تتجه الأنظار في إسرائيل إلى الشمال، في انتظار خطاب أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، في الثالثة من عصر هذا اليوم، الجمعة، وسط ترجيحات متفاوتة عمّا سيأتي وسيقوم به، بين الاكتفاء بكلام عال وفعل خطير على الأرض.
في التزامن، تنشغل إسرائيل بالسؤال حول الهدنة التي تطالب بها جهات دولية وعربية، وترفضها إسرائيل حتى الآن، وهي واحدة من مواضيع البحث التي سيطرحها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، الذي وصل، صباح اليوم، مع المسؤولين الإسرائيليين.
رسمياً يواصل المسؤولون والناطقون العسكريون، وعلى رأسهم وزير الأمن يوآف غالانت، والمتحدث بلسان جيش الاحتلال دانئيل هغاري، إرسال رسائل تهديد ووعيد مباشرة وغير مباشرة لـ “حزب الله”، بالقول إن نصف سلاح الجو فقط يشارك في الهجمات على غزة، بينما يستعد النصف الآخر للعمل في الجبهة الشمالية، حيث المقاتلات الحربية محمّلة بالصواريخ وتنتظر التعليمات.
آيلاند: قرار الحرب بيد إيران، التي لا تريد المغامرة بـ “حزب الله”، بعد تدمير قطاع غزة، والقضاء الوشيك على حركة “حماس”
ويرجح مستشار الأمن الإسرائيلي الأسبق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند أن يكتفي حسن نصر الله اليوم بخطاب ناري، ومواصلة الحفاظ على قواعد الاشتباك في الجبهة الشمالية دون الدخول في حرب مع إسرائيل.
في حديث للقناة 12 العبرية، صباح اليوم، علّل آيلاند ترجيحه هذا بالقول إن قرار الحرب بيد إيران، التي لا تريد المغامرة بهذا الذراع العسكري التابع لها، المسمى “حزب الله”، بعد تدمير قطاع غزة، والقضاء الوشيك على حركة حماس”.
كما قال إن “حزب الله” يخشى المغامرة، ويرى أن إسرائيل ستدمر بيروت كما دمرت غزة.
وللتدليل على عدم رغبة إيران و”حزب الله” بدخول حرب مع إسرائيل، أضاف آيلاند: “إن الزيارة العاجلة التي قام بها رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” اسماعيل هنية لطهران، أمس، جاءت لمطالبة طهران بالضغط على “حزب الله” دخول المعركة بقوة، بعدما تمت محاصرة غزة، التي تحتوي على 60% من قدرات وقوات “حماس” و”الجهاد” داخل القطاع”.
ضربة مباغتة قبل الخطاب
لكن الجيش الإسرائيلي، وبعد مباغتة “حماس” الإستراتيجية في “طوفان الأقصى”، لا يستخفّ بالتهديدات، ولا يغامر، فقد بات في ذروة استعداداته في الجبهة الشمالية، كما توضح صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، والتي جاء عنوانها الرئيس معبّراً عن المزاج السائد في كل إسرائيل: “العيون نحو الشمال”. وهكذا في صحيفة “هآرتس”، التي عَنْونَت صدر صفحتها الأولى بـ: “شاشة منفصلة.. قسم للجنوب وقسم للشمال”.
وقال محلل الشؤون العسكرية عاموس هارئيل، اليوم، إن خطاب حسن نصر الله من شأنه أن يغيّر صورة الحرب، وكذلك مستقبل لبنان.
في هذا المضمار، تدعو بعض الأوساط الإسرائيلية إلى انتهاز الفرصة، والمبادرة لحرب في الشمال تحرّر الجليل من تهديدات “حزب الله”. من هذه الأوساط رئيس منتدى المجالس المحلية الحدودية في الشمال، الذي قال إن فيديوهات حسن نصر الله الصامتة، هذا الأسبوع، ينبغي ألا تخيفنا، بالعكس علينا مباغتته، وقتل رأس الحيّة، والإجهاز على حسن نصر الله وزمرته العسكرية”.
