بقلم: الدكتور اسماعيل الجنابي
تبنى قواعد التحليل السياسي الحديث على عوامل رئيسية ، ابرزها ( من ، ماذا ، لماذا ، السبب ، النتائج ، التوقعات ) وهذا ما دفعني الى اظهار مبدأ سياسة الاضداد التي ذهبت فرضية الفريق الأول فيها إلى تبني فكرة ، أن كتائب حماس قد وقعت في فخ الاستدراج الذي نصب لها بدخولها مستنقع الجيب المهلك بمعركة (طوفان الأقصى) الذي اعد لها من قبل حليفتها “ايران” التي تتخندق معها ضمن محور المقاومة بالاتفاق مع الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني ، وذلك لافراغ فلسطين من شعبها وتحديداً اهل قطاع غزة ونقلهم الى ارض بديلة خارج فلسطين ، بغية طمس هويتهم وكل ما يمت بصلة لتاريخهم وحضارتهم وتراثهم الوجودي العقائدي ومن ثم يسهل على أمريكا ومدللتها الاجهاز على عناصر المقاومة وتصفيتهم بطريقة ممنهجة تسهل عليهم القضاء على العقول الرئيسية المتحكمة بكتائب المقاومة الإسلامية
وقد استند أصحاب هذه الفرضية في تحليلهم إلى جملة من العوامل التي يعتبرونها تصب في قلب الاحداث الجارية حالياً ، اضاف لكونها اكثر واقعية ، من حيث ترابط الاحداث التي تجري الان على ارض المعركة ، خصوصاً فيما يتعلق بوحشية وبربرية الالية العسكرية المفرطة التي استخدمتها إسرائيل تجاه أبناء قطاع غزة ممن فقدوا فلذات اكبادهم أمام مرأى اعينهم وصمت مطبق وخجول للمجتمع الدولي ، الذي اكتفى بذرف دموع التماسيح على مجازر الإسرائيليين تجاه المدنيين العزل وهذا ما تجلى بردة الفعل العنيفة المجردة من قواعد الحرب الاخلاقية ، والإمعان والوحشية في استخدام القوة المفرطة ضد قطاع غزة، التي راح ضحيتها اكثر من عشرة الآف من المدنيين الأبرياء لحد الان ، جلهم من الاطفال والنساء وتدمير منازلهم وقطع مستلزمات الحياة عنهم ، ناهيك عن مخططهم الاجرامي بايجاد أرض بديلة لهم في “سيناء والاردن” التي بارك وطبل لها اعداء الانسانية في الدول الغربية التي سخرت كل امكانياتها المادية والعسكرية لانجاح خططهم المشبوهة ، بذريعة اكذوبة قطع الرؤوس التي اثارها الاعلام الغربي في بادئ الأمر ومن ثم تنصل عنها بمصطلح الشكوك وهذه المسرحية تعيد للاذهان مسرحية ” الطفلة نيرة” ابان دخول القوات العراقية الى الكويت التي ظهر زيفها فيما بعد.
واضاف اصحاب الفرضية الاولى التخاذل الايراني ونكوصهم عن وعودهم وعهودهم، وتخليهم عن نصرة (حلفائهم) في غزة، وتركهم وحدين يجابهون الآلة العسكرية الصهيوأمريكية بعدما كانوا يجعجعون بتهديدهم دون ان يرونا طحيناً وقد تمثل هذا العمل من خلال خطاب زعيم حزب الله اللبناني الاخير الذي اكتفى بالترحم على الشهداء والدفاع عن ايران وتبرئة ساحتها من عملية “طوفان الاقصى” وهذا يؤكد بما لا يقبل الشك ، ان ايران لا تريد المواجهة العسكرية مع اسرائيل وامريكا لجملة اسباب ، ابرزها:
- المزيد من التصريحات الساخنة ضد أمريكا والكيان الإسرائيلي، والتحذير من القوة الإيرانية الضاربة المترقبة.
- تحريك أذرعها في لبنان واليمن والعراق وسوريا، لشن هجمات على الأراضي المحتلة في فلسطين وعلى المصالح الأمريكية خارجها، والأبرز في ذلك دور حزب الله اللبناني، الذي يوجه بعض الضربات داخل حدود الأراضي المحتلة، إلا أن ضربات حزب الله والحوثي في اليمن والأذرع الإيرانية كافة، لا ترقى لأن تكون في مستوى درجة حرب، مما عرضها للانتقاد
- النأي بنفسها عن الحرب، من خلال التصريحات الإيرانية بأن إيران ليست طرفا في الحرب، ولن تتدخل إلا حال استهداف إيران، ويدعمها في ذلك أنها يمكنها التبرؤ من هجمات الأذرع بسهولة.
