بقلم: صباح نوري العجيلي
أعلن رئيس مجموعة فاغنر الروسية (يغفيني بريغوجين) ، إن شاباً عراقياً يدعى (عباس ابو ذر وتوت) كان يقاتل ضمن صفوفها، قد قتل في اوكرانيا اوائل نيسان / ابريل ، وهي اول حالة معلنة لعراقي يلقي حتفه في الحرب الروسية – الاوكرانية وان الضحية سبق وأن أصيب في باخموت الواقعة في اقليم دونيتسك التي شهدت معارك ضارية وتكبدت فيها المجموعة بحدود 20 الف قتيل ونشرت وسائل الاعلام فديو يظهر فيه والد القتيل وهو يستلم من رئيس المجموعة تكريما مادياً ورمزياً.
اما سبب تطوع المغدور في فاغنر الروسية مازال مجهولاً، وتثار أسئلة عديدة حول الحادث وخلفيته، منها، هل جاء تطوع (عباس وتوت) كمرتزق منفرد للحصول على امتيازات مادية أو الجنسية الروسية ؟ أم كان تطوعه ضمن مجموعة أشخاص مازالت تقاتل ضمن فاغنر في اوكرانيا او في جبهات اخرى؟ و هل هناك قتلى عراقيون آخرون جرى التكتم على مصيرهم ؟ وجدير بالذكر ان فاغنر جندت العديد من السجناء الروس المحكومين للقتال في صفوفها لقاء حصولهم على العفو الرئاسي بعد المشاركة في القتال لمدة ستة اشهر.
في هذه المقالة سوف نسلط الضوء على مجموعة او شركة فاغنر الروسية والتي تقاتل بالوكالة عن القوات الروسية في اوكرانيا ولها أنشطة في دول آخرى.
البدايات
أسفر تفكك الاتحاد السوفيتي عن تسريح عدد كبير من العسكريين والأمنيين الروس الذين أقاموا علاقات مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة الدولية حيث خدموا كحراس شخصيين وطيارين ومدرِّبين. وفي ظل تدهور المؤسسات الأمنية الروسية وانتشار عصابات الجريمة المنظمة التي تبتز رجال الأعمال والمواطنين لدفع إتاوات أخذت الشركات الأمنية الخاصة في روسيا في التزايد وصولا إلى تقنين عملها من خلال قانون الحماية الخاصة في عام 1992. وبحلول عام 1998 أصبحت نسبة عناصر الأمن الخاص إلى الشرطة في روسيا ثلاثة إلى واحد مما عكس وجود سوق محلية كبيرة للأمن الخاص . ولكن الأمر لم يتسع ليشمل تقنين الشركات العسكرية الخاصة.
وتوجد نحو عشرين الف شركة حماية في روسيا، وقرابة 24 شركة أمنية خاصة ولم يؤد تقليص حجم الجيش السوفيتي إلى تسريح العديد من أفراده فقط، إنما شمل أيضاً تسريح وحدات عسكرية كاملة فأعادت بعض الوحدات المسرحة تشكيل نفسها على شكل شركات عسكرية وأمنية خاصة مثل شركة (ألفا جروب) التي تشكلت من مجموعة قوات خاصة تابعة لجهاز أمن الدولة الروسي (FSB)، كما برزت شركات ساهمت في تنظيم عمليات إرسال المتطوعين إلى الحروب مثل شركة (Rubikon) التي أشرفت على تنظيم سفر المتطوعين للقتال إلى جانب الصرب أثناء الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة في تسعينيات القرن العشرين ، ثم توالى ظهور وتأسيس الشركات العسكرية الروسية وصولا إلى بروز اسم شركة فاغنر لأول مرة في عام 2014 أثناء القتال شرق أوكرانيا ثم ذاع صيتها مع مشاركة عناصرها في أعمال القتال والتدريب والحراسة في عدة دول مثل سوريا وليبيا وإفريقيا الوسطى والسودان.
وتوجد أربعة محركات رئيسية لتطوير الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في روسيا، وهي :
1- جني الأرباح المادية
2- محاكاة تجربة الغرب الذي قطع اشواط في عملية خصخصة الحروب وشركات الامن الخاصة
3 – توظيف تلك الشركات لتحقيق مصالح روسيا دون الانخراط بشكل رسمي في الصراعات
4- عدم إثارة الرأي العام بسبب الخسائر التي تتعرض لها روسيا جراء الحروب كالغزو الروسي لأفغانستان
باتت خصخصة الحروب وما يطلق عليها (صناعة الأمن)، من الاستراتيجيات الحديثة ومن الصفقات التجارية المربحة خاصة بعد ان ارتبطت بمبررات من صنع الدوائر المخابراتية والشركات الكبرى للسلاح والمرتزقة والمعدات والمعلومات، وأصبحت تلك الشركات تسيطر وبشكل تام على مجريات ومقدرات صنع السياسة العالمية ومتحكمة بمصير الدول والانظمة والشعوب ومخترقة اياها بما يلغي مفاهيم الوطن والأمة والقيم والجيوش المهنية وفق فلسفة خصخصة الحروب والعنف حتى أضحى العالم مضطربا مفتوحاً امام هذه الشركات وتجارتها لغرض ديمومتها تحت مسمى صناعة الامن لمحاربة الارهاب وتظهر استعدادها لتقديم الخدمات الامنية تحت غطاء الشركات العسكرية الخاصة
مجموعة “فاغنر” الروسية
مجموعة فاغنر (بالروسية: Группа Вагнера) : قوات شبه عسكرية، وصفها البعض بأنها شركة عسكرية خاصة أو وكالة خاصة للتعاقد العسكري ، شاركت في صراعات مختلفة، بما في ذلك العمليات القتالية في سوريا وليبيا وشبه جزيرة القرم وافريقيا والسودان ودورها في حرب اوكرانيا فهي تقوم بالقتال بالنيابة عن القوات الروسية وخاضت أشرس المعارك للسيطرة الكاملة على مدينة باخموت الاوكرانية هذا فضلا عن دورها في القتال الجاري بالسودان بين الجيش وقوات الدعم السريع . وتشير المعلومات المؤكدة الى ان جهاز الاستخبارات الروسية هو من يدير عمليات مجموعة فاغنر، ولولا التبني الحكومي الروسي ما وصلت هذه المجموعة الى هذه الامكانيات والحجم والتوسع بالمهمات.
