يوثق التقرير الأخير “للأمين العام للأمم المتحدة” الانتهاكات المتزايدة لـ “حزب الله” – والدور المتزايد الذي يلعبه مسؤولو الحكومة اللبنانية والقادة العسكريون في التحريض على هذه العمليات.
عندما تم اعتماد “قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2695” الشهر الماضي، كان ذلك بمثابة نهاية للمعركة الدبلوماسية الأخيرة حول ولاية “قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (“اليونيفيل”)، حيث كانت الغلبة للولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات العربية المتحدة على لبنان وفرنسا، بينما امتنعت الصين وروسيا عن التصويت (انظر الجزء الأول من هذا المرصد السياسي). ولكن على الرغم من هذا النصر السياسي المرحب به، إلّا أن هذا القرار الجديد لا يساهم سوى القليل في تفسير الواقع المتدهور على الأرض أو معالجته.
واستعرضت السفيرة الإماراتية لانا نسيبة بكل صراحة هذا الواقع بعد وقت قصير من التصويت: “الواقع هو أن التوترات على «الخط الأزرق» قد بلغت مستويات لم تُشهد منذ حرب عام 2006. وخلال العام الماضي… أقام [حزب الله] ثكنات عسكرية وأبراج مراقبة خرسانية، وأجرى تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية، ومنع “القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان” (“اليونيفيل”) من حرية التحرك، وهاجم بصفاقة قوات حفظ السلام… هذا الى جانب تعمده إطالة أزمات لبنان التي لا تعد ولا تحصى، وعرقل التحقيقات المتعلقة بانفجار «مرفأ بيروت» الكارثي، وشل المؤسسات الرئيسية للدولة. وتُنذر هذه الأعمال الاستفزازية بتصعيدٍ خطير في منطقتنا”. إن نقاط البيانات الداعمة لوصفها مثيرة للقلق، إلا أن تقارير الأمم المتحدة تميل إلى التعامل معها كحوادث عرضية بدلاً من اعتبارها اتجاهات خطيرة تستوجب اهتماماً عاجلاً.
الاستفزازات الحدودية والأنشطة غير المشروعة في الجنوب
وثق التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة حول “اليونيفيل”، والذي نُشر في 13 تموز/يوليو ويغطي الفترة من 21 شباط/فبراير إلى 20 حزيران/يونيو، العديد من انتهاكات “حزب الله” التي كانت مسؤولة عن إثارة التوترات على الحدود مع إسرائيل هذا العام. ففي نيسان/إبريل، ووفقاً لبعض التقارير، تم إطلاق وابل كبير من الصواريخ على إسرائيل، على يد نشطاء فلسطينيين من حركة “حماس” في المناطق التي يسيطر عليها “حزب الله” في جنوب لبنان. والجدير بالذكر أنه تم العثور على صواريخ إضافية لم يتم إطلاقها في هذه المناطق. وشملت الاستفزازات الأخرى على “الخط الأزرق” ما يلي:
- توسيع نطاق الوجود غير المشروع لعناصر “حزب الله” المسلحة في الجنوب
- نصب الخيم على الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق في منطقة جبل دوف/مزارع شبعا
- إجراء أكثر من 600 عملية عبور متعمدة إلى إسرائيل في انتهاك “للخط الأزرق”
- إتلاف الحاجز الأمني الحدودي
ولم يأتِ التقرير على ذكر حوادث أخرى. على سبيل المثال، لوحظ وجود أعضاء مسلحين من قوات “الرضوان” الخاصة التابعة لـ “حزب الله” بالقرب من “الخط الأزرق”. وفي 6 تموز/يوليو، تم إطلاق صاروخين مضادين للدبابات باتجاه إسرائيل، ربما على يد نشطاء فلسطينيين في جنوب لبنان.
مضايقة قوة “اليونيفيل” ومهاجمتها
على الرغم من أن المسلحين الذين يرتدون ملابس مدنية ويواجهون بانتظام دوريات “اليونيفيل” معروفون على نطاق واسع بأنهم أعضاء في “حزب الله”، إلّا أن تقارير الأمم المتحدة نادراً ما تشير إليهم بهذه الصفة. وفي هذا العام، أصبح هؤلاء الأفراد حتى أكثر عدائية ضد قوات حفظ السلام.
