حذر مختصون في محافظة البصرة من انهيار السدّة الترابية الواقعة على الحدود العراقية الإيرانية بشكل كامل نتيجة ارتفاع مياه البزل الإيرانية وانخفاض الأراضي العراقية وعدم توفر مصدّات نباتية تعيق هبوب الرياح التي تدفع بالمياه بقوة.
السدّة حدثت فيها فجوات تسربت منها المياه في أكثر من (50 كلم) وفي حال انهيارها فأن ذلك سيتسبب بتجريف مياه البزل الإيرانية مناطق شرق البصرة وإتلاف الأراضي الزراعية وتلوث مياه شط العرب إضافة إلى غرق الأراضي المشغولة من قبل الشركات النفطية.
يقول علاء البدران نقيب المهندسين الزراعيين في البصرة إن الإجراءات التي اتخذت لمعالجة هذه المشكلة تعد مؤقتة بسبب النقص في الإمكانيات مما اثر على استمرار أعمال الترميم.
ويضيف لـ”نقاش” حول ذلك “هنالك نقص في تجهيز وقود الآليات العاملة في إكمال السدّة الترابية التي من خلالها تلافينا مرحلة الخطر في السنوات الثلاث الماضية، لكن المشكلة مازالت قائمة, كما لم يبادر الجانب الإيراني إلى اتخاذ أي إجراء في هذا الجانب للحد من المشكلة”.
البدران يرى أن ما عقّد المشكلة أكثر عدم توفّر الحكومة المحلية على الصلاحيات اللازمة لمخاطبة دول الجوار حول مشكلات الحدود.
ويوضح “تتم المخاطبات عبر وزارة الخارجية العراقية حصرا، والتي جرى إبلاغها بالمشكلة منذ قرابة ست سنوات، ومازال هذا الملف في أروقتها دون أن يتم تحريكه لغاية الآن، كما لم نلمس تعاونا من الحكومة الاتحادية في تقديم العون لمعالجة هذا الموضوع الخطير”.
وحول تفادي خطر مياه البزل الإيرانية على أراضي البصرة يقول “يكمن الحل في إنشاء سدّة بمواصفات هندسية وفنية صحيحة. فلولا أن المصادفة لعبت دورا في كون وزيري النفط والنقل من محافظة البصرة للدورة الحالية ونال الموضوع اهتمامهما الشخصي فأوعزا لكوادر الوزارتين بالتحرك السريع لكانت المياه جرفت شرق المحافظة بالكامل”.
مجلس محافظة البصرة شكّل في الخامس من تشرين الثاني 2017 لجنة طارئة من الجهات ذات العلاقة لمعالجة تآكل السدّة الترابية، مع اعترافه بمواجهة أعمال الصيانة بعض الصعوبات اللوجستية.
رئيس لجنة المنافذ الحدودية في المجلس مرتضى الشحماني يبدي تفاؤلا حذرا وهو يقول لـ”لنقاش” انه وفي حال الاستمرار بالعمل ودون توقف أو مشكلات ستنتهي أعمال الصيانة بالكامل خلال اقل من شهرين وستخف حدة المخاطر”.
بينما أوضح ممثل دائرة الموارد المائية في المحافظة فيصل عبد القادر بأن الكوادر المشتركة من الموارد المائية والمحافظة والموانئ وشركة النفط العراقية إضافة لجهد القوات الأمنية استكملت إصلاح مسافة (1150 مترا) من أصل أكثر من (11كلم) متضرر من أجزاء السدّة.
وقال عضو مجلس محافظة البصرة جواد الإمارة لـ”نقاش” إن اتفاقا جرى في وقت سابق مع الجانب الإيراني بقيام الجانب الأخير بإنشاء قناة لتصريف مياه البزل نحو البحر لكن ما تم الاتفاق عليه لم ينفذ لغاية اليوم”.
وفي تصريح سابق نفى مصدر في القنصلية الإيرانية بالبصرة قيام إيران برمي مياه البزل عبر نهر الكارون إلى مياه شط العرب، مشيرا إلى أن استقامة نهر الكارون تؤدي إلى تدفق مياه البزل نحو البحر وليس في المياه العراقية.
الباحث البيئي كاظم الغيلاني يلخّص أبعاد المشكلة قائلا إن “أضرار مياه البزل الإيرانية كبيرة وهي ناتجة من مزارع تربية الأسماك الخاصة ومزارع السكر الكبيرة وتكون بكميات هائلة”.
ويوضح: “لقد بحثت بصور الأقمار الاصطناعية واتضح أنها مياه بزل ناتجة من مزارع اسماك ومزارع للسكر، فعندما يكون لديهم حصاد قصب السكر يقومون بإفراغ المزارع من المياه، وتكون محملة بالمبيدات الجهازية ومبيدات الفطريات وهي شديدة السميّة على الأمد البعيد ويسبب تراكمها في الجسم الأمراض السرطانية، إضافة إلى مياه مخلفات المصانع وهي مواد عرضية ناتجة من عمليات التصنيع لمعامل البتروكيمياويات ومصفى عبادان ومصانع البلاستك الإيرانية”.
ويضيف “هناك تأثير مباشر لتدفق مياه البزل من مبازل مخفيّة تحت مياه المد مقابل عبادان كما أن فتح نهر الكارون الذي يصب في شط العرب يتزامن مع إطلاق مياه البزل لتفريغ أراضي المزارع المغمورة طوال فصل الصيف من المياه القذرة، فيما نخشى من تأثير غير مباشر من انهيار السدّة بدفع مخلفات الحرب العراقية الإيرانية من الألغام والمتفجرات نحو الشواطئ العراقية”.
ولا تقتصر معاناة البصرة على مياه البزل الإيرانية فالنزاع بين المحافظات الجنوبية على تقاسم حصص المياه يرمي بظلاله على المحافظة. ويقول علاء البدران نقيب المهندسين إن “مشكلة نقص الإمدادات المائية الواصلة إلى البصرة حصلت بسبب سوء الإدارة في تقاسم المياه ووجود بعض التجاوزات من قبل بعض المحافظات على حصص المحافظات الأخرى المتفق عليها”.
البصرة التي تعتمد بشكل كبير على مياه شط العرب تعاني منذ سنوات من ارتفاع نسبة الملوحة بعد إغلاق إيران نهري الكارون والكرخا وتحويلهما إلى داخل أراضيها بشكل كامل، إضافة إلى انخفاض دفقات المياه القادمة من نهري دجلة والفرات. في حين بلغت نسبة الملوحة في ناحية السيبة (4000) جزء من المليون.
ويشتكى الأهالي والمزارعون في السيبة – قضاء الفاو (90 كلم) جنوب البصرة، من ارتفاع نسب ملوحة المياه في شط العرب ما أدى إلى تسجيل خسائر كبيرة في محاصيلهم الزراعية ونفوق حيواناتهم.