يشكل اغتيال الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله على يد إسرائيل لحظة مفجعة للحزب، يمكن أن تغير المشهد السياسي اللبناني وكذلك الديناميات في جميع أنحاء المنطقة. وجاء مقتل نصرالله في نهاية أسبوع وحشي لـ “حزب الله”، الذي فقد الآن معظم قيادته العسكرية، بالإضافة إلى نظام اتصالاته ومجموعة من مستودعات الأسلحة والمرافق الأخرى. وكل هذا أصبح ممكناً بفضل اختراق المخابرات الإسرائيلية لقيادة “حزب الله” وبنيته العسكرية. ولأسباب متعددة، بما في ذلك النمو الهائل لـ “حزب الله”، ستكون ديناميات الخلافة اليوم أكثر تعقيداً مما كانت عليه قبل ثلاثة عقود عندما قُتل سلف نصرالله، عباس الموسوي.
الخلافة السياسية
على الورق على الأقل، لن يكون استبدال نصرالله صعباً، وسيتولى “حزب الله” هذه المهمة إلى جانب “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني. ومن بين الخلفاء المحتملون نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم ورئيس “المجلس التنفيذي” هاشم صفي الدين – الذي هو أيضاً ابن شقيق نصرالله. ومع ذلك، فعلى مستوى أعمق، سيكون من الصعب جداً استبدال هذا الزعيم الكاريزماتي الذي استمر بمنصبه لفترة طويلة. فقد أصبح نصرالله لا ينفصل عن العلامة التجارية للحزب، ويُعرف بنجاحات مثل انسحاب إسرائيل من لبنان في عام 2000 و”النصر الإلهي” المفترض ضد إسرائيل في صيف عام 2006. وكان نصرالله بمثابة شخصية الأب للعديد من الشيعة اللبنانيين، الذين اعتبروه مزوّدهم وحاميهم. ومن يخلفه سيكون في موقف لا يُحسد عليه نظراً للحالة المتدهورة للحزب والأيام المظلمة المحتملة التي تنتظره. ومع ذلك، فإن الفراغ الناتج عن ذلك سيوفر فرصاً للمجتمع الدولي للدعوة إلى قيادة أفضل للشيعة اللبنانيين وللأمة بأكملها.
الآفاق العسكرية
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما التزم “حزب الله” بدعم قتال “حماس” ضد إسرائيل، فقد تم قتل ثلاثة من قادته من الصف الأول، وهم فؤاد شكر، وإبراهيم عقيل، وعلي كركي، بالإضافة إلى معظم قادته من الدرجة الثانية. ونظراً لهذه الخسارة في الأفراد، إلى جانب الضربات التي لحقت بالبنية التحتية وضعف الثقة المرتبط بها، فسوف تكون مهمة إعادة بناء القدرات العسكرية للحزب شاقة وستستغرق سنوات. وعلاوة على ذلك، لعب نصرالله نفسه دوراً رئيسياً في إعادة هيكلة الأنشطة العسكرية لـ “حزب الله” والتنسيق مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. وبالتالي، تم الآن قطع النسيج الرابط بين لبنان وإيران.
الديناميات الإقليمية
في وقت مبكر من الحرب الأهلية في سوريا، التي بدأت في عام 2011، دعم “حزب الله” نظام بشار الأسد، حيث عمل مباشرة تحت قيادة قائد “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني. وبعد ذلك، برز “حزب الله” كذراع إقليمي “للحرس الثوري”، حيث قدم الدعم اللوجستي والتدريب والقيادة للميليشيات في العراق وسوريا واليمن. وعندما قُتل سليماني في أوائل عام 2020، توسع دور “حزب الله” في المنطقة بشكل أكبر، وحتى وقت قريب أمضى قادته وقتاً أطول في تلك البلدان في الخارج مما قضوه في لبنان. ومع تعرض “حزب الله” لأضرار جسيمة الآن، يجب على “فيلق القدس” أن لا يستبدل قيادة “حزب الله” في لبنان فحسب، بل أيضاً الدور الذي لعبه في جميع أنحاء المنطقة. وبالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، توفر هذه الفترة الانتقالية فرصة كبيرة للتخفيف من التهديد في المنطقة الذي تقوده إيران.
