تبددت الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء إيران في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويبدو أن الأمور عادت إلى حد كبير إلى وضعها الطبيعي، ولكن في حين تمكن النظام من القضاء على الاضطرابات، لم يتمكن من معالجة أسبابها الكامنة، التي تتفاقم بسبب مزيج من المشاكل الاقتصادية المحلية والشواغل الأمنية الداخلية والإقليمية، وقد أدى الافتقار إلى الفرص الاقتصادية، إلى جانب الإحباط من استمرار الإنفاق على ميزانيات الدفاع والتدخلات الأجنبية في أماكن مثل سوريا ولبنان واليمن، إلى إطلاق المظاهرات التي استمرت في العام الجديد.
ويوجد الآن أمام النظام خيار: «زيادة الإنفاق على المبادرات الاقتصادية المحلية التي تعالج شواغل السكان»، أو «الحفاظ على قوة وولاء جهاز الأمن الذي يضمن بقاء النظام ذاته»، وكل خيار منهما لديه عيوبه، لا أحد منها يمكن للنظام أن يقوم به بسهولة.
التغييرات القادمة
يوجد لدى النظام في إيران تاريخ من قمع الاحتجاجات وتقديم تنازلات صغيرة في محاولة لتخفيف الضغط الناجم عن المظاهرات، ولا يختلف ذلك عن ردها على الاحتجاجات الأخيرة، وقد أثارت نسخة مسربة من موازنة عام 2018 الغضب في ديسمبر/كانون الأول على تمويل قوات الحرس الثوري الإسلامي وتخفيض الإعانات العامة.
(%95 من الإيرانيين يحصلون على هذه الإعانات). ولهذا فقد أدخل النظام تغييرات على الميزانية، ويبدو أنها تعالج بعض المخاوف حيث إن التخفيضات المخططة للإعانات النقدية ستستهدف الآن أصحاب الدخل الأعلى؛ كما تم إلغاء ارتفاع أسعار الوقود في الميزانية الأولية؛ وستخصص الحكومة 3.3 مليار دولار لتغطية مليونين إلى 3 ملايين من المودعين المتضررين من عدم انتظام مؤسسات الائتمان.
ولكن آية الله «علي خامنئي» خصص أيضا 2.5 مليار دولار من صندوق التنمية الوطنية في البلاد – الذي يقدر أن لديه 68 مليار دولار من الأصول في عام 2016 – لمزيد من الإنفاق على الدفاع.
لماذا ستواصل إيران إذا زيادة الإنفاق الدفاعي إذا كان هناك تصور بتميز الحرس الثوري الإيراني – وهو مؤسسة حصلت على مزيد من التمويل في حين خفضت الإعانات المقدمة للإيرانيين العاديين مما أدى إلى اندلاع الاحتجاجات في المقام الأول؟ الجواب القصير هو أن إيران ليس لديها خيار آخر، وهي تواجه مخاطر أمنية متزايدة سواء في الداخل أو في الخارج، ولا يمكنها تحمل تكاليف عجز مؤسساتها الأمنية عن التمويل.
انقسامات داخل النظام
ومما يزيد من تعقيد الحالة أيضا الانقسامات داخل النظام نفسه والتي تتفاقم بسبب المشاكل الاجتماعية – الاقتصادية المتزايدة، ولزيادة قاعدة دعمه، يستخدم الرئيس «حسن روحاني» الاحتجاجات الأخيرة كدليل على أن سياسات النخب الدينية والداعمين الرئيسيين والمستفيدين من الحرس الثوري الإيراني، قد فشلت، وقد اعترف خامنئي، الذي هو جزء من المؤسسة الدينية، بحذر بمخاوف المتظاهرين ولكن لا يزال يركز على تعزيز وتمويل الحرس الثوري الإيراني لضمان ولائها لرجال الدين.
وفي الوقت نفسه، أصدر «خامنئي» تعليمات إلى الحرس الثوري الإسلامي الأسبوع الماضي بتصفية أجزاء كبيرة من مصالحه التجارية، التي تمثل جزءا كبيرا من الاقتصاد الإيراني وهي 30% وفق بعض التقديرات، لقد أصبح الحرس الثوري الإيراني يشارك بشكل متزايد في إدارة الاقتصاد الإيراني في أعقاب الحرب الإيرانية العراقية، عندما كانت هناك حاجة إلى إعادة بناء البنية التحتية الحيوية.
ينطوي منطق «خامنئي» في رغبته في انسحاب الحرس الثوري الإيراني من الاقتصاد على شقين: أولا، يحاول أن يعالج بعض مخاوف المتظاهرين من خلال خفض القوة الاقتصادية للحرس الثوري الإيراني، ولكن دون أن يفلت منه فعليا.
