الميليشيات الثقافية .. خطرا على الوطن
المثقف ٠٠ من هو ٠٠ وما الدور الذي يجب عليه القيام به تجاه أمته وقضاياها؟ ولماذا يتراجع المثقف عن قناعاته في وقت يشتد به الصراع من اجل بقاء الوطن متماسكا ٠٠؟ هل المثقف هو ذلك الشخص الذي يتعامل مع الكلمات وينمق الحروف، ويبدع في صياغة الجمل، أم إنه الحامل للقيم والأخلاق والفاعل في محيطه ووسطه الاجتماعي بعيداً عن التعصب والتحزب الأعمى؟ أم إنه ذلك المناضل المكافح المشتغل على الوعي المجتمعي المنضبط بمصلحة الأمة والوطن. يرى إدوارد سعيد أن المثقف: هو من يعمل على التمسك بالقيم العليا، كالعدالة والحرية والانحياز إلى الفقراء والاستقلال التام عن السلطة السياسية؛ لأن الارتباط بأحد أطراف. السلطة السياسية أو الدينية أو القبلية، هو بمنزلة القيود التي تحد من التفكير وتوجه مسار أفكار المثقف. بمعنى أن المثقف يجب عليه أن ينأى بنفسه عن مفاسد السياسة والمصالح الشخصية، وأن يكون في صف المظلومين والمقهورين من أبناء الشعب ؛ وهو الذي يعمل على مقارعة الاستبداد أياً كان لونه أو نوعه، أما إذا التفت المثقف إلى نفسه وكرس جهوده وثقافته في سبيل مصالحه الشخصية أو في سبيل خدمة الحاكم السياسي أو أي حزب أو حركة أو جماعة فهو مثقف انتهازي، وفاقد للأهلية والثقة. ومن ثم لا يمكن بأي حال من الأحوال الاطمئنان إليه. بل إنه يصبح مدعاة للسخرية والتهكم من فئات الشعب .فالمثقف الحقيقي هو الذي يجسد ضمير الإنسان، الذي يوقظ فيه الوعي، ويبشر المجتمع بالحقيقة، وهو ما أطلق عليه اصطلاح «المثقف الشمولي» حامل رسالة التغيير.. وإذا كانت هذه هي بعض أركان الثقافة والمثقف ، إلا أن الواقع الذي شهده العراق منذ الاحتلال البغيض عام 2003 مخالف لهذا تماماً، فالكثير من الأسماء الثقافية التي كانت تحتل المشهد الثقافي في الوطن ، تحولوا الى مجرد اسماء انتهازية ،، تجامل القوات المحتلة وتخدم مصالحها او تبحث لها عن دور في ظل حكومات مابعد الاحتلال تبحث عن نفسها وعن مكتسباتها الشخصية ، متخلية عن دورها التنويري والمعرفي المفترض ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تمكن العدو منا ثقافياً ومعرفياً، . ، بعيداً عن التأسيس لفعل ثقافي بناء وعمل نهضوي مؤثر. قادر على تحصين المجتمع وتنمية قدرة المقاومة لديه على مواجهة ثقافة الاستهلاك والتناحر. التي يغرسها الاحتلال باعتبارها احد اهم أهدافه لتدمير مجتمعنا . وحرمانه من القدرة على الشروع في التأسيس للفعل الوطني الثقافي المضاد . ولذا فالمثقف العراقي اليوم مطالب ولأسباب عديدة بتخطي حالة الانفعال إلى الفعل وهو ما من شأنه أن يؤهله نفسياً وعقلياً وثقافياً لممارسة دور أكثر إيجابية لمصلحة شعبه ووطنه وأمته. .. بل والإنسانية بأسرها . والمثقف الحقيقي والفاعل في محيطه هو من يتجاوز كل القيود الواعية وغير الواعية على فعاليته الفكرية حتى يتمكن من ممارسة دوره الإبداعي، فالإبداع انتقال المثقف من حالة الانفعال واللهاث الفوضوي على المنجز الثقافي والمعرفي إلى الفعل والمشاركة في الإنتاج الثقافي الإنساني الذي يقدس القيم الوطنية ويدافع عن الانسان في طموحه من احل حياة اجتماعية واقتصادية أفضل وفي أطار وطن حر ومستقل ومتعاف