هكذا اكتشفنا ديانته
بقلم: سحبان فيصل محجوب – مهندس استشاري
ضمن سياقات الدولة العراقية، قبل سنة ٢٠٠٣ سنة الاحتلال البغيض كان من ضمن مراسم تعيين المديرين العامين والوظائف الحكومية المتقدمة أن يؤدي المعيّن القسم أمام الوزير المعني، ويكون أداء القسم، عادةً، بحضور مدير عام الدائرة القانونية في الوزارة، التي عين فيها المدير العام الجديد وعديد من مسؤولي الوزارة يحددهم الوزير لحضور هذه المراسيم.
في تسعينيات القرن الماضي تم تعيين كوكبة من موظفي وزارة الصناعة والمعادن لتتولى مسؤولية الإدارة العامة في عديد من المنشآت التابعة للوزارة، وكالعادة، تمت دعوتهم إلى مقر الوزارة لأداء القسم، في ضوء تعليمات ديوان رئاسة الجمهورية، آنذاك، وكنت أحد الحضور .
ينظم موظفو الدائرة القانونية هذه المراسيم، ومنها وضع القرآن الكريم على الطاولة المخصصة أمام الشخص، الذي سيؤدي اليمين .
خالد إبراهيم فوزي، أحد المهندسين العاملين في قطاع الكهرباء وفي أثناء دعوته إلى أداء القسم، أخبر الوزير (كان حينها المهندس المرحوم عدنان عبد المجيد العاني) أنه من الديانة المسيحية فكيف له أن يحلف؟ فوجئ الوزير، وقال له بالنص: (هل تمزح يا خالد؟)، أكد المهندس خالد للوزير جاداً أنه مسيحي، فما كان من المعنيين إلا إحضار كتاب الإنجيل المقدس ووضعه أمامه حيث تمت المراسيم، قد يكون سبب ما حصل هو الاسم الثلاثي للمهندس خالد فهو لا يشير الى كونه مسيحياً، مع العلم أنه عمل معنا لأعوام طوال ولم نتعرف على ديانته، إن كان مسلماً أم مسيحياً أم يزيدياً أم …. الخ فلم يكن ذلك من اهتمامات أحد مطلقاً، علماً أنه كانت هناك حزمة كثيفة من الاجراءات المتبعة في تعيينات المرشحين لمواقع الإدارات العامة وغيرهم من الدرجات الوظيفية العليا في مؤسسات الدولة العراقية آنذاك للتأكد من سلامة سلوكهم وسمعتهم الشخصية بالإضافة إلى مستوى أدائهم المهني، إذ كانت الدوائر الأمنية المختصة تتولى مهمة تدقيق ذلك بالإضافة الى مختاري محلات سكن المرشحين لإشغال مثل هذه الوظائف حيث يجري التحري الدقيق عنهم، وبنحو مفصل، ولكن ليس بين تلك الحزمة الكثيفة من الاجراءات السؤال عن دين المرشح للتعيين أو طائفته أو معتقده، وهذه إشارة واضحة إلى عدم وجود أي مفاضلة تفرضها المحاصصة المقيتة، وأن أساس التنافس هو الولاء الوطني والنزاهة والإداء الوظيفي لا غير.
ما وددت إيصاله، عبر هذه الاكتوبة، هو عرض سياقات العمل الوظيفي في إسناد المهام، التي كانت تسير عليها الدولة العراقية ولا يخضع لأي نوع من تدخلات جانبية وما تفرضه اليوم المحاصصات الدينية أو القومية للأسف حيث كان ضمن سياقات الأداء الوطني النزيه ومفاهيمه على وفق ما تتبناه الإرادة الوطنية المستقلة، بل إن من كان يخوض موضوع المعتقد والدين والطائفة، ولو همساً، يعرض نفسه لعقوبات قاسية، ويبعد عن مواقع المسؤولية.