للمرة الأولى تخرج إيران عن صمتها وتهاجم الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، بسبب “موقفه المتشدد تجاهها”، وقالت إن باريس ستفقد مصداقيتها الدولية بسرعة إذا “أتبعت بشكل أعمى خطى” الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”.
وتصاعدت التوترات بين إيران وفرنسا خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد أن قال “ماكرون” إنه يتعين على طهران أن تحد من تدخلها فى الشرق الأوسط، مشيراً بالتحديد إلى تدخلها في الحرب الدائرة في سوريا.
التأكيد على الإلتزام بالاتفاق النووي .. مع إنتقاد تجارب الصواريخ “الباليستية”..
كان “ماكرون”، على عكس “ترامب”، قد أكد إلتزام بلاده باتفاق وقعته إيران فى عام 2015 مع قوى عالمية وقلصت بموجبه برنامجها النووى المثير للجدل مقابل رفع أغلب العقوبات المفروضة عليها.
لكنه إنتقد تجارب إيران على الصواريخ “الباليستية”، ويريد طرح إمكانية فرض عقوبات جديدة عليها بسبب برنامجها الصاروخي، الذي تصفه إيران بأنه دفاعي تماماً.
يجب عدم تتبع “ترامب”..
نقلت وكالة (فارس) للأنباء الإيرانية، شبه الرسمية، عن “علي أكبر ولايتي”، كبير مستشاري الزعيم الروحي آية الله “علي خامنئي”، قوله: “لكي تحافظ فرنسا على مصداقيتها الدولية يتعين عليها ألا تتبع بشكل أعمى خطى الأميركيين … الرئيس الفرنسي يتصرف الآن وكأنه كلب ترامب المدلل”.
وأنتقد “ولايتي” كذلك السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، “نيكي هيلي”، التي عرضت الأسبوع الماضي أجزاء قالت إنها من صاروخ إيراني تلقته “حركة الحوثي” المتحالفة مع إيران في اليمن. ووصفت الأجزاء بأنها دليل دامغ على خرق طهران قرارات الأمم المتحدة.
تفتقر لمعلومات علمية..
قائلاً، “ولايتي”: “هذا الزعم يظهر أنها تفتقر لمعلومات علمية أساسية وللياقة. فهي مثل رئيسها (ترامب) فهو أيضاً يقول أشياء سخيفة لا أساس لها من الصحة. إيران لم تزود اليمن بأي صواريخ”.
ونقلت وكالة (تسنيم) الإيرانية للأنباء، عن “رمضان شريف”، المتحدث باسم “الحرس الثوري” الإيراني قوله: إنهم “يعرضون إسطوانة ويقولون إن بصمات إيران تغطيها، في حين يعلم الجميع أن اليمن حصل على بعض القدرات الصاروخية من الاتحاد السوفياتى وكوريا الشمالية في الماضي”.
تأخذ منحى أكثر حذراً..
فرنسا توخت الحذر تجاه تقرير “هيلي”. وقال “الكسندر غورغيني”، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية، يوم الجمعة الماضي: “الأمانة العامة للأمم المتحدة لم تستخلص أي نتائج في هذه المرحلة. فرنسا تواصل فحص المعلومات المتاحة”.
ترحيب سعودي..
من جانبها رحبت السعودية بتقرير “هيلي”. وتتهم الرياض، منذ فترة طويلة، إيران بتهريب صواريخ للحوثيين، وتقول إنها إعترضت بعض هذه الصواريخ في الحرب الدائرة داخل اليمن من أجل إعادة تنصيب الحكومة المعترف بها دولياً.
وتملك إيران أحد أكبر البرامج الصاروخية في الشرق الأوسط، كما أن بعض صواريخها الموجهة يصل مداها إلى إسرائيل.
إسرائيل تطالب بإتخاذ إجراءات عقابية..