- ان ايران تعاني من مشاكل اقتصادية ضخمة وحكومتها تواجه معارضة شرسة ، اضافة الى اموالها المجمدة في الخارج.
- من المستبعد ان تدخل ايران في هذا الصراع كون دخولها يفقدها نفوذها في المنطقة ويجعلها خارج المعادلة الاقليمية وهذا ما تخشاه.
اما اصحاب الفرضية الثانية:
اكدوا ان معركة طوفان الأقصى التي شنتها حماس يوم 7 تشرين الأول؛ في فارقًا كبيرًا من حيث طبيعة المعركة واستراتيجيتها؛ فمعركة الطوفان شكلت هذه المرة (تهديدًا وجوديًا لكيان الدولة العبرية) وليس تهديدًا لأمنها كما كان في المعارك السابقة. ، وان حماس قامت بنقل المعركة داخل عمق العدو، وداهمت مستوطناته، واستطاعت أن تخترق كل دفاعاته وتحصيناته، التي بناها وعززها بكل وسائل الرصد والاستمكان؛ فكانت معركة واسعة سُحقت فيها قوات العدو ومرغت سمعة جيشه الذي لا يقهر بوحل الهزيمة وكبدته خسائر بالأرواح والمعدات لم يسبق أن مُنيَ بها سابقًا في معاركه مع فصائل المقاومة.
فمن الطبيعي أن تكون ردة فعل هذا العدو المجروحة كرامته أشد عنفًا وفتكًا ووحشيةً، وهو يشاهد جنوده يُجرون كالخراف، وهو الأمر الذي يفسر هذا الإمعان والوحشية في الانتقام من المدنيين في غزة ولا يعتقدون ، أن طبيعة هذا الرد العنيف قد غابت عن حسابات قادة حماس العسكريين، وهم يخططون لمثل هذا الهجوم الكبير، وهم الأخبر والأعلم بعقيدة العدو العسكرية المستمدة من تعاليم عقائدهم التلمودية المبنية على الحقد والكراهية للعرب المسلمين، وهو ما جسده العدو سابقًا على واقع الأرض في المواجهات السابقة التي راح ضحيتها آلاف المدنيين من أهل غزة.
أما بالنسبة للدعم السياسي والعسكري الأمريكي والأوربي اللا محدود لكيان العدو؛ فهو أمر غير مستغرب؛ بل هو أمر طبيعي يعرفه القاصي والداني، وفصائل المقاومة الفلسطينية أعرف وأدرى من غيرها بهذا الدعم؛ فهذه الدول هي التي أنشأت هذا الكيان، والراعية له والداعمة لوجوده في كل حروبه ومعاركه باعتباره الحليف الأقرب إليهم؛ بل تعتبر (إسرائيل) جزءًا من الولايات المتحدة الأمريكية -بحسب ما يصرح به بعض المسؤولين الأمريكان على الملأ جهارًا نهارًا ويفتخرون بأعتبار أنفسهم صهاينة- وهو عين ما جاء على لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (بايدن) قبل أن يكون رئيسًا.
إن هذا الدعم السياسي والعسكري يوفر للعدو التفوق بالتأكيد؛ لكنه لا يحقق لها الاستقرار والأمان، ولا يستطيع أن ينزع أو يستأصل روح المقاومة لدى الفلسطينيين، ولا يفت في عضدهم في سعيهم لاسترداد حقوقهم.
الخاتمة
ان نظرية المؤامرة التي اعتقد بها البعض أو لم يعتقد؛ يؤكد ، إن الشعب الفلسطيني الذي يوارئ جثامين شهداءه بالزغاريد والثبات على المبادئ واحقيتهم المشروعة لترابهم التي يقفون بصلابة على ارضها ، انهم شعب الجبارين الذي لا يقهر مهما بلغت شراسة العدو وانهم مؤمنين في نهاية المطاف ، ان الله على نصرهم لقدير ، وان حماس فصيل مقاوم وليست جمعية خيرية أو نقابة مهنية؛ وغايتها هي الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وتحرير أرضه ومقدساته بأي وسيلة من الوسائل الممكنة بحسب أيدلوجيتها الفكرية التي تبنتها منذ انطلاقها، وهي تحضى بدعم وتأييد شعبي واسع من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والمسلمة.