مع قدوم الذكرى السابعة للثورة التونسية، التي كانت أولى ثورات “الربيع العربي”، لم تسلم تونس هي الأخرى مما يحدث في العديد من البلدان العربية ومعاناة شعوبها بسبب قروض “صندوق النقد الدولي”، فاندلعت، الإثنين الماضي، مظاهرات شعبية في عدة مناطق تونسية، إحتجاجاً على قرارات حكومية برفع أسعار بعض السلع وفرض ضرائب جديدة، تخللتها أعمال تخريب وعنف أجبرت قوات الأمن على التدخل واعتقال أكثر من 600 محتجاً بينهم متشددون إسلاميون، حسب إحصائيات وزارة الداخلية، بتهمة مهاجمة مقار حكومية ومراكز شرطة وسرقة متاجر، وهو ما أستدعى إلى إنتشار قوات من الجيش في عدة مدن.
سقوط قتيل وإصابات..
أسفرت الإحتجاجات، حتى الآن، عن مصرع تونسي واحد وإصابة خمسة آخرين بجروح، وقد سقط التونسي القتيل، ويدعى “خمسي اليفرني”، في مدينة (طبربه)، الواقعة غرب العاصمة تونس، في مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، وفي الوقت الذي قال فيه محتجون، إن الرجل توفي بعد أن دهسته سيارة تابعة للشرطة التونسية، نفت الداخلية التونسية لاحقاً تلك الرواية، وقالت إنه توفي بفعل الغاز المسيل للدموع، الذي أطلقته قوات الشرطة وأنه كان يعاني من مرض ضيق التنفس.
إقتحام المصارف والمؤسسات العامة..
كانت المواجهات التي شهدتها تونس قد أمتدت من المحافظات الداخلية للبلاد، إلى ضواحي العاصمة التونسية، في وقت أشارت فيه تقارير إلى محاولات المحتجين إقتحام بعض المصارف في الضواحي التونسية، وإقتحام بعض من المؤسسات العامة والخاصة في أنحاء متفرقة من تونس.
يساهم في عمليات التخريب والفوضى..
أنتقد رئيس حركة النهضة التونسية، “راشد الغنوشي”، الدعوات التي إنطلقت في تونس والمطالبة بالخروج للشارع للإحتجاج، والمطالبة بإسقاط قانون المالية للعام 2018، قائلاً: إن “كل داع للخروج للإحتجاج في الشارع مساهم في عمليات التخريب والفوضى، التي شهدتها البلاد في عدة مناطق”.
نصوص قانون المالية لعام 2018..
من ضمن ما ينص عليه “قانون المالية” للعام 2018، الذي أقرته الحكومة مؤخراً، زيادة في أسعار بعض المواد، في مقدمتها “الوقود” إضافة إلى رفع الضرائب على الاتصالات الهاتفية والتأمين، ورفع أسعار البنزين وبعض المواد الأخرى مثل الشاي والقهوة والأدوية، إضافة إلى إعتزام الحكومة إقتطاع واحد بالمئة من رواتب كل الموظفين، كمساهمات للصناديق الاجتماعية التي تعاني عجزاً.
تفاقم الضغوط على المقدرة الشرائية للتونسيين..
نددت أحزاب المعارضة التونسية بهذا القانون ودعت للإحتجاج عليه، في حين تدافع عنه الحكومة وتراه ضرورياً.
وقد لجأت الحكومة التونسية إلى زيادة الأسعار ضمن حزمة إصلاحات، وُصفت بالمؤلمة، يطالب بها “صندوق النقد الدولي” بخفض العجز في الموازنة، لكن المحتجين يرون أن الزيادات في أسعار المواد الغذائية والإستهلاكية تفاقم الضغوط على المقدرة الشرائية للتونسيين.
“الإتحاد العام التونسي للشغل”، وهو أكبر نقابة عمالية في تونس، أعتبر أن الإجراءات التي أتخذتها الحكومة أدت إلى “التهاب أسعار عديد من المواد المرتبطة بالإستهلاك اليومي للتونسيات والتونسيين”.
نسبة التضخم فاقت الـ 6%..
بعد سنوات من التباطؤ الاقتصادي وتوظيف أعداد كبيرة في القطاع العام، تواجه تونس صعوبات مالية كبرى. وفاقت نسبة التضخم ستة في المئة مع نهاية العام الماضي، في حين بلغ الدين والعجز التجاري مستويات مثيرة للقلق.
