يبدو أن الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، يحاول أن يثبت وجوده على الساحة الدولية.. فبعد مهاجمته إيران، غيَر موقفه تجاه الأزمة السورية، فبعد أن كان معارضاً لوجود الرئيس السوري، “بشار الأسد”، أصبح يغازله بعدما كسب الحرب على الأرض، إلا أن “الأسد” لم يعجبه هذا التحول، فوجه إنتقادات حادة إلى فرنسا متهماً إياها بـ”دعم الإرهاب”، معتبراً أنه “لا يحق له التحدث عن السلام” في بلاده، وذلك على خلفية مواقف لباريس، أتهمت فيها دمشق، بعرقلة جهود تسوية النزاع.
رأس الحربة في دعم الإرهاب..
قائلاً “الأسد”، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، عقب لقائه وفداً روسياً في دمشق: “فرنسا كانت منذ البداية رأس الحربة في دعم الإرهاب في سوريا، يدها غارقة في الدماء السورية منذ الأيام الأولى، ولا نرى أنهم غيروا موقفهم بشكل جذري حتى الآن”.
ومنذ إندلاع النزاع في سوريا، أعلنت فرنسا دعمها للمعارضة السورية وطالبت مرات عدة بتنحي “الأسد” عن السلطة، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.
تراجع حدة الموقف..
إثر الإعتداءات التي أستهدفت باريس في 2015، تراجعت حدة الموقف الفرنسي من النظام السوري، بعدما باتت أولوية باريس محاربة التنظيمات الجهادية في العراق وسوريا.
واعتبر “الأسد”، أن الفرنسيين “ليسوا في موقع أو موقف يقيم مؤتمراً يفترض بأنه مؤتمر للسلام”، مشدداً على أن “من يدعم الإرهاب لا يحق له أن يتحدث عن السلام، عدا عن أنه لا يحق لهم أن يتدخلوا في الشأن
السوري أساساً”.
العدو “داعش” وليس “الأسد”..
كان “ماكرون”، قد قال، الثلاثاء 19 كانون أول/ديسمبر 2017، إن عدو فرنسا الأول هو تنظيم “داعش” وليس “الأسد” في سوريا، مشيراً إلى أن “الأسد” وحلفاءه ربحوا الحرب على الأرض، ويجب الحديث إليهم.
مؤكداً على أنه سيتم إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة في سوريا “بحلول منتصف إلى نهاية شباط/فبراير”، منبهاً إلى “وجوب” التباحث مع الرئيس “بشار الأسد” بعد ذلك، كان هذا في مقابلة بثتها قناة (فرانس 2) التليفزيونية الأحد الماضي.
الإنتصار منتصف شباط..
قال “ماكرون”، في المقابلة: “في التاسع من كانون أول/ديسمبر أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الإنتصار على التنظيم، وأعتقد أننا سنربح الحرب في سوريا بحلول منتصف إلى نهاية شباط/فبراير”.
وكان “ماكرون” قد أعلن، قبل بضعة أيام، أن العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة ستتواصل حتى “منتصف إلى نهاية شباط/فبراير” في سوريا، خلال تصريح يتناقض مع تأكيد روسيا أن البلد المذكور “تحرر بالكامل” من الجهاديين.
التباحث مع “الأسد”..
من جهة أخرى، يرى الرئيس الفرنسي، أنه “يجب التباحث” مع “الأسد”، الذي يطالب العديد من المعارضين السوريين بتنحيه.
مضيفاً: أن “بشار هو عدو الشعب السوري، أما عدوي فهو تنظيم الدولة. بشار الأسد سيكون هنا. سيكون هنا أيضاً لأنه محمي من جانب أولئك الذين ربحوا الحرب على الأرض، سواء إيران أم روسيا، من هنا لا يمكن القول إننا لا نريد التحدث إليه أو إلى ممثليه”.
وتابع “ماكرون”: “المطلوب إذاً التحدث إلى بشار ومن يمثلونه”، مشدداً على أن هذا لن يعفي الرئيس السوري، المتهم بإرتكاب تجاوزات عدة، “من أن يحاسب على جرائمه أمام شعبه، أمام القضاء الدولي”.
وقال أيضاً: “في العملية التي تأمل فرنسا في أن تبدأ بداية العام المقبل، سيكون هناك ممثلون لـ(بشار)، لكنني آمل أيضاً، وخصوصاً في أن يكون هناك ممثلون لكل مكونات المعارضة بمن فيهم أولئك الذين غادروا سوريا من أجل أمنهم بسبب بشار وليس بسبب تنظيم الدولة”.
إتهمتها بإرتكاب جرائم جماعية..
كلام “ماكرون” جاء بعد أسبوع واحد فقط من إتهامات فرنسية لسوريا؛ زعمت فيها أن الأخيرة لا تفعل شيئاً من أجل التوصّل لاتفاق سلام بعد نحو 7 أعوام من الحرب، وقالت إنها ترتكب “جرائم جماعية” في منطقة “الغوطة الشرقية”، حيث تفرض القوات الحكومية حصاراً على 400 ألف شخص.
