صدر في العاصمة الأردنية عن دار زهران للنشر والتوزيع الكتاب الجديد للباحث والخبير الاستراتيجي الدكتور سعد شاكر شبلي، الذي سعى لوضع موجز لمسائل منتخبة من الفقه الاسلامي الذي لم يعد بالإمكان ملاحقة القضايا والإشكاليات المتعددة التي يتعرض لها واقع المسلمين في الحياة المعاصرة، وبهذا فهي فرصة متواضعة توفرت كان من المناسب الاستفادة منها بغية تحقيق الإفادة العلمية لجمهور المريدين.
وعلى وجه العموم ، ينظر إلى قواعد الفقه الإسلامي على أنها مستمدة من الشريعة الإسلامية الغراء، وتعد من القواعد الناظمة والحاكمة والمُستوعِبة والشاملة لكل المجالات مهما تعددت وتطورت، كما أنها كانت وتبقى متطورة بتطور الشريعة وقواعدها.
وبدايةً لابد من التمييز بين الفقه والشريعة، فالشريعة تَشمَل كل ما تقرر في القرآن الكريم والسنة النبوية من عقائد دينية وتعاليم أخلاقية وقواعد علمية وملية، أرشد فيها الشارع الحكيم إلى كثير من مسائلها عن طريق كليات مُحكَمة وأصول راسخة ومقاصد دائمة تدل عليها دلائل خاصة وقرائن بَينة وإمارات معقولة، بينما يقتصر الفقه على القواعد العملية في قسمٍ أو جزءٍ واحد منها فقط، فيبحث عن الوقائع والأحكام ويحدد ويُصور ويَفترض ويُقيم الحُجج ويبث بمقتضى الشرع، كما أن الشريعة تعد أعم من الفقه، إلا أن هذا -الفقه- يستمد قواعده منها وفق أصول شرعية عقلية ونقلية، مما يجعل قواعده كذلك مرِنة ومتطورة.
ويعد التفقه في الدين على وجه العموم بإنه فرض كفاية، ولا بدّ أن يكون للناس من يفقههم، ويعلمهم، ويبين لهم أحكام الله عز وجلّ، فإن لم يكن ذلك فيهم أو لم يوجد فيهم من يكفي أثموا جميعاً، ومن هنا تنبع الحاجة إلى معرفة أحكام الدين، والتفقه فيها، وكثير من الناس تعرض لهم أحوال ومسائل لا يجدون فيها حكماً شرعياً في أذهانهم، ولا يعرفون الحكم عن دليله، ولا عن القائل به من السلف والعلماء، فضلاً عن فتوى لمفتٍ ممن يعاصرونه، ولو بغير دليل، لا يعرفون ذلك إلا من رحم الله تعالى.
لذلك من الأجدر بل من الضَّروري التَّأكيد على أنّ الواجب الشّرعي يتطلّب قيام العلماء والفقهاء المعاصرين ببذل الجهود لتوضيح الأحكام بما يتعلّق بفقه العبادات أو المعاملات وعلى جميع أوجه هذه المعاملات كتلك الَّتي تتعلق بالأمور المالية والاحوال الشَّخصية والقضاء من أجل تيسير أمور العباد وتحسين أحوالهم في أمور الدّين والدّنيا.
ولا يمكن أنكار ما بذله المجتهدون من الأئمة السابقين من جهود عقلية في استمداد الأحكام الشّرعية من مصادرها، واستخراجها من النّصوص الشّرعية وروحها ومعقولها كنوزاً تشريعيّة ثمينة، كفلت مصالح المسلمين على اختلاف أجناسهم وأقطارهم ونظمهم ومعاملاتهم، ولم تضق بحاجة من حاجاتهم، بل كان فيها تشريع لقضايا لم تحدث، ووقائع فرضية، وهذه موسوعات الفقه آيات تنطق بما بذلوه من جهد وما كان حليفهم من توفيق.
ويكاد اتفّاق علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم قد تحقق في أنّ كلّ ما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال سواء أكان من العبادات أم المعاملات أم الجرائم أم الأحوال الشّخصية أم من أيّ نوع من أنواع العقود أو التّصرفات، له في الشريعة الإسلاميّة حكم، وهذه الأحكام بعضها بيّنتها نصوص وَرَدت في القرآن الكريم والسنة النبوية، وبعضها لم تبينها نصوص في القرآن أو السّنة، ولكن أقامت الشّريعة دلائل عليها ونصبت أمارات لها بحيث يستطيع المجتهد بواسطة تلك الدّلائل والأمارات أن يصل إليها ويتبينها.
ومن مجموعة الأحكام الشّرعية المتعلّقة بما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعالٍ مستفادة من النّصوص فيما وردت فيه نصوص، والمستنبطة من الدّلائل الشّرعية الأخرى فيما لم ترد فيه نصوص تكوَّن الفقه.
من هنا تنبع أهمية المسائل المنتخبة في هذا الكتاب، كونها تاتي من شيوع حالة عدم معرفة الواجبات الشّرعية لدى كثير من المكلفَّين الَّذين يجهلون في أمور دينهم ما يعادل جهلهم بأمور دنياهم أو يفوقها، وهذا يحمِّلهم مسؤوليات كبيرة عن الأفعال والأقوال الَّتي تصدر عنهم منذ اكتمال أهلية الأداء وثبوتها لدى الإنسان البالغ العاقل ما لم يعترضها عارض في أهلية الوجوب والإداء، وقد يثار هنا أمر الجهل لمن عارض اجتهاد النَّص القاطع أو الاجماع، وبقسمي الجهل البسيط والمركب، وما أكثر هذه الحالة لدى أبناء أمتنا الإسلامية.
اشتملت فصول هذا الكتاب على:
- مسائل من فقه البيوع: امتدت نحو بعض مسائل بيع العينة وأحكامها، وبيع التّورق وأحكامه وصوره وبيع العربون وأحكامه .
- مسائل من فقه الحدود والكفارات: عالجت موضوع القرائن في اثبات الحدود، ومسائلة كفّارة من أفطر عامداً في يوم رمضان.
- مسائل من فقه الأسرة: تتعلق بموضوع ألفاظ الكناية في الطّلاق، وتغريب المرأة في الحدود .
- مسائل من فقه القضاء: اشتملت على مشروعية القضاء في النظام القضائي الإسلامي وشروط الشّهـادة في النظام القضائي الإسلامي.
وبذلك سلط هذا الكتاب على عدد من المسائل المنتخبة من الفقه الإسلامي، وقام بتوضيح سبل التعرف على أدلة الأحكام المتعلقة بها، وتطرق إلى آراء فقهاء الإسلام الذين يرجع إليهم في الأبواب المتعلقة بتلك المسائل، بعد أن باتت هذه المسائل من الأمور المهمة التي ينبغي لأهل العلم العناية بها وإيضاحها للناس؛ لأن الله سبحانه خلق الثقلين لعبادته، ولا يمكن أن تعرف هذه العبادة إلا بمعرفة الفقه الإسلامي وأدلته، وأحكام الإسلام وأدلته، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة العلماء الذين يعتمد عليهم في هذا الباب أو ذاك من أئمة الحديث والفقه الإسلامي.