وتمثّل “فاغنر” الروسية إحدى أشهر الشركات العسكرية التي تنشط في المنطقة العربية بعد أفول نجم “بلاك ووتر” الأميركية، وقد تردّد اسمها لأول مرة خلال ضم روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014 .
وتعود جذور شركة “فاغنر” إلى شركة “أوريل” لمكافحة الإرهاب التي تأسّست رسمياً في مدينة أوريل، في العام 2003 ، باعتبارها مركزاً للتعليم والتدريب غير الحكومي، وهي شركة أسسها أفراد متقاعدين من القوات الخاصة ووقعت تلك الشركة عقوداً مع شركات مدنية روسية مختلفة لحماية عملياتها التجارية في العراق وانبثقت عن هذه الشركة عدة شركات من أبرزها شركة تدعى مجموعة “موران للأمن” لتصبح مسجّلة رسمياً في العام 2011.
أسس ضابط المخابرات الروسي أوتكين شركة “فاغنر” في العام 2014 ، على اسم الموسيقار الألماني ريتشارد فاغنر الذي يعشق موسيقاه، وظهرت الشركة لأول مرة بالمشهد العام في شرق أوكرانيا، في آذار/مارس 2014 ، في وقت كان الكرملين بحاجة إلى خوض الحرب هناك بشكل سري لتخفيف الضغوط الدولية ضده. ونشطت “فاغنر” في جزيرة القرم ودونباس ولوغانسك، وخاضت معارك عديدة ضد القوات الأوكرانية.
ونشطت المجموعة في ليبيا منذ 2016، وقدمت الدعم للقوات الموالية للقائد العسكري (خليفة حفتر)، ويُعتقد أنّ بحدود الف مقاتل من “فاغنر” شاركوا قوات حفتر في الهجوم الذي شنّته على الحكومة الرسمية في طرابلس عام 2019.
وشاركت قوات من المجموعة في جمهورية أفريقيا الوسطى بحراسة مناجم الماس، وفق ما أفادت تقارير إعلامية بأنّ المجموعة تنشط كذلك في السودان، حيث تعمل على حراسة مناجم الذهب.
وفي الآونة الأخيرة دُعيت مجموعة “فاغنر” من قبل حكومة مالي في غرب أفريقيا لتوفير الأمن ضد الإرهابيين، وقد كان لوصول المجموعة إلى مالي أثر في قرار فرنسا بسحب قواتها من البلاد .
واعلنت المجموعة السيطرة الكاملة على مدينة باخموت بعد قتال عنيف دام 224 يوماً وباسناد الطيران ومدفعية الجيش الروسي، وسوف تنسحب المجموعة من المدينة وتسلم المسؤولية الى القوات الروسية .
يترأس المجموعة في الوقت الراهن ( يفغيني بريغوجين) المقرب من الرئيس بوتين والملقب بطباخ الرئيس وهو شخصية مثيرة للجدل وكثيرا ما يوجه الاتهام الى وزارة الدفاع الروسية ويتهمها بالتقصير والفوضى.
وفتحت المجموعة ابوابها للضباط الكبار المبعدين من وزارة الدفاع الروسية وكذلك للسجناء للمشاركة بالقتال مقابل الخدمة في جبهات القتال لستة اشهر. كما وحصلت الشركة على عقود التغذية للجيش الروسي.
وتعتزم بريطانيا ودول اوروبية ، تصنيف مجموعة فاغنر الروسية كمنظمة ارهابية ، فيما وصف وزير الدفاع الامريكي (لويد اوستن) هذه المجموعة بالتنظيم الارهابي ، كل هذه الاجراءات جاءت لزيادة الضغط على روسيا، وبهذا التصنيف سيجعل الإنتماء الى هذه المجموعة أو حضور اجتماعاتها أو التشجيع على دعمها أوحمل شعارها في الأماكن العامة جريمة جنائية ووضعها على قدم المساواة مع التنظيمات الارهابية الاخرى وستفرض عليها عقوبات مالية .
الخلاصة :
مشاركة العراقيين كأفراد أوجماعات بالقتال كمرتزقة في الحرب الاوكرانية يؤشر الى حالة خطيرة، ينبغي الوقوف عندها ومنع أنخراط الشباب العراقي في محرقة الصراعات الدولية امام الاغراءات المادية والدوافع الأخرى .
اما شركات الحماية والأمن وفي مقدمتها فاغنر الروسية، فقد تجاوزت مرحلة القيام بمهمات ثانوية لصالح الجيوش في اطار استراتيجية خصخصة الحروب ، وانها أصبحت قوات شبه عسكرية تكلف بمهام قتالية بالوكالة عن القوات النظامية.
أن توسع مهام فاغنر في الشرق الاوسط وافريقيا وأوكرانيا ، تقف وراءها الدولة الروسية وأجهزتها المخابراتية التي توفر لها غطاء الحماية السياسي وتومن مستلزماتها القتالية .