في المقابل يحّذر خبراء إسرائيليون، منهم آيلاند نفسه، من مغبة فتح جبهة جديدة في الشمال، داعياً للتركيز في الحرب على غزة الآن، لكنه دعا لاحقاً لمطالبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة بإجبار “حزب الله” على احترام القرار الأممي بعد حرب لبنان الثانية عام 2006، والقاضي ببقاء قوات “حزب الله” خلف نهر الليطاني.
تدعو أوساط إسرائيلية إلى انتهاز الفرصة، والمبادرة لحرب في الشمال تحرّر الجليل من تهديدات “حزب الله”
ويتابع: “بحال رَفَضَ ذلك، علينا أن نسعى، بعد غزة، لأن ندفع “حزب الله” عنوة لشمال الليطاني بكل ثمن، وربما التفكير باستعادة الحزام الأمني جنوب لبنان مجدداً”.
وأوضحت صحيفة “يسرائيل هيوم” أن “الرأي السائد في جهاز الأمن هو أنه لو أن نصر الله أراد الحرب مع إسرائيل، لكان قد دخل إليها. والتقديرات هي أن نصر الله يتخوّف من أن المشاهد في غزة ستتكرر في بيروت، وهو مرتدع من القوات الأمريكية التي وصلت إلى المنطقة.
كما يستدل مما يرد خلف الكلمات ووراء السطور في الإعلام العبري أن إسرائيل ترجّح أن إيران و”حزب الله” يحاذران، وذلك أيضاً بسبب الوجود العسكري الأمريكي الكبير في المنطقة وتهديدات الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لإيران. ومع ذلك لا تستبعد انزلاق الأطراف لحرب إقليمية، حتى وإن لم تكن راغبة بها.
ونقلت “يديعوت أحرونوت” ما ساقته صحيفة “وولستريت جورنال”، أمس، بأن لدى واشنطن معلومات تفيد بأن ميليشيات فاغنر في سوريا من الممكن أن تنقل بطاريات صواريخ دفاعية متطورة لـ “حزب الله” في لبنان، وأن الإدارة الأمريكية تتابع هذا الاتصالات”.
محاصرة غزة
في ما يتعلق بغزة، تمارس أوساط إسرائيلية واسعة الضغوط على حكومة الاحتلال لعدم السماح بهدنة دون إطلاق سراح الأسرى والمخطوفين في التزامن. ويقول آيلاند إن مثل هذه الهدنة مفيدة لكل الأطراف، لكن إسرائيل لن تجني شيئاً منها. ويتابع: “الولايات المتحدة تضغط من أجل وقف مؤقت لإطلاق النار، بسبب الضغوط الدولية الخارجية والداخلية والضغوط العربية، وهكذا دول غربية، باتت تطالب بذلك، في ظل مشاهد الدمار المروّعة الصادرة من قطاع غزة. لكن “حماس” ستستفيد من مثل هذه الهدنة لتلتقط أنفاسها، وتنقل قواتها، وتحتاط لما ينقصها، وهذا خطير”.
جنرال أمريكي يشكّك بجدوى الحرب على غزة
وتبعه رئيس الموساد الأسبق يوسي كوهن، الذي يدعو لحصار مطبق على القطاع، ومنع إدخال الوقود بأي حال. ويرى أن الهدنة ممكنة فقط بحال تخلّلها تبادل أسرى.
عسكرياً يرى محلل الشؤون الأمنية رون بن يشاي أنه، مع قدر من المنجزات والحوادث القاتلة داخل القطاع، يتقدّم الجيش الإسرائيلي، لكنه يدرك أنه موجود في بداية مرحلة مرهقة وطويلة من القتال، منبهاً لوجود مخاطر كبيرة على القوات الإسرائيلية هناك، مع بعض الأمل بالإفراج عن الأسرى والمخطوفين”.