طالبت إسرائيل، كذلك، القوى العالمية بإتخاذ إجراءات عقابية ضد إيران بسبب طموحاتها الصاروخية، قائلاً وزير إسرائيلي، الشهر الماضي، إن إسرائيل أجرت اتصالات سرية مع السعودية في ظل قلقهما المشترك من إيران.
وقال “ولايتي”، أمس الأحد 17 كانون أول/ديسمبر 2017، إن الاجتماعات التي وردت أنباء عنها بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين لا تشكل تهديداً لإيران؛ إذ أن كلاهما “ضعيف ولا يشكل أهمية”.
“الحرس الثوري” يهدد..
حذر “الحرس الثوري” الإيراني أوروبا، الشهر الماضي، من أنها إذا هددت طهران فإنها ستزيد من مدى صواريخها إلى أكثر من ألفي كيلومتر.
يجب إنتهاج استراتيجية أقل عدائية..
منذ شهر، نقلت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، عن “ولايتي”، قوله إنه يجب على فرنسا عدم التدخل في برنامج الصواريخ الإيراني، حيث كان الرئيس الفرنسي قد قال إنه يجب أن تنتهج طهران استراتيجية أقل عداء في المنطقة، وأن توضح استراتيجيتها في مجال الصواريخ “الباليستية”.
قائلاً “ولايتي”: “لا يفيد السيد ماكرون وفرنسا التدخل فى قضية الصواريخ والشؤون الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية التي تشعر بحساسية بالغة تجاه هذا الأمر”.
متسائلاً: “ما علاقة السيد ماكرون بهذه المسألة ؟.. بأي صفة يتدخل ؟.. إذا كان يرغب في نمو العلاقات بين إيران وفرنسا فعليه ألا يحاول التدخل في مثل هذه المسائل”.
يدافعون عن برنامجهم الصاروخي..
المسؤولون الإيرانيون قالوا مراراً إن برنامج الصواريخ يخدم أغراضاً دفاعية؛ وإنه ليس موضوعاً للتفاوض، ولم يكن البرنامج جزءاً من الاتفاق النووى، الذي أبرم عام 2015 مع القوى الغربية، والذي وافقت إيران بموجبه على تقييد برنامجها النووي في مقابل رفع بعض العقوبات المفروضة عليها.
لا قبول لتوسعات إيران..
في الثاني عشر من كانون أول/ديسمبر 2017، إنتقد وزير خارجية فرنسا، “جون إيف لو دريان”، طموحات إيران الإقليمية، قائلاً إن باريس لن تقبل توسع طهران إلى البحر المتوسط، وأتهم في الوقت ذاته روسيا لعدم استخدامها نفوذها لدفع محادثات السلام السورية والحد من العنف.
قائلاً “لو دريان”، متحدثاً في مقابلة مع (القناة الثانية) الفرنسية، إن الوقت قد حان لروسيا وطهران أن تعملا مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإنهاء الصراع الدائر في سوريا منذ ستة أعوام.
وقال “لو دريان”: “الوجود الإيراني والرغبة لخلق محور من البحر المتوسط لطهران، (أقول) لا”. وأضاف: “هناك سوريا في حاجة إلى الوجود”.
خلقت محور للنفوذ الإقليمي..
يرى الكثير من القادة العرب إن إيران، بقتالها تنظيم الدولة الإسلامية ودعم الجيش السوري، فإنها تمد سلطتها عبر العراق وسوريا ولبنان خالقة محوراً للنفوذ الإقليمي يمتد من حدود “أفغانستان إلى البحر المتوسط”..
كما أنتقد “لو دريان” ما سماه بـ”رغبة إيران في الهيمنة”، خلال زيارة للسعودية الشهر الماضي، قائلاً إن في سوريا “تحضر إيران ميليشياتها وتدعم حزب الله اللبناني”.
مضيفاً أن “سوريا يجب أن تصبح دولة ذات سيادة مجدداً، وهذا يعني (دولة) مستقلة عن ضغوط ووجود دول أخرى”.
لعب الدور من خلال الواقعية والحياد..
