من المتوقع أن يفوز الرئيس الحالي بفترة ولاية أخرى، لكن التحولات في سياسات المعارضة في الداخل والحقائق الجيوستراتيجية في الخارج قد تؤدي إلى توترات في العلاقات الثنائية في المستقبل.
عندما يتوجه الجزائريون إلى صناديق الاقتراع في 7 أيلول/سبتمبر للجولة الأولى من انتخاباتهم الرئاسية، سيواجه الرئيس عبد المجيد تبون خصمين، هما: يوسف عوشيش من “جبهة القوى الاشتراكية” ذات الميول اليسارية، وعبد العالي حساني شريف من الحزب الإسلامي “حركة مجتمع السلم”. وبالنظر إلى مكانة تبون القوية كمرشح النظام، فلا شك أنه سيفوز.
ومع ذلك، يواجه الرئيس سياقاً مختلفاً تماماً مقارنة بانتخابات عام 2019، عندما اهتزت البلاد بسبب حركة احتجاجية جماهيرية تُعرف باسم “الحِراك”. وفي ذلك الوقت، كان تبون شخصية سياسية صغيرة، وكان ادعاؤه الرئيسي للشهرة هو حصوله على أقصر فترة لرئاسة الوزراء في تاريخ الجزائر (أيار/مايو-آب/أغسطس 2017). وبعد خمس سنوات، يدّعي مؤيدوه بأنه مكّن البلاد من العودة إلى الوضع الطبيعي وعمل المؤسسات دون العنف الذي شهدته ليبيا أو الاضطرابات السياسية التي شهدتها تونس، رغم التحديات الداخلية والخارجية المستمرة التي تواجهها البلاد.
تحولات المعارضة ومخاوف الإقبال على التصويت
في عام 2019، تنافس خمسة مرشحين، جميعهم يمثلون تقريباً التيار الوطني الذي حكم الجزائر منذ الاستقلال. لكن مرشحي هذا العام يتمتعون بملفات تعريف مختلفة تماماً، مما يكشف عن درسين رئيسيين حول السياق السياسي الحالي في البلاد.
الأول هو أن الفصائل الإسلامية التي اختارت المشاركة في الانتخابات الأخيرة لا تُعتبر تهديداً. فقبل الانتخابات البرلمانية لعام 2021 مباشرة، عندما كانت “حركة مجتمع السلم” على وشك زيادة عدد مقاعدها، قال تبون للصحافة: “هذا الإسلام السياسي لا يزعجني لأنه لا يعلو فوق قوانين الجمهورية التي ستطبق بحذافيرها“.
ومن الواضح أن استراتيجية “حركة مجتمع السلم” بعد عام 2019 – وهي، تقديم نفسها كبديل ذي مصداقية على الساحة السياسية الجزائرية – لم تحقق نجاحاً. وعلى الرغم من أنها حزب المعارضة الرئيسي الوحيد الذي شارك في كل انتخابات منظمة، إلا أن غالبية الناخبين لم يتبنوا مواقفها السياسية. على سبيل المثال، عارضت “حركة مجتمع السلم” التعديل الدستوري لعام 2020 والذي حصل في النهاية على موافقة بنسبة 66.8٪ في استفتاء عام. إن شخصية حساني الأكثر تحفظاً كزعيم لـ “حركة مجتمع السلم” مقارنةً بسلفه الجرئ في تصريحاته، عبد الرزاق مقري، لم تجعل الحزب إلا أكثر براءة.