وحصلت تونس في 2016 على خط قروض جديد من “صندوق النقد الدولي” بقيمة مليارين وأربعمئة مليون يورو على أربع سنوات مقابل برنامج يهدف إلى خفض العجز في الموازنة.
صراع بين قطبي الحكم..
يشهد الواقع السياسي التونسي حالة من الصراع، بين قطبي الحكم المؤتلفين في تونس، وهما “حركة النهضة” ذات التوجه الإسلامي و”حزب نداء تونس”، الذي يراه البعض ممثلاً لبيروقراطية الدولة التونسية، وكان “برهان بسيس”، المكلف بالشؤون السياسية في “نداء تونس” قد فجر قنبلة سياسية، عندما أعلن مؤخراً نهاية “التوافق” مع “حركة النهضة” وتحولها من حليف إلى “خصم”، وهو ما أثار لغطاً كبيراً في الساحة السياسية التونسية حول خلفيات ذلك الإعلان والتوقيت الذي جاء فيه.
وتتنبأ الدوائر السياسية في تونس بإقتراب فك الإرتباط بين شريكي الحكم، “نداء تونس” و”حركة النهضة” الإسلامية، بعد سنوات من التحالف الحاكم فيما بينهما، ويعتبر مراقبون تونسيون أن الحزبين ربما يكونا غير قادرين على مواصلة التعتيم على الخلافات القائمة بينهما رغم استمرار ذلك لمدة عامين ونصف العام من التحالف.
تعكس حالة التخبط..
تتبادل الإتهامات بين الحكومة والمعارضة بسبب الإحتجاجات، فقد أعتبر “حمة الهمامي”، الناطق الرسمي باسم “الجبهة الشعبية” اليسارية، التي تقود المعارضة البرلمانية في تونس، أن الإتهامات التي وجّهها رئيس الحكومة “يوسف الشاهد” للإئتلاف الجبهوي حول تورطه في أعمال النهب والتخريب تعكس حالة التخبّط التي يشهدها الإئتلاف الحاكم بسبب الصراع على المناصب.
وأكّد “الهمامي”، خلال مؤتمر صحافي، الخميس 11 كانون ثاني/يناير 2018، أن الإتهامات التي كالها “الشاهد” للجبهة الشعبية لن تخيف هذه الأخيرة، التي كانت دوماً في صفّ الإحتجاجات الاجتماعية والمطالب الشعبية للمواطنين.
مضيفاً أن الإئتلاف الحاكم في تونس يعيش لخبطة كبرى خلال هذه المرحلة بسبب الصراع على المناصب والإستعداد للإنتخابات المقبلة، وهو ما يفسّر الهجمة التي شنّها رئيس الحكومة على “الجبهة الشعبية”.
يتهرب من المسؤولية..
كما أتهم “الهمامي”، الشاهد، بالتهرّب من المسؤولية فيما يتعلّق بالإجراءات التي أقرّتها حكومته، في إشارة إلى “قانون المالية” لسنة 2018.
وشدّد على أن “الجبهة الشعبية” تدعو المواطنين إلى الإحتجاج بوجوه مكشوفة للتصدّي لقانون المالية، مضيفاً أن الحكومة تعمل على الإنزياح بالرأي العام عن ملف غلاء الأسعار والزيادات والتركيز فقط على أعمال العنف والتخريب التي رافقت الإحتجاجات.
وتحدّى “الهمامي” حكومة “الشاهد” بكشف تورّط أي شخص ينتمي إلى “الجبهة الشعبية” في أعمال النهب والتخريب التي شهدتها بعض مناطق البلاد خلال الأيام الأخيرة.
يتهم الإئتلاف الحاكم بالمسؤولية..
من جانبه، قال القيادي في الجبهة الشعبية، “زهير حمدي”: “إن الجبهة الشعبية التي تعرّضت قياداتها إلى الإغتيال السياسي، (في إشارة إلى إغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013)، لا يمكنها التورط في ممارسة العنف”.
معتبراً أن الإئتلاف الحاكم هو المسؤول عن أعمال التخريب، التي طالت مؤسسات حيوية ومرافق عمومية ومقرّات أمنية في تونس.
التحريض على أعمال العنف والتخريب..