بسبب هذه الإتهامات، أجرى الرئيس الإيراني “حسن روحاني” اتصالاً هاتفياً مع نظيره الفرنسي “ماكرون”، أكد فيه على أن يمكن لفرنسا لعب دور بناء في الشرق الأوسط من خلال إبداء “الواقعية والحياد”، مشدداً على أن إيران “لا تسعى إلى الهيمنة على الشرق الأوسط”.
يبرر تواجدهم في المنطقة..
قال “روحاني”، في اتصاله مع ماكرون، إن “وجودنا في العراق وسوريا تلبية لدعوة حكومتي البلدين من أجل مكافحة الإرهاب (…) وإيران لا تسعى إلى الهيمنة (…) على المنطقة”.
مضيفاً: أن “هدف إيران هو المساعدة في إحلال الأمن والسلام والحيلولة دون تفتيت بلدان المنطقة”، مشيراً إلى “ضرورة مواجهة باقي التنظيمات الإرهابية بعد داعش”.
لافتاً “روحاني” إلى أن “فرنسا، من خلال حفاظها على روحها الإستقلالية والمكانة التي لها في المنطقة، يمكن أن تقوم بدور بناء من خلال إبداء الواقعية والحياد”، وذلك في وقت تحاول فيه باريس تقديم نفسها كوسيط في الأزمات والنزاعات التي تهز الشرق الأوسط.
يدافع عن “حزب الله”..
حول الوضع في لبنان؛ شدد الرئيس الإيراني على أهمية “حزب الله”، الذي تدعمه طهران، بحسب تقرير المحادثة الذي نشرته الرئاسة الإيرانية.
مؤكداً على أن “حزب الله جزء من الشعب اللبناني، وله شعبية كبيرة في هذا البلد، وتسلحه دفاعي ويستخدم ضد أي هجمات محتملة على لبنان”.
ويمر لبنان بأزمة سياسية عميقة، منذ أن أعلن رئيس حكومته “سعد الحريري”، من الرياض، استقالته في 4 تشرين ثان/نوفمبر 2017، مندداً بـ”سيطرة” إيران على لبنان، وعلى “مصير بلدان في المنطقة”، من خلال “حزب الله”.
وتأتي الأزمة اللبنانية على خلفية تصاعد صراع النفوذ في الشرق الأوسط بين إيران والسعودية. وتدعم هاتان الدولتان معسكرين متعارضين في لبنان، حيث تدعم طهران “حزب الله” والرياض تساند معسكر “الحريري”.
تدعيم “الحوثيين” في اليمن..
بشأن الحرب في اليمن، تدعم إيران المتمردين “الحوثيين” وتندد بالغارات اليومية للسعودية وحلفائها على اليمن. وطلب “روحاني” من “ماكرون” السعي لإنهاء “الحصار” الذي تفرضه الرياض على هذا البلد ووقف “الغارات” عليه.
كما أضح الرئيس الإيراني “أن مصدر قلقنا الأساس هو وضع ملايين اليمنيين، الذين هم على وشك الموت بسبب غياب الدواء والمواد الغذائية” بسبب الحصار.
مشيداً “روحاني”، من جهة أخرى، بـ”جهود فرنسا والاتحاد الأوروبي في تعزيز الاتفاق الدولي” حول البرنامج النووي الإيراني لعام 2015، الذي تشكك واشنطن فيه.
موضحاً أن “التطبيق الكامل والصارم لهذا الاتفاق يشكل إختباراً لأشكال أخرى من التعاون في المستوى الدولي. وأن إضافة أو إلغاء أجزاء من هذا الاتفاق سيجعله ينهار
التهديد ليس نووياً..
اعتبر مراقبون تصريحات “لو دريان”؛ تشخص الفرق بين الملف النووي الإيراني والتهديد الإيراني للمنطقة، وتؤكد قناعة جديدة بأن التهديد الحقيقي للمنطقة ليس نووياً.
مضيفين أنه إذا أستوعب الغرب هذا الموضوع، تكون الأمور في مسارها الصحيح.