ويذكر “الملحق الأول” من تقرير تموز/يوليو تفاصيل 18 حالة من الهجمات والمضايقات وإعاقة الحركة ومنع الوصول، بمتوسط 4.2 حادثة شهرياً بين كانون الثاني/يناير وأيار/مايو. ويبلغ المتوسط التاريخي لهذه الحوادث 2.37 حادثة شهرياً منذ عام 2007، لكن هذا العدد قفز إلى 5.2 في عام 2022، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، وظل مرتفعاً هذا العام. بعبارة أخرى، ضاعف “حزب الله” ضغوطه على قوات “اليونيفيل” في العامين الماضيين.
بعد قتل جندي حفظ السلام الإيرلندي التابع “لليونيفيل” شون روني في كانون الأول/ديسمبر، أظهرت لقطات كاميرا المراقبة وفقاً لبعض التقارير رجالاً مسلحين يحيطون بدوريته ويعلنون: “نحن «حزب الله»”. واتهمت محكمة عسكرية لبنانية رسمياً عدة أعضاء من “حزب الله” بجريمة القتل، ووفقاً لبعض التقارير، سلم التنظيم المشتبه به الرئيسي إلى السلطات اللبنانية. لكن الإجراءات القانونية اللاحقة كانت بطيئة كالمعتاد.
وفي نيسان/إبريل، أوقف سبعة عشر مسلحاً ملثماً – اثنان منهما يحملان مسدسات – دورية تابعة “لليونيفيل” بالقرب من القرية الحدودية ميس الجبل. وأفاد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أن قائد الدورية “ضُرب على رأسه”، وعندما حاولت الوحدة المغادَرة، “قام الأفراد بإتلاف نوافذ مركبة الدورية وإطاراتها بفأس”. وأصيب ثلاثة من قوات حفظ السلام في الحادث.
ولا تشكل هذه الهجمات سوى جزء واحد من الجهود الأوسع نطاقاً التي يبذلها “حزب الله” لمنع الأمم المتحدة من إنجاز وظيفتها الرقابية بالقرب من المناطق التي يعتبرها التنظيم حساسة. وتشمل “المواقع المهمة” العديدة التي تعذر على قوات “اليونيفيل” مراراً وتكراراً الوصول إليها بالكامل، ميادين إطلاق النار غير المصرح بها، والمواقع الحدودية التي تحرسها جمعية “أخضر بلا حدود” التي تعمل كواجهة لـ”حزب الله”، والمواقع التي يشتبه في قيام الميليشيا فيها بحفر أنفاق عابرة الحدود (بما في ذلك المواقع التي سبق وأن حددت فيها إسرائيل أنفاقاً في عام 2018). وفي شباط/فبراير، وآذار/مارس وأيار/مايو، على سبيل المثال، عثرت “اليونيفيل” على “فتحات” جديدة “في الأرض” بأحجام مختلفة في مواقع قريبة من “الخط الأزرق” بالإضافة إلى معدات حفر.
تواطؤ “الجيش اللبناني”
وفقاً لتقرير تموز/يوليو، “استمر «الجيش اللبناني» بالاعتراض على بعض الطرق التي تسلكها الدوريات، والتي اقترحتها “اليونيفيل” لتوسيع وجودها خارج الطرق الرئيسية والمراكز البلدية، بحجة أنها إما طرق خاصة أو مناطق ذات أهمية استراتيجية لـ [«الجيش اللبناني»]”. ورداً على ذلك، حصرت “اليونيفيل” فعلياً نشاطها بالطرق الرئيسية والمراكز البلدية، تاركةً معظم المواقع الأخرى دون مراقبة.
ويكشف هذا المقطع أيضاً ذريعتين شائعتين لدى “الجيش اللبناني” لعرقلة قوة “اليونيفيل”. فمنذ عام 2012 – وخاصة منذ عام 2018 – استخدمت السلطات اللبنانية عبارات مثل “طرق خاصة” و”ملكية خاصة” لمنع وحدات حفظ السلام من الوصول إلى أجزاء كثيرة من الجنوب. وبالمثل، تشكل عبارة “مناطق ذات أهمية استراتيجية «للجيش اللبناني»” ستاراً واهياً لمواقع “حزب الله” التي تتمتع بغطاء عسكري لبناني.
وأشار تقرير الأمم المتحدة أيضاً إلى الاحتكاك اللبناني مع القوات الإسرائيلية. على سبيل المثال، قام أفراد من “الجيش اللبناني” و”جيش الدفاع الإسرائيلي” بتصويب أسلحتهم على بعضهم البعض عبر “الخط الأزرق” في عدة ظروف متوترة.
