تحت المجهر
بقلم: موفق الخطاب
من شدة حزني وإحباطي معا فقد أصاب الشلل قلمي ولا أعرف عن ماذا أكتب منذ إندلاع طوفان الأقصى وإنطلاق شرارة حرب القرن في غزة الجريحة !
ففوهات البنادق هي أمضى من صرير الأقلام وبحور الدماء هي أطهر من جميع مداد الكلمات والأحبار.
فهل أكتب عن حجم المآسي والدماء التي تتفجر كالعيون وتجري بلا توقف كالأنهار؟
أم أكتب عن مشاهد القتل العمد للمدنيين العزل وجلهم من الرضع والأطفال والنساء وقد اخترقت اجسادهم الغضة شضايا الحقد وشوت جلودهم الناعمة النار ، وهشمت جماجمهم الصخور والأحجار ؟
أم أكتب عن حجم الدمار الذي حل بغزة العز و جرائم الحرب وغطرسة العدو والإستهتار؟ حيث لم ينج من غدرهم بشر ولا حجر ولا شجر ؟
ام أكتب عن الجوع والعطش وفتك الحصار ؟
أم عن الخذلان وفقدان الشهامة و الغيرة وسبات العرب و تخلف المسلمين و غياب القرار ؟؟
اعلم يقينا أن بعض الأنظمة العربية والإسلامية قد باعت القضية بثمن بخس وبعضها متستر خلفها والآخر متاجر فيها لكني وكغيري ما كنا نتوقع أن يصل بهم الأمر وبعد قرابة دخولنا الأسبوع الثالث من العدوان الصهيوني على غزة المنكوبة وما فتكوا فيها لهذا المستوى من الخنوع والتخاذل و أن يكتفي بني جلدتنا بإصدار ببيانات التأييد و الإستنكار !
وتنظيم مظاهرة هنا والسماح لتجمع هناك ورفع الأعلام وحرق الأخرى و الاناشيد وأقصى مطالبهم السماح لهم بإرسال أحواض ماء وسلات غذاء ولحاف و التوسل بالعدو بمرور قوافل بائسة و وقف الحصار !
أي طعم لخبزكم يا عرب وإخوانكم يحاصرهم الموت في وسط النار؟؟
بينما الطرف الآخر ضارب بعرض الحائط كل القرارات الأممية والمواثيق الدولية وهو مصر على إبادة ما يقارب من مليوني مواطن فلسطيني بإرتكابه لمجازر جماعية بحجة القضاء على أفراد حركة حماس وكتائب القسام وقد حولوا غزة الى محرقة وحشدهم لعشرات الآلاف من القوات النظامية والاحتياطية مسنودة بالمدرعات والمدافع والراجمات ومحمية بالفرقاطات الأمريكية والطائرات ، وإصطفاف أغلب دول الغرب المنافق من خلفهم وهم رهن الإشارة لخوض أي حرب محتملة لحمايته من أي تصعيد و إنفجار ، وما الزيارات المكوكية التي يجريها وزير الخارجية الأمريكي اليهودي الا تهيأة لتلك الحرب الموعودة وإستباق الأحداث وأخذ الضمانات من أنظمة دول الجوار وحثهم على الاتزام بأعلى درجات ضبط النفس ويا للأسف من طرف واحد فقط دون ان يكون لهم رأي وخيار!
وسيزيد مع قابل الأيام الاستفزاز الصهيوني بتحريك ودعم أمريكي وسيتعمد نتنياهو المجرم بإرتكاب المزيد من جرائم الحرب بقصفه حتى المستشفيات كما حصل اليوم وقصف مستشفى المعادي في وسط المدينة وإيقاعه اكثر من خمسائة شهيد في احصائية أولية وكذلك قصفه للمعابر والممرات الآمنة وكل شبر فيها وسيزيد من تضييقه الخناق على المدنيين العزل بحصار ظالم وسيلجأ لا محالة بإستخدامه أسلحة فسفورية و اخرى نوعية محرمة دوليا وكذلك سيحاولون بشتى الطرق سحب الضفة والبقاع وإشعال الحدود مع مصر و لبنان والأردن وقصف مواقع استراتيجية وقواعد إيرانية وتركية وروسية في سوريا ليكتمل السيناريو المعد مسبقا لإعادة تشكيل شرق أوسطي جديد يختلف تماما عما نراه وعشناه !
وكل السيناريوهات مفتوحة ومهيأة لحرب ضروس لا تبقي ولاتذر!
علما أن تحسبهم وتحوطهم بالتأكيد هو ليس من بعض الأنظمة التي همها الوحيد هو التشبث بالسلطة بل هو من هيجان الشارع وتحركات الجيوش التي قد تخرج عن السيطرة و تقلب المعادلة وكذلك من ردة فعل روسيا التي ستجدها فرصة للمنازلة الكبري مع عدوها الأمريكي على اراضينا بعد أن ترنحت في حربها مع أوكرانيا فجاءها المنقذ.
فيما نحن في الجهة المقابلة ما زال البعض منا في شقاق و صراع داخلي بين مؤيد لحماس وخطوتها الاستباقية التي سحقت غطرسة وكبرياء نتنياهو الدموي وبين مناهض لها لما جلبته وستجلبه من ويلات ليس على قطاع غزة فحسب بل على عموم المدن الفلسطينية ودول الجوار وقد غاب عنهم مكر بني صهيون ، وذلك يصب في مصالحهم.
في قابل الأيام سيتولد غليان شعبي في المنطقة ودائما في ظل هكذا ظروف فالشعوب تتقدم وتسبق الأنظمة والحكومات وتضعها في حرج وخاصة تلك التي سبق لها أن أقامت علاقات دبلوماسية والأخرى من دول الممانعة والتي شكلت فيالق ومليشيات وأحزاب تنادي منذ عقود بتحرير المسجد الأقصى فهم اليوم في حالة مزرية لا يحسدون عليها ،فإما أن يكون لهم موقف مناصر ليس قولا ولا شعارات فارغة فحسب بل يجب أن يتحركوا ويثبتوا لشعوبهم والعالم صدق نواياهم ويكون لهم دور مشهود في مناصرة القضية الفلسطينية التي صدعوا رؤوسنا فيها، فالساحة مفتوحة الآن للمنازلة والمغامرة التي قد تطيح بعروشهم إن تهوروا أو يلتزموا الصمت وينكفؤا لينكشف للعالم كذبهم ودجلهم .
ياللعار فغزة وحدها اليوم في الميدان فلا تتوهموا أنها تنزف دما فغزة تتبرع دما لأمة مثخنة بالجراح مسجاة تحتضر.
الحديث يطول ولنا في قابل الأيام بقية.