بقلم: الدكتور حارث عبود
بغداد… اشتقت إليك فماذا أفعل؟!
حارث عبود
بغداد.. اشتقتُ إليكِ فماذا أفعلْ؟!
وعيونُ الليلِ يُؤرِّقها العشقُ الأوّلْ
وحنينُ الروح يسابقهُ القلبْ
فيرفرف عصفورُ الشوق على جَنبَيكْ
يتأمّل عينيكْ
يا عَينَيَّ!
في هذي الأرض، وفي كلّ الأكوان هما الأجملْ!
اشتقتُ إليكِ حبيبةَ عُمري
شابَ العمرُ…
لا آخرَ بعدَكِ لا مِن قَبلِكِ أوّلْ!
***********
اشتقتُ إليكِ فماذا أفعلْ؟
مِلحٌ كلُّ سواقي الدنيا
يا عَطشي!
جدْبٌ كلُّ مزارعِها
وسَرابٌ كلُّ بحار الأرض
فماذا أفعلْ
وقد اشتقتُ إليكِ؟
أأبحث حيث رُبايَ الكانت أمثَلْ؟
حيثُ تَسامى قرصُ الشمس شُموخاً
ثم تَدحرَج أسفلَ أسفلْ؟
حيث الرَّبعُ يُشتِّت شملَهُمُ الزمنُ الأشْولْ؟
حيث انفرَط العِقدُ الزاهي
وسواقي الحبِّ المَشْبوب
تَعثَّر مَجراها .. وتحَوَّلْ؟
***********
ماذا أفعلُ يا بغداد؟
ماذا أفعلْ؟!
وقد انكسر الرمحُ
والفارسُ من ظَهر المَجد ترجَّلْ
ذاك الأبهى والأروعُ والأنبلْ
وسيوفُ النخوَة ما عادت تَنسلّْ
وعِقال العزةِ مِن فَرط الذُّلِّ تَبزَّلْ
وبساتينُ النَّخْل يقاتل فيها النخلُ النخلْ؟
وتبعثر كلُّ التاريخ ….تَبدلْ !
وتلاقى العهرُ وديدانُ الكَون
وكلُّ بقايا هولاكو
يتبعها الأردأُ والأقبحُ والأرذلْ
فذئابٌ ترقص في أعراس دِمانا
وضباعٌ ليلاً ونهاراً تتجوّلْ
مِن كلّ جُحور السُّوء انجمعوا
مِن أعمق أعماق الحِقد انسلُّوا
فتأمّلْ!
*************
ماذا أفعلْ؟!
لا وَردٌ يسترخي بأمانِ حديقتنا
ما عاد الوردُ لعَودتنا يتجمَّلْ
وصِغار الحيِّ دموعٌ تتلوّى
وصَديدٌ يتشظّى
ودماءٌ نافرة
تحتَ حذاء المحتلّْ
وصبايا أرهقها الأمنُ الموعود
وجراحٌ يَدعَكها البارود
وسبايا تترمَّلْ
ودِيارٌ نَسيتْ لونَ الضَّحِكات
لا طفلٌ يُنعش بيتاً مهجورا ..
لا أترابٌ .. لا أصحابٌ.. لا أهْلْ
***********
ماذا أفعلْ؟!
أأُصاحِبُ أحزاني ورزايا الدَّهر!
أمْ أندُب حظّاً يَهوي نحوَ القاع .. نحوَ التِّيْه.. ونحوَ الوحْلْ؟
أمْ أرقَب حالَ الدنيا حتى أرْحلَ… أو تَرْحلْ
أمْ أمسخُ ذاكرتي كالنعّامة؟
أمْ أتبعُ ظِلي؟
حتى الظلُّ تنصَّلْ!
ماذا أفعلُ يا بغداد..
وأنتِ الحبُّ وأنتِ الموت معاً؟!
قُولِي لي بالله عليك
كيف اجتمع الضِّدّان على سَطح الوطن الأجملْ؟!
***********
ويأتي الرّدُّ مِن القلب:
قد قَرُبَ الموعد هيّا نرحلْ!
قلتُ إلى أين؟
وماذا أفعلُ بالشوق الصاخب كالمِرجَلْ!
قال:
– لا تتعجَّل قد عُدنا للسُّلَّم من أوّلْ
لكنَّ الصبح سيَطلُع في بغداد.
أقولُ: سيطلع في بغدادَ الصُّبحْ
فلنُقسِمْ أنْ نَرجِع بيْن شواطئها يوماً
ونعيدَ حكايا الخُضرة والمِنجلْ
************************