالة والمشاكل الاجتماعية، حتى أصبحت آفة الفساد في المشهد العراقي جزءًا بنيويًا في النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
لم يُشكل الشعب العراقي أساس دستور الاحتلال، ولم تشارك في صياغته النُخب الاجتماعية الفاعلة، وإنما جهات حزبية سياسية، وشهدت كتابته خلافات كبيرة قبل أن يتم توريط الناس بالتصويت عليه، وكانت ما يسمى “لجنة كتابة الدُستور” مجرد مظهر مزيف ولا تمتلك أي مؤهلات لكتابة دستور رصين يليق بالعراق وتاريخه وموروثه الاجتماعي. ولو أود أن استعرض فقرات الدستور المشوهة، فالكثير كتب عنها، ويكفي أن أذكر التناقض في ثلاث مواد، منها مثلًا المادة الثانية التي تعرف العراق على أنه دولة دينية، والدين مصدر أساسي للتشريع، وتتعارض بالمقابل هذه المادة مع المواد الأخرى التي تدعو إلى الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وفي ذات الوقت تتعارض فقرات هذه المادة مع بعضها بوضوح.
إن الطبقة السياسية التي ما تزال تحكم العراق منذ احتلاله لم ولن تأتي بأي مشروع دولة حقيقي، لانها لاتمتلك أية رؤية او تصورات ستراتيجية لبناء منظومات سليمة في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فحقيقة هذه الطبقة الفاسقة التي تقظ مضاجع العراقيين انها لا تمتلك أية برامج سياسية مكتوبة، وهي عملية مقصودة لأعطائها المزيد من الحُرية للنهب والسلب والقتل والتدمير وخدمة اسيادها سواء كانوا الامريكان او النظام الايراني حيث اصبح الفساد وهدر المال العام، وإطلاق الوعود الخاوية، وأبقاء الدولة في حالة من الركود والجمود هي السمات الاساسية التي تقوم، عليها العملية السياسية العراقية التي تعتمد الفوضى شعار لها، وتداخلت معها جميع أنواع الفشل والمصلحة النفعية الحزبية والفردية، والعلاقات والقرابة والعشائرية والواسطة والفساد الإداري بشكل عام، وقد سعت الأحزاب السياسية الحاكمة إلى تلويث عقول الناس بالخطابات الطائفية والمناطقية والعنصرية، وبذخت المليارات من أجل كسب أصواتهم وتحويلهم إلى بيادق تحركهم متى ما أرادت، بمعنى أنها عمدت على تجهيل أكبر قدر ممكن من الجماهير لضمان دعمهم الطوعي وأصواتهم في الانتخابات، وقد نجحت في ذلك كثيرًا، وجعلت العديد من الناس يتعاملون مع الساسة ودعاة الدين بقدسية تامة، ويرفضون نقدهم أو التعرض لفسادهم، وبالتوازي مع ذلك، تبنت السُلطة الحاكمة أسلوب القمع والإقصاء بحق المُعارضين من أجل الاستمرار في السلطة والتفرد بها، وهذا الأسلوب الفاشي عطل الحياة وازدهارها، ووضع المُقدمات لانهيار النظام السياسي أخلاقيًا، وتحوله إلى سلطة معزولة منبوذة لا ترى في الوطن إلا نفسها وامتيازاتها، ولم تكن تظاهرات تشرين الأخيرة إلا دليل على حجم الكبت والرواسب السياسية المُحتقنة في النفوس، والتي لم يعد الناس تحملها، وقبل ذلك كانت خسارة بعض الساسة لمراكزهم في الانتخابات الأخيرة خير دليل على نفور الناس منهم بما في ذلك جمهورهم الخاص.
الازمة المالية المفتعلة
تأتي الأزمة المالية العراقية في أعقاب الأزمة السياسية للحكومة المنتهية ولايتها، والتي تركت البلاد بدون موازنة في الجزء الأكبر من عام 2020. في أيلول/سبتمبر، نفد المال لدى الحكومة، بعدما استخدمت صلاحية الاقتراض المنصوص عليها في قانون حزيران/يونيو ونظراً إلى اعتماد قسم مهم من الشعب الواسع على الرواتب التي تدفعها لهم الدولة، تقدّمت المشكلات المالية قصيرة الأمد إلى الواجهة ولان النظام المفروض قصرا على العراقيين ليس لديه اية تصورات او حلول للازمات التي يفتعلها فنجد ان كل محاولات هذا النظام تنصب على زيادة محنة المواطن لاسيما في مصدر عيشه الراتب ولاحظنا خلال الايام القليلة الماضية كيف شهدت اسواق السلع التي يحتاجها المواطن البسيط ارتفاعا جنونيا بالاسعار في وقت تتعمد الحكومة الفاشلة اذلال الانسان البسيط عبر تقليل الرواتب او زيادة سعر صرف الدولار كل هذا بسبب ان هذه الحكومة لاتزال تستهدف معاقبة الشعب على خروجه ضد النظام السياسي الفاشل والمطالبه بزواله ولا نتوقع ان حكومة الكاظمي الترقيعية خططت لمعالجة أي من الازمات سواء المالية او الامنية او السياسية او غيرها فمهمتها الاساسية تخدير الشعب وليس حل الازمات.