بقلم: الدكتور اسماعيل الجنابي
رئيس تحرير وكالة أخبار العرب
لا يخفى على المتابعين للشأن الروسي وطبيعة قواتها العسكرية ان “مجموعة فاغنر” التي تأسست عام ٢٠١٤ من قبل (بريغوجين) الذي يملك سلسلة من المطاعم الشهيرة والتي تقدم الطعام للرؤساء ومنهم الرئيس الروسي بوتين ولهذا لقب ب (طباخ بوتين) حيث تربطه صداقة خاصة به وهي تمثل الوجه الاخر للقوات الروسية من حيث طبيعة تشكيلها ونمط عملها القتالي ومهامها التي تكلف بها خارج روسيا ، وتحديدا مشاركاتها في العديد من الحروب ، سواء في سوريا ومالي والسودان ، حيث يتميز اعضائها بالقتال الشرس الذي يصل الى حد القسوة المفرطة والبطش الشديدين .
حيث يرى البعض ان وجود مجموعة فاغنر يمثل الوجه الاخر للرئيس الروسي السابق غورباتشوف ، من حيث الاجهاز على ماتبقى من الاتحاد السوفياتي الذي اجهز الغرب عليه وفكك بنيانه المرصوص ، الامر الذي غير موازين القوى في العالم ما جعل الولايات المتحدة الامريكية الاحادية القطبية التي تتحكم بالعالم ، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان القوة الثانية الرديفة لقوة امريكا هو حلف الناتو من القوة العسكرية ، لذلك توهمت امريكا وحلفها الغربي ان دور روسيا اصبح ضعيفا وهزيلا كقوة على الارض ، لكن هذا الوهم سرعان ماتبدد عندما جاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الذي استطاع خلال عقد من الزمن ان يعيد لروسيا هيبتها وكرانتها التي تشظت على خرائط العالم بفعل سياسة غورباتشوف وان يجمع شتات الدولة الروسية بعد ان تخلص من اعباء دول القوقاز المضافة اليها بالقوة لا بالاختيار .
لم يكتفي الرئيس بوتين ان يعيد للشعب الروسي هيبته وقوته الاسطورية ، بل تعدى الى ماهو ابعد ليكسر احتكار القوة الاحادية في العالم ويضع روسيا على هرم المنافسة أمام الولايات المتحدة الامريكية ودول حلفها الغربي تحت مسمى ” القطبية الثنائية” في القوة العسكرية والاقتصادية روسيا قوية ومفيدة بل راح ينافس ويعمل على اعادة القطبية ( الثنائية) . وقد تجلت قوة بوتين الامنية والسياسية والاقتصادية في حركة الروبل التي قادها قبل عام ليرفع قيمته وجعلها مطلب (المعشوق) لكل الراجفين من البرد والغاز الروسي.
لقد اثبتت التحليلات الاستخبارية ، ان غورباتشوف الذي فكك الاتحاد السوفياتي انه من اصول (يهودية) وكذلك حول الحال مع قائد مجموعة فاغنر “يفغيني بريغوجين” الذي تمرد على الجيش الروسي مؤخراً لانهاء عظمت روسيا التي اعاد احياء مجدها التليد الرئيس بوتين ، حيث تفيد التحليلات انه من اصول يهودية ايضاَ وهذا مادفع بوتين استخدام مصطلح الخيانه ويقلب مع خليته الامنية ملف (غورباتشوف وبريغوجين) بمنظار التجسس والخيانة .
رغم التركيبة المتشابكة في النسيج المجتمعي بين فاغنر والجيش الروسي ، الا ان مجموع قوات فاغنر التي يبلغ قوامها خمسة وعشرون الف مقاتل ، مقابل تعداد الجيش الروسي الذي يتمتع بالقوة الصاروخية والجوية وتعداد قواته العسكرية بكافة صنوفها والاكثر من ذلك القاعدة الشعبية التي يتمتع بها الرئيس بوتين وحلفه المتين مع الشيشان لايمكن ان توضع في ميزان واحد مع مجموعة فاغنر التي ستكون نهايتها او انصهار وجودها يلوح في الافق رغم الدور الدبلوماسي الذي قاده الرئيس البيلاروسي “الكسندر لوكاشينكو” لوأد الفتنة بالجيش الروسي ، مع يقيننا ان ماقام به بريغوجين هو بايعاز من قبل امريكا والغرب وهذا مايُسيعجل من نهاية ظاهرة فاغنر التي تراجع قائدها بعد اعلانه التوبة ، وستتم عبر تسوية موضوعة عبر بعض الحلول التي سيرسم ملامحها الرئيس بوتين بتغيير بعض قادة الجيش بطريقة تجعل موسكو اكثر قوة وامان من السابق.
ان المؤشرات تؤكد ان طريقة بوتين بعلاج هذه الظواهر تختلف هذه المرة لحراجة المرحلة التي تعتليها حالة الحرب مع الغرب باعتباره (صراع وجودي) ولهذا ستكون عملية (العلاج )هي الاقرب للدهاء السياسي بسبب الظروف الداخلية والخارجية وسياسة الحكمة والمنطق التي يتحلها بها ، وهذا ما سيسقط فرضية الخرق الامني والاستخباري التي يطبل لها الغرب وفضح دسائسها المتمثلة بوعودهم لقائد مجموعة فاغنر بمنحه الجائزة الكبرى (رئاسة روسيا) كبديل لبوتين وانتهاء ملف الحرب التي استنزفت الاقتصاد الغربي من خلال دعمهم للرئيس الاوكراني وبطلها بوتين الذي لم يخسر في نزالاته العسكرية في الشيشان وسوريا ولم يتراجع في تحديات الغاز والنفط والاقتصاد
بغض النظر عن ماجرى من هز للامن الروسي واشاعة الخوف واجواء الحذر ، الا ان قيادة بوتين وحكمته السياسية والامنية ومرونته المحسوبة له ، ستجعله اكثر قوة مما سبق وسيضاف الى سجله الحافل بالانتصارات ، نصراً اخر يعزز من رصيد انتصاراته الاستراتيجية .