يبدو أن النخبة العراقية اصطفت وراء ما يمكن تسميتها إستراتيجية البقاء لاحتواء احتجاجات الشوارع، مع تقديم إصلاحات سياسية وإجراء انتخابات العام المقبل في محاولة للنجاة من مظاهرات شعبية مناوئة للحكومة مستمرة منذ عدة أسابيع.
ويتضمن الحل المقترح بقاء النخبة الحاكمة بالسلطة، وهو أمر من المستبعد أن يهدئ المحتجين الذين يطالبون برحيل نخبة السياسيين بكاملها.
وتمثل الاحتجاجات أكبر تحد للنظام السياسي الذي جاء بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003. ولقي ما لا يقل عن 320 محتجا حتفهم وسقط معظمهم بالذخيرة الحية التي أطلقتها قوات الأمن على الحشود. لكن الرد الأمني العنيف لم يفلح كثيرا في إقناع المحتجين بإخلاء الشوارع.
وقال مسؤول أمني كبير إن هناك تكتيكات جديدة تم إقرارها في محاولة لحصر المظاهرات في ساحة التحرير بالعاصمة التي تعد مفترق طرق يؤدي مباشرة إلى جسر الجمهورية الذي يمر فوق نهر دجلة ويعتصم المتظاهرون فيها منذ أسابيع.
وقال المسؤول الأمني “القوات الأمنية تعمل بهدوء لإحكام الطوق على ساحة التحرير ومن كل الاتجاهات” وتوقع أن تلي ذلك حملة اعتقالات في محاولة للحد من القوة الدافعة للاحتجاجات.
وفي نفس الوقت ستدفع السلطات بخطة إصلاح لتهدئة الحشود بإجراء انتخابات جديدة تشرف عليها مفوضية من المزمع أن تكون أكثر استقلالا، وكذلك برلمان يعاد النظر في تركيبته ليكون أصغر وأكثر تمثيلا للسكان الذين يتسمون بالتنوع.
وتقول مصادر حضرت الاجتماعات مع الحكومة الآونة الأخيرة إن مثل هذه الإستراتيجية تحظى الآن بتأييد كتلة الفتح بزعامة هادي العامري المدعومة من إيران والمؤيدة للحكومة، كما تحظى بتأييد منافسها الرئيسي كتلة “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر الذي دأب على انتقاد طهران وطالب رئيس الحكومة عادل عبد المهدي بالاستقالة. ويؤيد الخطة أيضا زعماء سياسيون من السنة والأكراد.
وقال مصدر قريب من الصدر “غضب المتظاهرين على جميع السياسيين، ومن ضمنهم الرموز الدينية، أجبر كل الأطراف السياسية للاستماع إلى النصيحة الإيرانية والعمل سوية للإبقاء على حكومة عبد المهدي”.
ومضى قائلا “حتى مقتدى الصدر مع هذا التوجه” مشيرا إلى أن “الصدر قلق من أن المظاهرات التي لا يسيطر عليها هو قد تهدد مكانته بين أتباعه”.
وطبقا لاقتراح قدمه الرئيس برهم صالح، تشمل الإصلاحات الجديدة تخفيض الحد الأدنى لسن المرشحين وزيادة عدد مناطق التصويت وتخفيض عدد مقاعد البرلمان البالغة 329 بنسبة 30%.
وسيحل تكنوقراط وقضاة محل المعينين بقرارات سياسية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
وقال مصدران قريبان من المحادثات إن البرلمان سيصوت على التعديلات قبل أن يحدد نهاية المطاف تاريخا لإجراء الانتخابات المبكرة عام 2020 تاركا المجال لتأخيرات محتملة.
وقال عزت الشابندر -وهو مستقل يتوسط بين كبار الشخصيات السياسية بمن فيهم عبد المهدي- إنه تم الاتفاق من حيث المبدأ على تعديل جزئي بالحكومة يبقي عبد المهدي رئيسا. وقال “كلهم اصطفوا خلف رئيس الوزراء الآن ليتجنبوا الفوضى”.
ويبقى أن يتضح ما إذا كانت وعود الإصلاح ستسحب أي قدر من زخم الاحتجاجات.
ومن الواضح أن الإصلاحات أقل من مطالب المحتجين التي تدور حول وضع نهاية لكل النظام السياسي. لكن الأحزاب يمكن أن تطرح الخطة كدليل على أنها جادة في السير بالاتجاه الصحيح.
ودعا المرجع الشيعي علي السيستاني إلى إصلاح جاد في إطار زمني مناسب. وحث المحتجين على ألا يخلوا الشوارع قبل أن تُتخذ خطوات ملموسة لتلبية مطالبهم.
وصارت مطالب المحتجين أكثر تحديدا بدعوة البعض إلى نظام يقوده رئيس تنفيذي منتخب، ويدين بالقليل من الفضل للفصائل السياسية التي اختارت جميع رؤساء الوزراء فترة ما بعد 2003 خلف الأبواب المغلقة.
ويقول معظم المحتجين إنهم يريدون رحيل الحكام. عمار (20 عاما) من مدينة الصدر في بغداد وضع خوذة على رأسه وغطى وجهه بخيمة للمساعدة الطبية كان يتلقى فيها علاجا من آثار الغاز المدمع، يقول “إنهم يخنقوننا لما نتنفس، لما نقول لهم ارحلوا”. وأضاف “سنموت هنا من أجل مستقبلنا”.
المصدر : رويترز