لا يكاد الهدوء الحذر يسود على الجبهة الجنوبية حتى تخرقه جولة جديدة من عمليات القصف والغارات، وقد أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي النار من موقع مسكافعام باتجاه بلدة العديسة، وأعلن عن “قتل مسلح تم تحديده في الأراضي اللبنانية حاول إطلاق صاروخ باتجاه إسرائيل”. واستهدفت غارة سيارة بين بلدتي يارون ورميش ما أدى إلى سقوط قتيل وجريح من حزب الله بعد قيام إحدى المسيّرات الاسرائيلية بإطلاق 4 صواريخ على مرتفعات كفرشوبا.
وبعدها، رد الحزب على الغارة مستهدفاً موقع شتولا المواجه لعيتا الشعب وأصابه بشكل مباشر، وأشارت إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى إطلاق صواريخ مضادة للدروع باتجاه موقع المنارة ثم موقع العباد وموقع برانيت وبلغت حصيلة هذه الصواريخ من طراز “كورنيت” حوالى 12 صاروخاً، لتعود قوات الاحتلال وتقصف أطراف بلدة حولا وعيتا الشعب ورامية ومحيط مستشفى ميس الجبل بستة صواريخ وكذلك المنطقة الواقعة بين الهبارية وشبعا ومنطقة خالية قرب موقع العباد.
وأجلى الصليب الأحمر والجيش اللبناني بالتعاون مع اليونيفل قتيلاً و4 جرحى من منطقة واقعة بين كفرشوبا ومزرعة بسطرة، في وقت نعى حزب الله مزيداً من الشهداء ببيانات متتالية لترتفع حصيلة ضحاياه إلى 37 منذ بداية المواجهات.
وكتب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، عبر منصة “إكس”: “حزب الله في قلب معركة المقاومة للدفاع عن غزَة، وفي مواجهة الاحتلال وعدوانه في فلسطين ولبنان والمنطقة، ويده على الزناد بالمدى الذي يُقدِرهُ مطلوبًا في المواجهة”، وأضاف: “العدوان الإسرائيلي على غزَّة ليس حربًا، بل قتل للمدنيين والأطفال والنساء وتدمير للبيوت، وهنا المسؤولية تقعُ على أميركا وأوروبا فضلًا عن الكيان الإسرائيلي”، وختم “طوفان الأقصى حقق هزيمةً إسرائيليةً لا تُمحى، وتبنِي أميركا وأوروبا للعدوان والهمجية الإسرائيلية هزيمةٌ إنسانية لا تُمحى”.
ميقاتي “متأخراً” إلى الجنوب
إلى ذلك، وفي ظل انتقادات من الثنائي الشيعي لتأخره في زيارة الجنوب، قام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بزيارة مفاجئة الثلاثاء إلى الجنوب استهلها يزيارة مقر قيادة قطاع جنوب الليطاني في ثكنة “بنوا بركات” حيث كان في استقباله قائد الجيش العماد جوزف عون. وانعقد اجتماع حضره قائد القطاع العميد رودولف هيكل وقادة الوحدات المنتشرة في الجنوب، وتم الاستماع إلى إيجاز عن المهام المنفذة. وأعرب رئيس الحكومة “عن تقديره العميق لتضحيات الجيش دفاعًا عن لبنان،في ظل الأوضاع الاستثنائية الراهنة عند الحدود الجنوبية والاعتداءات المتكررة من جانب العدو الإسرائيلي”.
وتفقد ميقاتي مع قائد الجيش منطقة القطاع الغربي، وانتقلا إلى مقر قيادة قوة الأمم المتحدة المؤقتة “اليونيفيل” في الناقورة حيث اجتمعا بالقائد العام الجنرال أرولدو لازارو ساينز في حضور كبار ضباط اليونيفيل والجيش. وأكد ميقاتي خلال الاجتماع “أن لبنان ملتزم بالقرارات الدولية وفي مقدمها القرار 1701″، مشيداً “بدور اليونيفيل في حفظ استقرار الجنوب بالتعاون والتنسيق الكامل مع الجيش”. وقال: “أتينا لشكر اليونيفيل على تضحياتها كافة، وعلى كل ما قدمته وتقدمه في سبيل لبنان. وتزامنت زيارتنا مع الاحتفال بيوم الامم المتحدة، وكم نتمنى ان يطبق ميثاق الامم المتحدة، لأن منطق القوة في وجه الحق المتبع اليوم لا يستقيم كل الاوقات، والمطلوب العودة إلى منطق قوة الحق”.
وفي ختام الجولة، زار رئيس الحكومة وقائد الجيش مقر قيادة لواء المشاة الخامس في البياضة، حيث اجتمعا مع قائد اللواء العميد الركن ادغار لاوندس. وأكد قائد الجيش “أن الدفاع عن لبنان هو واجب طبيعي ومشروع للجيش في مواجهة الأخطار التي تهدده وعلى رأسها العدو الإسرائيلي، وأن المؤسسة العسكرية تتابع تطورات الأوضاع وتحافظ على الجهوزية عند الحدود الجنوبية، بالتزامن مع تنفيذ مختلف المهمات في الداخل”، مشيرًا إلى الإرادة الصلبة لدى العسكريين وإيمانهم بقدسية المهمة من دون تردد”، ومثمنًا “دعم الرئيس ميقاتي للجيش ووقوفه إلى جانبه”. ولفت إلى “ضرورة استمرار التنسيق الوثيق بين الجيش واليونيفيل ضمن إطار القرار الدولي 1701”.