من الأمراض الطائفية والعشائرية وتلك المرتبطة بالجمود والتعصب المذهبي ٠. فلنعمل على التخلص من المثقف الانتهازي، الذي يدعي حراسة المبادئ والقيم، التي يراها متحولة دوماً حسب مصالحه، ذلك أن المثقف الانتهازي من أخطر الامراض على مجتمعنا الذي يعاني تراجعاً مأساوياً في قيمه. الاخلاقيه لكونه يعمل على تزييف الحقائق وتغييب الوعي الثقافي لدى المجتمع، فالمثقفون الانتهازيون يستغلون مستوى ثقافة المجتمع بأساليبهم وأطروحاتهم المتعددة والمغرقة في النرجسية والأنانية لتسويق أنفسهم على حساب القضايا الوطنية الكبرى والمصيرية، وعندما نسبر أعماقهم نجدها سطحية وغير موضوعية وغارقة في المواقف الانتهازية ، لا تجد فيها سوى كلمات أو عبارات منمقة لدغدغة مشاعر المجتمع، وتجميل الفكرة، أو الأفكار، التي يريدون زرعها في عقول الناس، وغايتهم في ذلك غاية تجارية ووصولية بحتة، فهؤلاء المثقفون الانتهازيون يمارسون ثقافتهم في إطار المقولة القائلة: الغاية تبرر الوسيلة. وهم بذلك يشكلون خطراً على مستقبل العمل الوطني الجماهيري الذي يهدف الى مواجهة كل أشكال التخلف الاجتماعي التي كرستها ممارسات قوات الاحتلال ،، عبر تخريب القيم الاجتماعية الأصيلة لشعبنا ومن ثم فهم يغلبون مصالحهم ومنافعهم المادية الشخصية على حساب مصلحة المجتمع، ولا يهتمون للمشهد الثقافي والمعرفي وإن هوى إلى قاع الحضيض ، لأنهم هم من يقتل المثقف الحقيقي والوطني، وهم من يؤسس للميليشيات الثقافية التي من شأنها أن تدمر الثقافة والفكر والفعل الحضاري المؤثر في مجتمعهم. شأنها شأن الجماعات المسلحة الإرهابية الاخرى آلت تعبث بأمن الوطن والمجتمع في. آن ٠٠إننا بأمس الحاجة لتأسيس حركة ثقافية وطنية الأسس والاهداف ، للتحرر من العادات والتقاليد المتخلفة التي تعيق التطور الثقافي الوطني ، الذي نعتقد انه الضمانة الاقوى والأكثر نجاعة في مواجهة اخطار التشرذم والتقسيم الذي. يغلف بالكثير من الشعارات الخادعة والكاذبة وهذا الجهد الثقافي الوطني لابد أن يعتمد التنوير الثقافي، الهادف إلى إحداث انقلاب في نمط التفكير السائد وفي نمط الفعل الثقافي، ليتم العمل لاحقاً على تغيير المجتمع على أسس عقلانية، أسس من شأنها أن تحدث تغييراً في سلوك الإنسان العراقي والارتقاء به الى مستوى المنجزات الثقافية الانسانية الكبرى التي حققها المجتمع عبر تراكم العقود ٠٠ واعتقد أنه ، من خلال نشر العلم والمعرفة، ممكن ان يتجاوز مجتمعنا انقساماته التي يحاول الانتهازيين من المثقفين تعميقها والتعامل معها على كونها ثوابت وحقائق ملموسة ٠٠٠ ان قدرة مثقفينا على بناء وتأسيس الأفق المعرفي والثقافي الجديد وتوسيع مدياته ٠٠ ، ان ذلك المشروع الثقافي الوطني سيكون مؤهلا فيما اذا ،، أجدنا بناءه على اساس الولاء للوطن والإنسان كهدف ليضع حداً نهائياً. لسياسة المحاور والتكتلات التي تروج لمفاهيم. وممارسات النبذ والإقصاء والإنكار والاتهامات الرخيصة والسطحية. التي خيمت على الساحة الثقافية العراقية. منذ الاحتلال ولغاية الان ٠٠ والتي كان من نتيجتها ٠٠ حرمان المئات من الطاقات الإبداعية الوطنية من ممارسة دورها المهم في تغذية الحس الوطني وتعزيز ثقافة الانتماء للهوية الوطنية .