بقلم: ذكرى البياتي
يسألني صديقي: لماذا كل هذا البعد والصمت المنطفئ؟
صديقي، أدركت أني تأخرت في فهم واقعي الذي أعيشه؛ الواقع الذي كنت أهرب منه دائمًا وأختبئ في أمان الأوفياء.
أصبحت اليوم ما كنت أخشى أن أكون، وربما لأنني ودعت نفسي التي كنت أعرفها إلى الأبد.
بداخلي الآن مشاعر طفلة متضاربة. أعاني من فصام، أو ربما أنحاز لنفسي القديمة، وتارة أهرب منها وأرفض كل ما أشعر به، أتقلب، وأنفر من كل الجروح التي تنزف داخلي.
أنا الآن امرأة كئيبة منطفئة تعيش بحيرة طوال الوقت، وتارة أخرى أكون امرأة مرحة كثيرة الضحك، فاقدة للشغف، لا تبرح سريرها.
وأحيانًا امرأة تحب الحياة، لا تكف عن الثرثرة والضحك، وأخرى صامتة طوال الوقت.
أعيش يا صديقي في صراع نفسي لا يتوقف، بتناقض لا أفهمه ولا أجيد التعامل معه.
أود الميل على كتف ألفته روحي لأضع ألف حاجز بيني وبين من يحاول المساس بروحي.
مشطورة نصفين، وكل نصف يسلك طريقًا أجهل نهايته.
ساعدني يا صديقي، أحتاج منك إجابة أخيرة قبل أن أغلق هذا الفصل من حياتي.
أنا لست بخير.
لا أستطيع نسيان تلك الليالي التي قضيتها وحيدة مستلقية في فراشي، أحدق في السقف، ثم أعود وأسأل نفسي: هل أنا موجودة في هذه الحياة، أم أنني مجرد حلم مؤجل، أو فكرة غير مكتملة في ذهن من يعرفني؟
أتدري؟ لم أنسَ شيئًا، لكنني تخطيت.
فلا شيء مر بي كان سهلاً، وكل من عبر معي مرحلة من مراحل عمري علمني درسًا يصعب نسيانه أو نسيان طريقته القاسية.
لم يختف تأثير الأشياء الموجعة في نفسي، لكنني جعلت تأثيرها أقل حدة حين تقبلت وجعها وتصالحت معها. نعم، تصالحت مع نفسي بكل أخطائها.
لدي ذاكرة حادة تحتفظ بكل الأشياء، وخاصة التي أود نسيانها.
ربما لأنها لا تريدني أن أعيد ذات الأخطاء من جديد، فهي تعرفني حق المعرفة.
يا صديقي، أنا امرأة مرهفة الإحساس أملك قلبًا كقلوب الأطفال.
إن رأيت شخصًا يبكي، أجلس بجانبه وأبكي.
ذلك هو صمتي يا صديقي.
لكن يا صديقي، رغم كل هذا، ما زلت أبحث عن بصيص أمل في زوايا نفسي المظلمة. أحيانًا أشعر أنني مثل تلك الشمعة التي تقاوم الرياح، تُضيء برغم العواصف التي تحاول إطفاءها.
هناك جزء مني يرفض الانطفاء، يصر على الحياة، يصر على الأمل حتى وإن كان ضئيلاً.
أتعلم؟ ربما في أعماقي، ما زال هناك ذاك الحلم الصغير الذي يرفض أن يموت، رغم أنني كثيرًا ما تظاهرت بأنني قد دفنته.
أحيانًا أتساءل: هل كل هذه الفوضى الداخلية هي جزء من رحلة البحث عن ذاتي الحقيقية؟
ربما نحتاج إلى أن نضيع في متاهات أنفسنا حتى نجد الطريق الصحيح.
وربما الألم الذي أحمله اليوم هو ما سيصنع مني شخصًا أقوى غدًا.
لكن، إلى أن يأتي ذلك الغد، سأبقى هنا، في هذه اللحظة، أحاول أن أعيش بكل ما في داخلي من تناقضات.
وربما، يومًا ما، سأجد تلك القوة التي تجعلني أُعيد بناء نفسي من جديد، كما أريدها أن تكون.
ذكرى البياتي