في محاولة جديدة لإثارة ملف “حلايب وشلاتين”، أخطرت الحكومة السودانية الأمم المتحدة، رسمياً، بأنها ترفض اتفاقية تعيين الحدود بين مصر والسعودية، التي وقعت عام 2016، وذلك لأنها اعتبرت “مثلث حلايب” المتنازع عليه مع السودان تابعاً لمصر.
إعتراض على اتفاقية “تيران وصنافير”..
موقع (سودان تربيون)؛ نقل عن خطاب لوزارة الخارجية، مؤرخ في 5 كانون أول/ديسمبر الجاري، قوله: “إن حكومة السودان تعلن إعتراضها ورفضها لما يعرف باتفاقية تعيين الحدود البحرية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، والموقعة في الثامن من نيسان/إبريل 2016”.
مشدداً، خطاب الخارجية السودانية، على أن الخرطوم تعترض “على الاتفاقية وتؤكد كامل رفضها عما ورد فيها من تعيين للحدود البحرية المصرية، بما يشمل إحداثيات لنقاط بحرية تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الحدود البحرية مثلث حلايب السوداني”.
كما أشار، الخطاب الرسمي السوداني، إلى أنه “بناء على ما قرره القانون الدولي، لاسيما اتفاقية فيينا للمعاهدات للعام 1969، فإن جمهورية السودان تؤكد عدم إعترافها بأي أثر قانوني ينتج عن اتفاق المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر الخاص؛ بتعيين الحدود البحرية بينهما على البحر الأحمر، بما يمس سيادة جمهورية السودان وحقوقها التاريخية على الحدود البرية والبحرية لمثلث حلايب”.
تهنئة بإستعادة الجزيرتين..
لفت الموقع الإخباري إلى أن وزير الخارجية السوداني، “إبراهيم غندور”، كان قد هنأ، في 14 نيسان/إبريل 2016، “نظيره السعودي عادل الجبير خلال لقاء بالعاصمة التركية إسطنبول بالاتفاقيات، التي وقعت مع مصر، والتي تم بموجبها إستعادة جزيرتي تيران وصنافير للمملكة السعودية، وعبر عن تمنياته للبلدين بالتطور والنماء”.
موضحاً، المصدر، أن “غندور” عاد بعد أيام من هذا اللقاء “وخاطب الجبير ونظيره المصري في رسالتين منفصلتين، مطالباً بتزويده بنسخة من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية”.
وكان قد ورد في نص رسالة رئيس الدبلوماسية السودانية، المؤرخة في 21 نيسان/إبريل 2016، والموجهة إلى وزير الخارجية السعودي، “عادل الجبير”، أنه “في إطار التواصل الإيجابي بين البلدين ﺍﻟﺸﻘﻴقين في ﺍلمجاﻻﺕ المختلفة، وفي ضوء ﺍﻻﺗﻔﺎﻕ الذي تم مؤخراً بين بلدكم الشقيق وجمهورية مصر العربية بشأن تحديد الحدود البحرية وعودة جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، ﻭلما لذلك الاتفاق من إرتباط بمثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد السوداني وإقليمه البحري، أرجو شاكراً وفي إطار روح التعاون والتنسيق القائم بيننا موافاتنا بنص الاتفاق”.
اتصالات مع الرياض..
كما أكد “غندور”، في مقابلة تليفزيونية، مؤخراً على أن الخرطوم على اتصال بالرياض بهدف حل “مشكلة تعارض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اتفاقية 1974، بشأن الإستغلال المشترك للثروة الطبيعية الموجودة في قاع وتحت قاع البحر الأحمر في المنطقة المشتركة التي شملت مثلث حلايب”.
مصر ترفض..
من جانبها، جدّدت وزارة الخارجية، الخميس 21 كانون أول/ديسمبر 2017، رفض مصر القاطع، للخطاب الذي وجهته الخرطوم إلى الأمم المتحدة لإعلان رفضها اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين السعودية ومصر، والموقعة في نيسان/إبريل 2016.