والدرس الثاني هو أن السلطات الجزائرية تركز على حشد الناخبين في “القبايل”، موطن الأمازيغ القبائليين. وفي انتخابات عام 2019، كانت نسبة المشاركة في تلك المنطقة قريبة من الصفر. وليس من قبيل الصدفة أن اختار تبون زيارة “تيزي وزو”، عاصمة منطقة “القبايل”، في تموز/يوليو قبل بدء فترة الحملة الانتخابية. وفي الوقت نفسه، تواصل السلطات التأكيد على إجراءاتها ضد “حركة تقرير مصير منطقة القبائل“، في منطقة “القبايل” التي تتهمها بالإرهاب. إن وجود مرشح شاب لـ “جبهة القوى الاشتراكية”، يوسف عوشيش، سيعزز الارتباط بين هذه المنطقة الشمالية والانتخابات الوطنية. إن حزب المعارضة الكبير هو في الأساس من البربر ويستمر في التمتع بشعبية كبيرة، (كما أكد الحضور في اجتماعاته الأخيرة)، وإن لم يكن بالشعبية التي كان يتمتع بها في الماضي.
في نهاية المطاف، سيكون الإقبال الوطني على التصويت هو المؤشر الحقيقي على نجاح إعادة انتخاب تبون، الذي شهد فوزه في عام 2019 مشاركة انتخابية بنسبة 40٪ فقط. وفي هذا السياق، يشير القرار المفاجئ بإجراء الانتخابات هذا الشهر بدلاً من كانون الأول/ديسمبر إلى نوع من المفارقة للحكومة. فمن ناحية، أعطى الموعد المبكر مرشحي المعارضة وقتاً أقل للاستعداد للانتخابات؛ ومن ناحية أخرى، يعتبر شهر تشرين الأول/سبتمبر فترة إجازة شعبية في الجزائر، لذلك لن يركز معظم السكان على التصويت.
القضايا الرئيسية في ولاية تبون الثانية
خاض تبون حملته الانتخابية إلى حد كبير بتركيزه على النجاحات الاقتصادية التي تحققت خلال ولايته الأولى. على سبيل المثال، ارتفعت عائدات النفط بنسبة 70٪ في عام 2022 بفضل زيادة الصادرات، حيث سعت الأسواق الأوروبية إلى استبدال الغاز الطبيعي الروسي في ظل حرب أوكرانيا. كما وعد بتوسيع الإسكان، وزيادة المزايا الاجتماعية (مثل زيادة المعاشات التقاعدية)، وخلق فرص عمل جديدة، ومواصلة تنمية الاقتصاد. وستعتمد كل واحدة من هذه المبادرات على مدى نجاحه في معالجة التحديات مثل ارتفاع التضخم.
بالإضافة إلى ذلك، أعادت الجزائر تدريجياً تأكيد نفسها على الساحة الدولية تحت قيادة تبون. ويقيناً أن الوضع الخارجي للبلاد لا يبدو قوياً بشكل خاص في الوقت الحالي، مع الاضطرابات على الحدود مع مالي، وعدم الاستقرار في ليبيا، والتوترات مع الدول الأوروبية حول مواقفها بشأن نزاع الصحراء الغربية. ومع ذلك، قد تعزز هذه الظروف حملة تبون في النهاية وتضمن استمراره في دفع سردية تأثير الجزائر في الخارج.
التداعيات على السياسة الأمريكية
في ظل رئاسة ثانية لتبون، من المرجح أن تسعى الجزائر إلى مواصلة تعميق انخراطها مع الولايات المتحدة وتموضعها كمورد رئيسي للطاقة لأوروبا. وعلى المدى القصير، سيكون هذا مكسباً لكل من واشنطن والجزائر، لا سيما في مجالات مثل التعاون في مكافحة الإرهاب. ولكن على المدى الطويل، سوف تستمر القضايا نفسها التي تحدت الشراكة لعقود من الزمن – وليس فقط افتقار الجزائر إلى الانفتاح السياسي والاقتصادي، ولكن أيضاً عدم رغبتها في الاعتراف بأن الأعمال المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها روسيا في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل لها تأثير سلبي في الداخل وعلى المنطقة بأكملها..
سابينا هينبرغ هي “زميلة سوريف” في معهد واشنطن. وسهير مديني هي زميلة زائرة في المعهد من “الوزارة الفرنسية لأوروبا والشؤون الخارجية”.