سوقها خطر على رؤوس الأموال..
مراجع مالية واقتصادية أوروبية قالت أن الشركات الأوروبية الكبرى ما زالت مترددة في الاستثمار داخل السوق الإيرانية؛ على الرغم من المغريات التي تقدمها الدبلوماسية الإيرانية، وأن السوق الإيرانية سيبقى خطراً على رؤوس الأموال الدولية؛ طالما أن إيران في حالة حرب دائمة تمارسها عبر ميليشياتها المنتشرة من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
وتقول المصادر نفسها، إن تطوراً طرأ على موقف باريس والعواصم الأوروبية في هذا الصدد، مفاده ربط التأييد للاتفاق النووي بآلية دولية جديدة لمراقبة البرنامج الصاروخي الإيراني؛ من جهة وبتخلي طهران عن سياساتها العدائية وتدخلاتها في بلدان الشرق الأوسط.
تصاعد إيقاع الدبلوماسية الفرنسية..
لاحظ مراقبون فرنسيون، كذلك، تصاعد إيقاعات الدبلوماسية الفرنسية في الشرق الأوسط، كما وضوح تموضعها الجديد فيما يتعلق بملفات المنطقة، لا سيما في الشأن السوري ما بين موقفي واشنطن وموسكو.
وينقل عن مرجع سياسي فرنسي كبير، أن فرنسا مصرة على بقاء التواصل مع إيران وأن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” يستعد لزيارة طهران العام المقبل.
عملية إعادة تقييم جذرية..
يضيف هذا المرجع أن سلسلة المواقف التي تصدرها الإدارة، سواءً على لسان “ماكرون” أو على لسان وزير خارجيته، هدفها وضع قواعد وشروط لطبيعة العلاقة التي تريدها المجموعة الدولية، لا سيما فرنسا والاتحاد الأوروبي مع إيران.
وتؤكد مصادر أوروبية في بروكسل على أن الموقف الفرنسي الأوروبي الجديد؛ يستند على عملية إعادة تقييم جذرية قامت بها المؤسسات المتخصصة في تحديد السياسة الخارجية للاتحاد، بمساهمة كبرى من قبل المؤسسات الأمنية والعسكرية المعنية بشؤون العلاقة مع الشرق الأوسط.
ضرورة التصدي للحالة الإيرانية..
القراءة الجديدة لوضع المنطقة، ما بعد “داعش”، أكدت على ضرورة التصدي بشكل حازم لـ”الحالة الإيرانية”، من أجل المساهمة في تهدئة الموقف في العراق وسوريا واليمن، بما سيساهم في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي.
ووفق مصادر سياسية، فإن الدبلوماسية الفرنسية ترصد عن كثب سعي إيران للتمسك بأساليبها وأدواتها التقليدية المعروفة، سواءً من خلال حركة الجنرال “قاسم سليماني”، قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، أو من خلال حركة الميليشيات التابعة لإيران، والتي قادت أحد قادتها، “قيس الخزعلي”، زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق” العراقية، إلى جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل، إضافة إلى ما تقوم به طهران من إستغلال لقرار “ترامب” الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وكانت طهران قد عرضت دعم المقاتلين الفلسطينيين، عقب إعلان الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، إعترافها بـ”القدس” عاصمة لإسرائيل.
تخفيف الضغط عن إيران..
مراقبون رأو أن هذا التطور يعني أن سيناريو تخفيف الضغط عن إيران عبر إشعال المواجهات مع إسرائيل عبر غزة مرشح للتكرار.
لكن مراقبين للشؤون الإيرانية اعتبروا أن تصاعد مواقف طهران في هذا الصدد؛ تعود إلى إدراك إيران لجدية الموقف الدولي الشامل ضد إيران، وأن قادة النظام الإيراني يسعون للهروب إلى الأمام للمحافظة على مواقعهم في العراق وسوريا ولبنان، كما دعمهم الكامل لجماعة “الحوثيين” في اليمن.
المصدر: موقع كتابات