خيارات لإيران
لدى الجمهورية الإسلامية خياران واسعان للرد على ضربة نصرالله، وهما: التصعيد أو التراجع.
- التصعيد. إذا اختارت إيران التصعيد، فقد تتبنى نهجاً مباشراً في قيادة قوات “حزب الله” القتالية، وهو مسار غير فعال في أفضل الأحوال نظراً لغياب القيادة العسكرية المتمركزة في لبنان حالياً. أو بدلاً من ذلك، يمكن أن تسهل إيران إطلاق صواريخ “حزب الله” الموجهة بدقة قبل أن تدمرها إسرائيل، أو توجّه وكلاء مثل الميليشيات الشيعية المتمركزة في العراق والحوثيين في اليمن للاشتباك عسكرياً مع إسرائيل. ولكن هذا الخيار أيضاً يواجه تحديات، بما في ذلك المخاطر الشخصية التي يتعرض لها القادة الإيرانيون المتمركزون في لبنان، والذين على أي حال ليسوا على دراية بالبلاد وتعقيداتها الأمنية والسياسية. وقد يؤدي التصعيد في النهاية إلى حملة إسرائيلية أوسع نطاقاً ضد أصول إيران في المنطقة.
- التراجع. بدلاً من ذلك، قد تتراجع إيران في الوقت الحالي للحفاظ على وكيلها من تكبد المزيد من الخسائر. وقد يستلزم ذلك قبول المبادرة الدبلوماسية الأمريكية-الفرنسية، وتوجيه “حزب الله” للانسحاب عسكرياً إلى شمال نهر الليطاني. كما يعني هذا التراجع الفصل بين جبهتي الحرب في لبنان وغزة. وكل هذا من شأنه أن يوفر “للحرس الثوري” الإيراني الوقت والمساحة لإعادة بناء ترسانة “حزب الله” وإعادة هيكلة قيادته العسكرية. ومع ذلك، فإن التراجع يحمل مخاطر أيضاً، بما في ذلك التعرض لحملة عسكرية إسرائيلية مستمرة تشمل إضعاف أو القضاء على صواريخ “حزب الله” الموجهة بدقة.
كيف يمكن للجهات الفاعلة الغربية ملء الفراغ
مع مقتل نصرالله وتضرر جماعته، سوف يشعر “حزب الله” والمجتمع الشيعي اللبناني – فضلاً عن جميع اللبنانيين – بالانكشاف وعدم الحماية. وحتى الآن، لم يهب أي طرف فعلياً لمساعدة “حزب الله”، سواء من النظام الإيراني أو من أي جهات فاعلة متعاطفة أخرى في المنطقة.
وهنا تكمن فرصة للمجتمع الدولي للاستثمار بجدية في مستقبل لبنان، وهو التعهد الذي سوف ينطوي على أكثر كثيراً من إرساء إطلاق النار أو إعادة تنفيذ “قرار مجلس الأمن رقم 1701” الذي أنهى حرب لبنان في عام 2006. وتتمتع الولايات المتحدة بالفعل بنفوذ قوي على لبنان من خلال برنامجها للمساعدة للجيش اللبناني، ولكن على الجيش اللبناني أن يكون مسؤولاً أمام حكومة لبنانية مستقلة، وليس لحكومة خاضعة لسيطرة “حزب الله”. وبعد وقف إطلاق النار يجب أن يكون لبنان مرتكزاً في المقام الأول على سيادة الدولة واستقلالها. علاوة على ذلك، بإمكان المجتمع الدولي الآن أن يعمل على دعم ائتلاف موثوق وشامل من الشخصيات والقوى المعارضة – والذي يجب أن يشمل المجتمع الشيعي بكل تنوعاته – لمواجهة “حزب الله”وحلفائه والنفوذ الإيراني في لبنان.
حنين غدار هي “زميلة فريدمان الأقدم” في “برنامج ليندا وتوني روبين حول السياسة العربية” التابع لمعهد واشنطن