بحسب احصائيات الامم المتحدة فأن اعداد النازحين والمهاجرين سجلت في العام 2015 حوالي 65. 3 مليون شخص، ويقول تقرير الإحصاء السنوي للمفوضية بأنه للمرة الأولى يتجاوز عدد اللاجئين والنازحين في العالم 60 مليون شخص، بما يعادل عدد سكان بريطانيا، وان 50 بالمئة من هذه الاعداد سجلت في العام الاخير وهذه مسالة جديرة بالاهتمام. وحين تتحدث مؤسسات الامم المتحدة الى هذه الارقام فأن ذلك يؤكد انعكاسا حقيقيا لمدى تعرض المدنيين الى الاضطهاد والعنف والخوف، دفعتهم بالنهاية للبحث عن الهجرة والنزوح وركوب موجات البحار والمحيطات بحثا عن الامان او بالاحرى اختيار المجازفة بالحياة سبيلا للخلاص من النزاعات المسلحة والعنف الذي يعانون وطاتها في بلدانهم.
واعتبرت الحروب والنزاعات ابرز عوامل الضغوط التي واجهها المدنيون في القرن الحادي والعشرين وتحديدا في مناطق تسمى “بؤرة النزاع” في العراق وسوريا واليمن وليبيا فضلا عن دول اخرى منها افغانستان، وتصنف الامم المتحدة الهاجرين بانهم الاشخاص الذين تركوا بلدانهم واختاروا بلدان تتمتع بالامان وفرص العيش، وغالبا ما تكون بلدان اورويا والعالم المتقدم هي المقصد الاساس للمهاجرين، بينما النازحين فانهم الاشخاص الذين تركوا منازلهم ومناطق سكناهم الى مناطق اخرى تتمتع بالامان.
وامام هذه الحقائق والبيانات المذهلة فأن مأساة النازحين في مناطق النزاع بالانبار والفلوجة هذه الايام تشكل حالة خارج أوصاف وتقديرات الامم المتحدة من حيث وطأة المعاناة والهروب من رصاص بنادق المتحاربين التي تطاردهم لتقتل بعضهم وتخرجهم من قضية النزوح والهجرة الى سجل الموتى، لأن النزاع المسلح بعد تمدد تنظيم داعش الارهابي منذ مطلع 2014 في عدد من المدن العراقية واقتطاعه مساحات واسعة من مناطق غرب البلاد التي مزقتها آلة الحرب منذ الغزو والاحتلال الاميركي للبلاد مطلع 2003، شكل استهدافا مباشرا لحياة المدنيين، وبالدليل فانه في هذه الايام تموت اطفال ونساء وكبار سن جراء انعدام احتياجات الطعام والدواء ومستلزمات الحياة الضرورية ويسبقها الخوف والهلع كما حصل في اكبر عملية نزوح حاليا باتجاه عامرية الفلوجة بالانبار، ودون ان يكون للحكومة العراقية استحضارات اغاثية مسبقة في ما يتعلق ببناء المخيمات او توفير الخدمات اللازمة التي يعانيها النازحون بعد أن احتجزهم وحاصرهم تنظيم داعش الارهابي بالفلوجة منذ مطلع 2014. وقساوة الحياة على المدنيين النازحين هذه الايام حادة للغاية لان الكثير من العائلات تعيش على الرمال دون وجود خيمة تقيهم حر الصيف البالغة 46 درجة مئوية بغياب الخدمات التغذوية والرعاية الصحية.
و العالم اذ يدخل عصر الحداثة والتطور والتركيز على ادبيات حقوق الانسان فانه في زاوية اخرى يسجل واقعا مؤلما وتراجعا مخجلا بحقوق الانسان واختلالا مكشوفا بقضايا العدالة وانصاف الانسان المدني في مناطق محددة من العالم، وتحديدا في اشكالية ما يعانيه النازحون من سكان الفلوجة والانبار والموصل وديالى وصلاح الدين وغيرها، تلك المناطق التي أفرزت واقعا مترديا يعيشه سكانها المدنيون جراء الحروب والنزاعات وممارسات الاضطهاد. وفي الموصل لوحدها يتجاوز عدد النازحين اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون، ربع هذا العدد يصنف في عداد المهاجرين في مختلف بلدان العالم الخارجي وما تبقى في عداد النازحين، في حين تشكل نسبة النزوح لعامي 2014 و 2015 في الانبار ما يقرب من مليوني نسمة غالبيتهم نازحين الى مناطق مختلفة من البلاد وجلهم في محافظات اقليم كردستان العراق والبعض الاخر هاجر الى بلدان اوروبا. لكن تبقى لقضية نازحي الفلوجة سمة خاصة من المعاناة لا يمكن ان تتكرر او تبلغ خطورتها معاناة نزوح سابقة. الا يشكل ذلك سمة سلبية لعصر التطور والحقوق الانسانية التي تطالب بها بلدان العالم المتقدم؟.