وكان السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة، “غيرار أرو”، قد علق على حسابه الشخصي على موقع التدوين القصير (تويتر)، قائلاً: بأن “نظام الأسد لم يدخل أي مفاوضات منذ بداية الحرب الأهلية.. هم لا يريدون تسوية سياسية بل يريدون القضاء على أعدائهم” – حسب تعبيره.
تستخدم استراتيجية العرقلة في المباحثات..
كان مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية قد أتهم، الجمعة الماضي، دمشق بإنتهاج “استراتيجية العرقلة” في جولة مفاوضات (جنيف)، التي أنتهت الخميس الماضي دون أي تقدم، قائلاً: “نأسف لموقف النظام السوري الذي رفض المشاركة في المحادثات منذ 28 تشرين ثان/نوفمبرالمنصرم”، تاريخ إنطلاق الجولة الأخيرة، التي تغيب الوفد الحكومي عن جزء منها، ورفض الدخول في مفاوضات مباشرة مع وفد المعارضة.
وأسف المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، “ستافان دي ميستورا”، الخميس، لـ”إضاعة فرصة ذهبية”، منتقداً رفض الحكومة السورية التحاور مع المعارضة.
مفاوضي “جنيف” لا يعبرون عن الشعب السوري..
أضاف “الأسد”، رداً على تصريحات “ماكرون”، قائلاً: “في جنيف الأشخاص الذين نفاوضهم لا يعبرون عن الشعب السوري، لا يعبرون ربما حتى عن أنفسهم في بعض الحالات. الجانب الآخر هو أننا في سوتشي وضعنا محاور واضحة لها علاقة بموضوع الدستور وبما يأتي بعد الدستور من انتخابات وغيرها”.
يتودد للرئيس السوري..
إن الدول الكبرى بشكل عام تخضع للأقوى، والأقوى الآن أصبح “الأسد”، لأنه بعد إنتهاء خطر “داعش” وإنسحاب القوات الروسية، واستمرار “الأسد” في مكانه، بعد كل ما كان يقال، أعتقد أن “ماكرون” أصبح يتودد بالفعل للرئيس السوري.
مضيفاً أنه في المرحلة القادمة ستحدث الزيارات المتبادلة هنا وهناك، حيث أن سوريا تريد أن تكون هناك دولة غربية علي الأقل قريبة منها، وإذا تقربت فرنسا ستتقرب ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي الذي يريد أن يلعب دور أهم من الولايات المتحدة الأميركية.
وتوقع “اللاوندي” أن فرنسا تحاول، في المرحلة القادمة، أن يكون لها دور أكبر من كونها دولة في الاتحاد الأوروبي، فمن الممكن أن تكون وسيطاً بشكل أو بآخر.
موقفها لا يؤهلها أن تكون وسيطاً..
فيما قال “ماجد حبو”، عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الوطني الديمقراطي السوري، أن “الموقف الجديد للرئيس الفرنسي لا يجعل بلاده مرشحة لتكون وسيطاً بين الفرقاء السوريين، لأن مبادرة فرنسا تنطلق من كونها تمارس نوع من الغزل السياسي تجاه النظام وحلفاؤه بعد الإنتصارات العسكرية التي حققوها في محاربة الإرهاب”.
وأضاف أن فرنسا إعترفت، على لسان وزير خارجيتها، بوجود 5 ألاف إرهابي؛ من حملة الجنسية الفرنسية، وقد سعت عبر برلمانيين وممثلين للحكومة الفرنسية لبحث هذا الملف، لكن رد الحكومة السورية كان أنها مستعدة للتفاهمات في حال عودة العلاقات الدبلوماسية، لكن الموقف الفرنسي، كما الأوروبي، كان منحازاً لقطع العلاقات الدبلوماسية، ومارس العقوبات على الشعب السوري وليس على النظام، وبالتالي لا يزال الموقع الفرنسي والأوروبي عموماً لا يؤهلهما للعب دور الوسيط، فيما يتعلق بحقوق الشعب السوري”.
تصحيح للدبلوماسية الفرنسية..
من جانبه إعتبر “عبدالقادر عزوز”، مستشار مجلس رئاسة الوزراء في الجمهورية العربية السورية، أن “سلطة الرئيس بشار الأسد هي السلطة الشرعية، وفق العمليات الديمقراطية المتعارف عليها في العام 2014، عندما تم تجديد ومنح هذه الشرعية من جديد”.
ولفت إلى أن “تصريحات ماكرون تأتي في إطار الواقعية السياسية، وعلى ضوء إنجازات الميدان، وأيضاً هي عملية تصحيح وقعت فيها الدبلوماسية الفرنسية، إنطلاقاً من أن الدبلوماسية هي ليست فقط بين الأصدقاء، وإنما بين الخصوم”.
مضيفاً: أن “فرنسا عزلت نفسها عن سوريا والأحداث في المنطقة، إلا من خلال ما يسمى بالمرصد السوري ومواقع التواصل الإجتماعي، لكنها بدأت الآن بمراجعة سياستها، فضلاً عن أن مواقفها تستلزم الكثير من العمل الفعلي والجدي تجاه مواجهة الإرهاب، وضرورة أن تكون فرنسا طرف محايد في إطار دعم العملية السياسية”.
المصدر: موقع كتابات