في المقابل، يؤكد زميله المحرر للشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن تفاصيل الحملة البرية في غزة ما زالت غامضة، مثلما هي غامضة أيضاً الطريق لتحقيق أهداف الحرب المعلنة”. هارئيل، الذي يبتعد عن المضامين الدعائية، بخلاف محلّلين إسرائيليين كثر، ينبّه إلى أن المقاومة الفلسطينية ما زالت قادرة على القتال، وعلى إطلاق صواريخ على العمق الإسرائيلي، مثلما حذّر من إمكانية ضربة مباغتة يقوم بها “حزب الله”، قبل خطاب نصر الله المتوقع، اليوم، في محاولة لتخفيف الضغط عن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
إسرائيليون: فيديوهات حسن نصر الله الصامتة ينبغي ألا تخيفنا، بالعكس علينا مباغتته، وقتل رأس الحيّة، والإجهاز عليه
ومن المنتظر أن يشارك بلينكن في اجتماع مجلس الحرب، اليوم، ويبحث عدة مواضيع، منها الهدنة التي تطالب بها أيضاً دول عربية، حيث طالبت واشنطن بالتحرك من أجل وقف للنار في غزة، كي لا تنتقل هذه النار للدول العربية، نظراً لحالة الاحتقان النابع من مشاهد تدمير غزة، كما يؤكد محلل الشؤون العربية في صحيفة “هآرتس” تسفي بارئيل، اليوم، الذي ينبّه من مخاطر اندلاع حرب دينية في الشرق الأوسط، تخشاها الأنظمة العربية، وتقلق أمريكا.
بين هذا وذاك، قال الجنرال الأمريكي ديفيد بيتروس، قائد القوات الأمريكية في العراق سابقاً، والذي تولّى الحرب على “داعش”، إنه يخشى أن المهمة التي ألقيت على الجيش الإسرائيلي في غزة صعبة أكثر من اللازم.
في حديث لملحق “هآرتس”، اليوم، دعا بيتراوس إسرائيل للتعلّم من أخطاء الأمريكيين في العراق، ولانتهاج فلسفة عسكرية مغايرة، تقوم على تقليص الضرر بالمدنيين، وتحاشي المساس بالبنى التحتية، بناء علاقات ثقة مع السكان المحليين، بل تشغيل عناصر إرهاب سابقين في قوات شرطة جديدة. ويتابع، معلّلا قلقه من احتمالات النجاح في الحرب على غزة: “لكن إسرائيل تبدو بعيدة عن كل ذلك”.
ينبّه بارئيل من مخاطر اندلاع حرب دينية في الشرق الأوسط، تخشاها الأنظمة العربية، وتقلق أمريكا
وكشف المعلق السياسي الإسرائيلي ناحوم برنياع، اليوم، أن ضباطاً إسرائيليين يقدّرون بأن الحرب ستطول شهوراً، خاصة إذا أرادت إسرائيل “تطهير القطاع”، مشكّكاً باستعداد بايدن للقبول بأن تطول الحرب لهذا الحد، نظراً للضغوط والحسابات الخارجية والداخلية.
في مقاله المنشور في “يديعوت أحرونوت”، اليوم، يوضح برنياع أن غالانت يؤمن أنه في نهاية الحرب يستطيع القول إنه حقق هدفين من الحرب: لا توجد سلطة لـ “حماس” بعد اليوم في غزة، وقطع الصلات بالكامل بينها وبين إسرائيل، لكنه يبدو متشكّكاً حيال ذلك، كبعض المراقبين المذكورين: “إما أن يحقق غالانت هذين الهدفين، كي لا تعود إسرائيل إلى مرحلة ما قبل السابع من أكتوبر، أو يشرح مَن الذي منعه من القيام بذلك”.
ويتساءل زميلُه المحلل نداف أيال، في مقاله الأسبوعي، هل ترضى “حماس” بالخروج من غزة كما خرجت منظمة التحرير من بيروت بعد حرب لبنان الأولى عام 1982؟ موضحاً أن الفكرة المتداولة لدى أوساط مختلفة في العالم وصلت لطاولة نتنياهو، الذي يبدي اهتماماً كبيراً بها.