أما رئيس الحكومة فألقى كلمة لم يأت فيها على موضوع حزب الله، وجاء فيها: “في هذا الظرف العصيب أتينا إلى الجنوب لتحية الجيش والتعبير عن تقديرنا لجهوده وتضحياته دفاعاً عن الوطن والأرض والشعب. ولا شعار آخر يسمو على شعاره “شرف، تضحية، وفاء” سوى “فخر، غزة، كرامة” تعبيراً عن اعتزازنا بما حققه ويحققه الجيش رغم الطروف الصعبة التي تمر بها المؤسسة العسكرية”. وتوجّه للعسكريين بالقول: “حضورنا إلى هنا اليوم رسالة معبرة بأنكم الأساس في حماية الوطن والذود عن كرامته ولكم الفضل في الابقاء على الدولة وشرعيتها ومؤسساتها. انتم ركن البنيان الوطني واليكم تشخص العيون اليوم في الداخل والخارج”. وقال “كل الاطراف جرّبت وتجرب الخيارات الجانبية التي تشكل خطاً موازياً مع الخيارات الوطنية الجامعة، وكل الاطراف عادت ولو بعد حين إلى خيار الدولة الواحدة الموحدة لجميع أبنائها”.
وأضاف: “أتينا إلى جنوبنا الحبيب، الذي يدفع اليوم، كما دفع دوماً، ضريبة دفاعه عن كامل أراضي الوطن بوجه كيانٍ غاصب لا يعرف الرحمة، لنؤكد احترام لبنان، هذا البلد المحب للسلام، ولكافة قرارات الشرعية الدولية، والتأكيد على الإلتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، الذي تتولى اليونيفيل مسؤولية تطبيق بنوده، وإرساء الأمن والاستقرار ومساعدة الحكومة اللبنانية ممثلة بالجيش في بسط سلطة الدولة حتى حدوده الدولية”.
وجدّد ميقاتي “المطالبة بوقف اطلاق النار في فلسطين ووقف الجرائم الإسرائيلية”، وقال “كما نطالب بوقف الانتهاكات الاسرائيلية الدائمة للسيادة اللبنانيّة، ونحن نرى اليوم بأم العين اجرامها وبطشها، ضاربةً بعرض الحائط كافة القرارات والمواثيق الدولية”. وختم: “خيارنا هو السلام وثقافتنا هي ثقافة سلام ترتكز على الحق والعدالة والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة”.
نصيحة جنبلاط
وتزامنت جولة ميقاتي مع تهديدات إسرائيلية جديدة أطلقها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ خلال لقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بأن “لبنان سيدفع الثمن اذا قرر حزب الله الانخراط في الحرب”، مضيفاً “لا نسعى لفتح جبهة جديدة في الشمال ولكننا حاضرون إذا جرّنا حزب الله للحرب”، فيما دعا ماكرون “حزب الله وإيران إلى عدم المخاطرة بتصعيد الوضع في المنطقة”.
إلى ذلك، رأى الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في اجتماع الهيئة العامة للمجلس المذهبي الدرزي “أن الهجوم البري على غزة قد يرتد على الداخل اللبناني، ولذلك كان التواصل مع حزب الله بألا نستدرج إلى الحرب فهي في الجنوب “ماشية” ولكن ندعو إلى عدم توسيع رقعتها”. وقال جنبلاط: “اجتمعنا لكي نفكر في ما يمكننا ان نفعله اذا كبُرت الأزمة لناحية المستشفيات والدواء وغيرها، ومن بعد إذن وزير التربية عباس الحلبي طرحنا فكرة استخدام المدارس للإيواء”، معتبراً أنه “لا بد من أن نتوقع الأسوأ”. وأضاف “نحن مع مقولة الأرض مقابل السلام بتسوية، ولكن هل بقي شيء من تلك الأرض كي نطرح السلام؟”.
من ناحيتها، شددت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا في تصريح بمناسبة الذكرى الثامنة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة على “أن المنظمة تلتزم بحزم دعم لبنان لحماية أمنه واستقراره في وقت تواجه فيه منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر اللحظات حرجاً منذ عقود”. وذكّرت بأن “الهدف الرئيسي للأمم المتحدة، التي تضم في عضويتها 193 دولة، وفقاً لميثاقها، هو تجنيب الأجيال المقبلة مآسي الحروب”، وقالت: “للأسف، تتزايد المخاطر على سلام وأمن لبنان والمنطقة، ولكن علينا ألا نتخلى أبدًا عن آمال إحلال السلام لبلوغ مستقبل أكثر استدامة لشعب لبنان.” وإذ لاحظت بـ “قلق بالغ استمرار تبادل إطلاق النار عبر الخط الأزرق، دعت لوقف التصعيد وإنهاء العنف واستعادة الهدوء في المنطقة”. وختمت: “أصبح من الملح أكثر من أي وقت مضى وقف الأعمال العدائية وتطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 بشكل كامل”.
بدوره، حذّر حزب الكتائب “من المغامرة بلبنان ومصيره وإدخاله حربًا لا علاقة له بها ولا قدرة له على تحمل أوزارها أو تبعاتها”، واعتبر “أن كل العمليات التي تنطلق من أرض الجنوب على يد فصائل لبنانية وغير لبنانية تأتي من خارج سياق احترام سيادة البلد بما يعيدنا بالذاكرة إلى مراحل لا نريدها أن تتكرر صونًا لأمن البلد وأهله الذين ينزحون بعشرات الآلاف في عز أزمة خانقة”، ولفت إلى “أن تمنّع الحكومة عن ضبط حدود لبنان والدفاع عن حصرية حق الدولة بقرار السلم والحرب وضمان الالتزام بالقرار 1701 تضع لبنان في عين العاصفة”.