موضحاً، المتحدث باسم وزارة الخارجية، “أحمد أبو زيد”، أنهم بصدد توجيه خطاب إلى سكرتارية الأمم المتحدة لرفض الخطاب السوداني وما تضمنه من مزاعم في هذا الصدد، وللتأكيد على أن “حلايب وشلاتين” أراضٍ مصرية.
ويحاول السودان إثارة ملف “حلايب وشلاتين” هذه المرة، من خلال الإعتراض على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها مصر والسعودية العام الماضي، وشملت تعيين مناطق الحدود والتماس على البحر الأحمر، من بينها “حلايب وشلاتين” المصرية.
اتفاقية مصر والرياض..
تضمنت الاتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي “تيران وصنافير”، وجاء إعتراض السودان على الاتفاقية لأنها اعتبرت “مثلث حلايب” تابعاً لمصر.
كما نصت الاتفاقية على أن يبدأ خط الحدود البحرية بين البلدين من نقطة الإلتقاء المشتركة للحدود البحرية المصرية السعودية الأردنية في خليج العقبة، وسيتم الاتفاق عليها لاحقًا بين الدول الثلاث.
واتفقت القاهرة والرياض على أن يمتد خط الحدود البحرية بين البلدين، من نقطة الإلتقاء المشتركة للحدود البحرية المصرية السعودية الأردنية، إلى نقطة خط الحدود البحرية (رقم 1)، ومنها يمتد في خطوط مستقيمة تصل بين خط الحدود البحرية بين البلدين بخليج العقبة والبحر الأحمر، حتى نقطة خط الحدود البحرية (رقم 61) وفقاً للإحداثيات الجغرافية لنقاط خط الحدود البحرية بين البلدين.
ورغم تهنئة “غندور” لنظيره السعودي “عادل الجبير” بالاتفاقيات التي وقعتها الممكلة مع مصر، وأن الخرطوم ستتعاون مع الرياض في إستغلال الثروات الموجودة في البحر الأحمر، إلا أن الخرطوم عادت لتتخذ هذه الخطوة المفاجئة، وتدخل في صدام ليس فقط مع مصر ولكن مع المملكة أيضاً.
الخبراء والدبلوماسيون قالوا إن تقديم السودان شكوى ضد مصر في الأمم المتحدة يعد خرقاً لقواعد القانون الدولي، وخطوة ستساهم في تصعيد الأمور بين البلدين.
استمرار لمسلسل التصعيد..
السفير “محمد الشاذلي”، سفير مصر الأسبق في السودان، قال إن تصعيد الخرطوم ليس جديداً، لكنه استمرار لمسلسل التجاوزات والتصعيد تجاه مصر، حيث أستغل السودان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتي قضت بإعادة جزيرتي “تيران وصنافير” إلى المملكة، للترويج لقضيتها، متجاهلة القضايا المصيرية التي تهدد أمن وسلامة الوطن العربي، وعلى رأسها “قضية القدس”.
مضيفاً “الشاذلي”، أن “مصر يجب أن تقدم براهين واضحة للأمم المتحدة، ولا تكتفي بالصمت تجاه التصعيد السوداني، ويجب أن تدرك الخرطوم أن التصعيد ليس من مصلحة الجميع وسيؤدي إلى نتائج سيئة للغاية”.
عمل أحادي الجانب..
أوضح الدكتور “أيمن سلامة”، أستاذ القانون الدولي العام، أن الإحتجاج السوداني بلغة القانون الدولي عمل أحادي الجانب، تتخذه الدول ذات السيادة رسمياً وكتابة، بغرض رفض تصرف دولي صادر عن دولة أجنبية، وذلك للتحلل من جانب الدولة، مقدمة الإحتجاح، من أي آثار على مصالحها الذاتية لتصرف الدولة المقدم ضدها الشكوى.
لافتاً “سلامة” إلى أنه من بين أهم شروط الإحتجاج التوقيت المواكب والمباشر للتصرف الدولي الذي تحتج عليه الدولة صاحبة الشكوى، وأن يكون موقوتاً أو مباشراً، أو يحدث بطريقة سريعة بما فيه الكفاية وبوضوح وبثبات، بعد حصول الفعل الأجنبي المقصود، حيث قضت محكمة العدل الدولية في قضايا عديدة بأن قبول الدول تصرفات وأفعال الدول الأجنبية وعدم إحتجاجها عليها لفترة طويلة يُسقط حق الدول المحتجة متأخرة في إحداث ما يسمى بالعمل الإنفرادي الوحيد الجانب.