“أخضر بلا حدود” على الحدود
خلال فترة التبليغ الحالية، لاحظت “اليونيفيل” وجود ثماني عشرة حاوية شحن وستة أبراج مراقبة في تسع عشرة نقطة مراقبة على طول “الخط الأزرق”، اثني عشرة منها تحمل لافتات جمعية “أخضر بلا حدود”. كما أبلغت “اليونيفيل” عن وجود معدات مراقبة في هذه المواقع، بما في ذلك كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة.
التسلح في وضح النهار
يعرض عناصر “حزب الله” أسلحتهم بشكل فاضح خلال تحركهم في مختلف أنحاء جنوب لبنان، في انتهاك آخر لـ “قرار مجلس الأمن رقم 1701”. وقد أشار تقرير الأمين العام الصادر في تموز/يوليو إلى مخاوف جدية “بشأن وجود أسلحة غير مرخصة في المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني و«الخط الأزرق»”، بما في ذلك ميادين الرماية غير القانونية المذكورة أعلاه.
وفي شهر أيار/مايو، ذهب “حزب الله” إلى أبعد من ذلك عندما أجرى ما أسمته “اليونيفيل” “تدريباً عسكرياً” بالقرب من قرية عرمتى الجنوبية. وخلال هذا الحدث، الذي وصفته وسائل الإعلام بأنه “استعراض هائل للقوة”، تمت محاكاة عمليات الاقتحام والاعتداء عبر الحواجز الحدودية الإسرائيلية باستخدام الأسلحة الثقيلة. وأشار تقرير الأمين العام إلى هذه الحادثة “بقلق بالغ”، ووصفها بأنها انتهاك “للقرار 1701”.
قضايا الدفاع الجوي
وفقاً “للمادة 12” من تقرير تموز/يوليو، “استمر «جيش الدفاع الإسرائيلي» في دخول المجال الجوي اللبناني منتهكاً [«القرار 1701»] والسيادة اللبنانية… وسجلت «اليونيفيل» 131 انتهاكاً للمجال الجوي [هذا الربيع]، بإجمالي 187 ساعة”. ويعكس هذا العدد تراجعاً في التحليقات الجوية الإسرائيلية لتبلغ أدنى مستوياتها منذ أن بدأت الأمم المتحدة في الإبلاغ عن هذه الأرقام، بانخفاض من 390 ساعة في ربيع عام 2022 و 1298 ساعة في ربيع عام 2020 – وهو اتجاه ينبع من بصمة الدفاع الجوي المتزايدة لـ “حزب الله” وتكيف “سلاح الجو الإسرائيلي” مع هذا التهديد.
إذا أريد للدبلوماسية في مقر الأمم المتحدة وبين العواصم الأجنبية أن تحقق أي تقدم في سبيل التخفيف من التوترات الحالية، فمن الضروري أن تعكس الوقائع على الأرض، حيث لا تستطيع العبارات السياسية المبتذلة أن تخفي الوضع القاتم الحالي. فقرار الولايات المتحدة بتصنيف جمعية “أخضر بلا حدود” كان خطوة مهمة، ولكن لا بد من ممارسة المزيد من الضغط على مخالب “حزب الله” الاقتصادية والمالية والإجرامية. ولا ينبغي استخدام الأزمات الداخلية الحادة التي تمر بلبنان كذريعة لتجاهل عاصفة الحرب المتصاعدة.
وبغض النظر عن الصياغة المعتمدة في قرارات مجلس الأمن، فإن استقلالية “اليونيفيل” وحرية حركتها على الأرض يتم إقرارها في نهاية المطاف من قبل قادة “اليونيفيل”، الذين رضخوا حتى الآن لإكراه “حزب الله” وتواطؤ لبنان معه. ونظراً للوضع المتفجر على طول “الخط الأزرق”، يجب على “اليونيفيل” الآن استخدام صلاحياتها المتجددة للتصدي لاستفزازات “حزب الله” في الجنوب. ويتمثل خط دفاعها الأول في هذه المعركة بإعداد تقارير صادقة ومفصلة.
ماثيو ليفيت هو “زميل فرومر-ويكسلر” في معهد واشنطن، ومدير “برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” التابع للمعهد، ومبتكر خريطته التفاعلية حول نشاطات «حزب الله» في جميع أنحاء العالم. العميد (احتياط) أساف أوريون هو “زميل ريؤفين الدولي” في المعهد والرئيس السابق لـ “القسم الاستراتيجي في مديرية التخطيط” التابعة لـ “هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي”.