كان “الشاهد” قد أتهم علناً “الجبهة الشعبية” اليسارية وشبكات فساد بالتحريض على أعمال العنف والتخريب التي أستهدفت الممتلكات العامة والخاصة خلال الإحتجاجات الليلية التي إندلعت منذ بداية الأسبوع الجاري.
وقال “الشاهد”، في تصريحات لوسائل الإعلام خلال الزيارة الميدانية التي أدّاها الأربعاء 10 كانون ثان/يناير 208، إلى مدينة طبربة، غربي العاصمة التونسية، إن أعمال التخريب التي طالت المؤسسات العامة والخاصة خلال الإحتجاجات لها علاقة بأطراف سياسية، من بينها، “الجبهة الشعبية” وشبكات فساد، قامت بتجنيد الشباب للقيام بأعمال عنف.
وأضاف “الشاهد” أنه تم فتح تحقيق للكشف عن المتورطين في الأحداث الأخيرة، مشيراً إلى أن موقف “الجبهة الشعبية” اليسارية غير مسؤول بالنظر إلى أن نوابها يصوّتون لصالح “قانون المالية” لعام 2018 ثم يتظاهرون ضده.
كما أتهمت قيادات من “حركة النهضة الإسلامية” المشاركة في الحكم، “الجبهة الشعبية” بالضلوع في التحريض على
العنف، وفق تقديرها.
تحذير من الإنجراف نحو التسلط..
في السياق ذاته، حذر “مركز الأزمات الدولية” في تقرير نشر الخميس 11 كانون ثان/يناير الجاري، من الإنجراف نحو التسلط والعودة إلى نظام الإستبداد في تونس، بعد سبعة أعوام على الثورة التي وضعت حدّاً لعقود من الديكتاتورية.
وأتهم المركز رئيس الجمهورية، “الباجي قائد السبسي”، بجعل النظام رئاسياً وتشريع الأصوات التي تدعو إلى تعديل دستور 2014 بهدف توسيع صلاحياته.
وأعتبر أن ضعف المؤسسات لا يعود إلى الدستور؛ إنما إلى عدم تطبيقه، داعياً القادة التونسيين إلى عدم القيام بمراجعات دستورية قد تدفع الحكم في تونس إلى أن يصبح أكثر إختزالاً في يد الرئيس أو يقسم الساحة السياسة بعنف، في وقت تدخل تونس في مرحلة من الغموض الإنتخابي.
إجراءات غير مدروسة..
تعليقاً على الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم، قال وزير المالية السابق، “إلياس الفخفاخ”، (2014/2012)، إن إجراءات الحكومة “غير مدروسة، حيث كان يفترض القيام بإصلاحات هيكلية من شأنها أن تحل مشاكل كبيرة وأن نتجاوز من خلالها ما نعيشه اليوم من غضب وإخفاق اجتماعي”.
وأضاف “الفخفاخ”: أن “التضحيات اليوم تتحملها جهة واحدة وهي عامة الشعب، لا سيما الطبقتين الضعيفة والمتوسطة، والتي لم تعد تقبل بالمواصلة على نفس المنوال”.
وكان “الفخفاخ” قد حذر، في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، خلال تصريح لـ (راديو إكسبريس. إف. إم)، من أن سنة 2018 “ستكون صعبة جداً، خاصة مع إرتفاع نسبة التضخم وتدهور سعر صرف الدينار”، مشيراً إلى أن “نسبة المديونية أرتفعت من 36 مليون دينار سنة 2013 إلى 76 في 2017”.
تواجه مسائل وتراكمات سنوات..
من جهته، أعتبر وزير المالية، بين نهاية 2011 ومنتصف 2012، “حسين الديماسي”، أن الوضع الحالي “لا تتحمله حكومة الشاهد بمفردها بالنظر إلى أنها بصدد مجابهة مسائل وتراكمات تعود إلى ست سنوات خلت”.
سبع سنوات عجاف..
في سياق إحياء الذكرى السابعة لرحيل “بن علي” ونظامه البائد، كتب “مراد علالة”، الخميس في (الصحافة): “سبع سنوات عجاف، حكومات ومنظومات حكم متعاقبة فاشلة … أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة اليوم زادها قانون المالية 2018 حدّة وقسوة على البلاد والعباد، أزمة سياسية ومحاولات إنعاش لمنظومة الحكم الراهنة وسط أمل ضعيف بإنقاذها، عودة إلى الشارع في شهر (كانون ثان/يناير) شهر الإحتجاجات…”.