الجار الغربي للجمهورية الإيرانية هو سوق كبير وثري، لكن للأسف لا تُرى إرادة أو على الأقل جهود كافية للتمهيد وتهيئة الإمكانيات الوطنية للمشاركة الإيرانية القوية في هذا السوق. والعراق بصدد بدء مرحلة جديدة من تاريخه، تمتاز بالتعمير وإعادة الإعمار بعد القضاء على “داعش”.
فرص إعمار العراق..
يقدر المسؤولون العراقيون أن تكلفة الإعمار للموصل فقط، تتطلب 100 مليار دولار. والتقديرات الأولية الصادرة عن الأمم المتحدة يحتاج قرابة 400 ألف منزل بالمدينة إلى إعمار. وبخلاف عمليات التدمير التي نفذها “داعش”، فقد أورث “نظام البعث” على مدى ثلاثة عقود، والعقوبات الغربية العراقيين، الكثير من التدمير والتخلف وإعمارها يتطلب سنوات ومئات المليارات.
فيما تقيم بعض المصادر إنقاذ العراق من التخلف والدمار بمبلغ 800 مليار دولار، وأن السوق العراق في حاجة ماسة لكل شيء خلال السنوات الخمس المقبلة. وهو ما يجعل العراق سوقاً يبعث على جذب وطمأنينة المستثمرين الأجانب. والعراق من الدول الخمس المصدرة للنفط حول العالم. وكما يقول المراقبون، تمثل هذه المصادر ثروات محتملة ذات قابلية للتحول بسهولة إلى عملات، لا سيما بعد إلغاء العقوبات الأوروبية.
وللتدليل على ثروات العراق المحتملة، يقول “سيد جلال آل مناف”، المدير التنفيذي لمجموعة “الرافدين”، (شركة عراقية دولية لها مكتب بطهران)، في حوار مع صحيفة (الشباب) الإيرانية، التابعة للحرس الثوري: “ينتج العراق يومياً حوالي 5 مليون برميل نفط؛ تُقسم على 34 مليون نسمة. بينما إنتاج النفط في إيران يقارب 2 مليون برميل يومياً، يتم تخصيص بعضها للإستهلاك المحلي وتُقسم عوائد الجزء المتبقي بين 80 مليون نسمة. وعليه أرى أن العوائد السنوية من النفط بالنسبة للمواطن العراقي أكبر بكثير بالمقارنة مع المواطن الإيراني. لكن لدينا دولة جارة غنية بالأموال وتحتاج إلى السلع والخدمات. وهذه قدرات هائلة تتيح للشركات الإيرانية عرض سلعها وخدماتها بالسوق العراقية والمشاركة الجادة على صعيد إعمار وتحسين هذا البلد”.
وإستناداً للإحصائيات؛ فقد نما حجم التعاملات التجارية بين إيران والعراق بعد سقوط “صدام”. وبلغ حجم التبادل بين البلدين، قبل العام 2006، حوالي 800 مليون دولار، لكن وبعد تأسيس لجنة تنمية العلاقات في العام 2006، نما حجم التبادل التجاري العراقي الإيراني بشكل جيد وبلغ حتى العام 2010، (5.4) مليار دولار ووصل إلى 7 مليار دولار في العام 2014، قبل أن يتراجع إلى 4 مليار بعد هجوم “داعش”. والآن وفي مرحلة ما بعد “داعش”؛ وإنطلاق عملية الإعمار بالعراق حققت العلاقات الاقتصادية تطوراً ملحوظاً. ومن المتوقع أن يصل حجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين خلال السنوات الخمس المقبلة إلى حوالي 20 مليار دولار.
حدود بطول 1400 كيلومتر..
تبدو مؤشرات العلاقات التجارية بين طهران وبغداد جيدة للوهلة الأولى. وإستناداً للإحصائيات الرسمية العراقية، تحتل إيران المرتبة الثانية، بعد الصين، باعتبارها شريك تجاري للعراق، لكن الاقتصاديون في إيران لا يقبلون بالوضع الراهن مطلقاً بالنظر إلى المزايا الجغرافية والأمنية والسياسية والثقافية والاجتماعية في العلاقات مع العراق، وكذلك الإمكانيات الاقتصادية الإيرانية.
وحتى لو ننحي الدور الإيراني في مساعدة العراق للقضاء على “داعش”، فالمزايا الجغرافية والثقافية كفيلة لنعلم أسباب الإستياء من حجم التبادل الفعلي بين البلدين. حيث يشترك البلدان في حدود بطول 1400 كيلومتر، وثمة العديد من المعابر على إمتداد الحدود.
كذلك العلاقات الثقافية بين إيران والعراق بكل ما تحمله من سياق المشتركات المذهبية، وهذه المسألة كانت سبباً في تبادل الزيارات بين البلدين بطاقة 2 مليون شخص سنوياً. من جهة أخرى فإن نظرة إلى بعض القدارات والإمكانيات المحلية تعكس أن الأوضاع ليست فقط مرضية وإنما مقلقة. إذ يوجد بالفعل 25 مليار دولار سنوياً عوائد تصدير خدمات فنية وهندسية، أي الهياكل والسيارات والقوى البشرية والدعم المالي. لكن نصيب إيران من سوق 500 مليار، هي قيمة إعمار العراق، لا يتعدى مبلغ المليار دولار، في حين حققت شركات البناء التركية مكاسب بمبلغ 30 مليار دولار من السوق العراقي. كذلك تتمتع إيران بخبرات كبيرة في قطاع المياه والطاقة وبناء الطرق والسدود. يقول “آل مناف”: “يستخدم القطاع الخاص في أفضل الحالات 20% من إمكانياته في السوق العراقية”.
أم الموانع..
توجد أسباب كثيرة تعوق إيران عن الإستفادة من الحد الأقصى لقدراتها في السوق العراقية، منها التحديات الحقيقة التي تواجهها الشركات الإيرانية في قطاعات النقل وإستصدار التأشيرات، والحمارك وغير ذلك. ومع هذا يبدو أن المزايا والإمكانيات في العلاقات مع العراق أكبر من العقبات. ويعتقد “آل مناف” في سهولة تحقيق توقعات بقيمة 20 مليار دولار.
وأكد مسؤول عراقي، رفض الكشف عن هويته: “أن زيادة حجم التبادل بين إيران والعراق إلى أكثر من 45 مليار دولار، لا يمكن أن يكون هدفاً صعباً، خاصة مع المزايا الاستثنائية والفرص التاريخية”.