ثانيا، والأهم من ذلك، ينظر إلى الخصخصة على أنها خطوة نحو زيادة الشفافية، وبالتالي جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية التي لا تزال معرضة للخطر بسبب عدم اليقين بشأن التزام الولايات المتحدة بالاتفاق النووي، وفي كلتا الحالتين، يمكن أن يؤدي سحب الاستثمارات إلى مزيد من الانقسامات الداخلية، سواء بين رجال الدين أو الحرس الثوري الإسلامي، وكذلك داخل الحرس الثوري الإسلامي نفسه، لأن قيادة المنظمة منقسمة حول دعم هذه الخطوة.
المشكلة الإيرانية السورية
تأتي الضغوط الخارجية على إيران من مصادر مختلفة ولكنها تجتمع في مكان واحد: سوريا.
رئيس النظام السوري «بشار الأسد»، الحليف الإيراني الذي يواجه تحديات جديدة في غرب سوريا حيث غزت تركيا منطقة عفرين شمالي غربي سوريا، ونظرا لحجم القوة التركية، وتفوقها التكنولوجي، والعدد القليل نسبيا من المدافعين الأكراد، يبدو من المرجح أن تركيا سوف تسيطر عليها، ومع ذلك، فإن تركيا قد حاصرت حلب أساسا من ثلاثة جوانب وهي أكبر مدينة في سوريا.
كما هدد الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» بالتحرك نحو مدينة منبج شرق حلب، وإذا تحقق هذا التهديد – الذي لم نر أي علامات عليه حتى الآن وهو أمر غير مرجح لأن الولايات المتحدة لا تزال تدعم الأكراد في هذه المنطقة فإن تركيا قد تطوق حلب.
ولكن حتى لو لم يكن هذا التحرك باتجاه منبج، فإن القوات التركية حول معظم حلب يشكل تهديدا كبيرا لكل من الأسد وإيران، ويتعين على إيران أن تنظر في المخاطر التي قد تطرحها تركيا مجددا، ومن ثم ستكون لها دوافع كبيرة للحفاظ على وكلاءها في سوريا والعراق.
إن احتواء تركيا في شمال غرب سوريا هو أرخص وأكثر أمانا من محاولة محاربة القوات التركية في شرق سوريا، على افتراض أنها قادرة على التقدم إلى هذا الحد. ولكن إذا كانت القوات العربية السنية المدعومة من تركيا قادرة على السيطرة على شرق سوريا – المناطق التي كانت تسيطر عليها الدولة الإسلامية – فإن الموقف الإيراني في العراق يصبح عرضة للخطر.
يمكن لائتلاف من المجموعات السنية في شرق سوريا دعم الأقلية السنية في غرب العراق، الأمر الذي يشكل تهديدا للنظام الذي يهيمن عليه الشيعة في بغداد، ونظرا للتعاون الروسي الضمني على الأقل مع تركيا في عفرين – السماح لها باستخدام المجال الجوي السوري لقصف المواقع الدفاعية الكردية – تعرف إيران أنها لا تستطيع أن تعتمد على روسيا لتحقيق أهدافها الأمنية.
تباينات روسية ايرانية
في الواقع، نشرت مقالة مؤخرا في صحيفة كايهان اليومية، وهي صحيفة إيرانية محافظة، ناقشت المصالح الروسية والإيرانية المتباينة في سوريا. وسوف يقع العبء على إيران لمساعدة الأسد في الدفاع عن حلب، وهذا سيأتي بتكلفة.
وداخليا اشتبك الحرس الثوري الإيراني مع 21 من مقاتلي الدولة الإسلامية في غرب إيران في 27 يناير/كانون الثاني. وتعتقد إيران أن المقاتلين خرجوا من مخابيء في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا، على الرغم من أنه لا يعتقد أن الأكراد كانوا يساعدون هؤلاء النشطاء.
وقد فقدت «الدولة الإسلامية» معظم أراضيها في سوريا، ولكن هذا لا يعني أن مقاتلي داعش قد غادروا البلاد – فقد اختلطوا ببساطة في السكان المحليين وعلى الرغم من مقتل ثلاثة جنود إيرانيين فقد تمكن الحرس الثوري الإيراني من هزيمة المسلحين وقد هاجم انتحاريو ومسلحو داعش طهران في يونيو/ حزيران، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها ميليشيا داعش إيران، مما يشير إلى أن إيران لا تزال معرضة للخطر داخل حدودها كما أن تزايد وجود تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان، وهو بلد يشترك في حدوده مع إيران، هو أيضا مصدر قلق.
وبينما خرجت إيران من الحرب الأهلية السورية في موقف قوي مقارنة بخصومها الإقليميين، فإن استقرارها الاجتماعي والسياسي قد تعرض للاهتزاز، وفي نهاية المطاف، سوف تضطر إيران إلى الاختيار، وهذا سيحد من مغامراتها الخارجية مثل منافستها تركيا، التي تزيد من قوتها ومشاركتها في سوريا، مما يشكل تحديا أكبر لطهران.