مضيفاً: “تزعم السودان أن الاتفاق السعودي السوداني بشأن الإستغلال المشترك لثروات قاع البحر الأحمر، الموقع بين الدولتين في 16 آيار/مايو عام 1974، وتقسيم المناطق الثلاث في البحر الأحمر للإنتفاع وللإستغلال المشترك بينهما كان سابقاً على اتفاقية تعيين الحدود المصرية السعودية في نيسان/إبريل 2016 وأن نظام المناطق البحرية للمملكة لعام 2011، ينص على أن تطبيقه لا يخل بما تم إبرامه مع السعودية والدول المجاورة فيما يتعلق بالحدود البحرية أو بإستغلال الموارد الطبيعية من البحر الأحمر والخليج العربي”.
اتفاقية السودان والسعودية ليست لتعيين الحدود..
تابع “سلامة” أن الاتفاقية السعودية السودانية المشار إليها؛ هي ليست اتفاقية لتعيين الحدود البحرية بين البلدين بالمعنى والإطار القانوني، فضلاً عن أن الدولتين كانتا يتوجب عليهما النظر بعين الاعتبار لحقوق الدولة الثالثة وهي مصر، المقابلة للسعودية والمجاورة للسودان، وذلك فيما يتعلق بالاتفاقيات والصكوك الدولية الموقعة بين الخرطوم والقاهرة منذ نهاية القرن الـ 19 وبدايات القرن العشرين، وقبل إستقلال السودان عن مصر وبريطانيا في الأول من كانون ثان/يناير عام 1956.
غير مقبول في القانون الدولي..
مشيراً إلى أن “الإحتجاج السوداني الإنفرادي لا يعتد به، ولا يكون مقبولاً في القانون الدولي، في حال إنتهاكه لقواعد ومبادئ القانون الدولي، فضلاً عن أن كافة التصرفات السودانية سواء التشريعية أو التنفيذية في مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد إعتباراً من 1958، بغرض محاولة إحداث مصادر السيادة فى ذلك المثلث – إحتجت مصر عليها فوراً لدى الحكومة السودانية ذاتها”.
أول نزاع حدودي أثير في كانون ثان/يناير 1958..
حول الجانب التاريخي للقضية، قال العميد السابق لمعهد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة السابق، الدكتور “سيد فليفل”، إن “حلايب وشلاتين مصريتان تمارس الحكومة سيادتها عليهما كاملة، بدءاً من تواجد القوات على الأرض وإنتهاء بإستخراج بطاقات الهوية وجوازات السفر المصرية لمواطنيها. وقد أدى الوجود البريطاني المتزامن في مصر والسودان إلى تعيين الخط الحدودي الفاصل بين البلدين، حيث وُقعت اتفاقية السودان بين مصر وبريطانيا في 19 كانون ثان/يناير عام 1899، ووقعها عن مصر بطرس غالي ناظر خارجيتها في ذلك الحين، وعن بريطانيا اللورد (كرومر) المعتمد البريطاني لدى مصر”.
ويروي “فليفل” أن المرة الأولى التي أثير فيها النزاع الحدودي بين مصر والسودان حول “حلايب”؛ كان في كانون ثان/يناير عام 1958، عندما أرسلت الحكومة المصرية مذكرة إلى الحكومة السودانية أعترضت فيها على قانون الانتخابات الجديد، الذي أصدره السودان في الـ 27 شباط/فبراير عام 1958.
وأشارت المذكرة إلى أن القانون خالف اتفاقية عام 1899 بشأن الحدود المشتركة؛ إذ أدخل المنطقة الواقعة شمال مدينة “وادي حلفا” والمنطقة المحيطة بـ”حلايب وشلاتين” على سواحل البحر الأحمر ضمن الدوائر الانتخابية السودانية، وطالبت مصر حينها بحقها في هذه المناطق التي يقوم السودان بإدارتها شمال خط عرض (22).
المصدر: موقع كتابات