أثارت قضية إعلان وزارة الداخلية العراقية عن اعتقال نجل محافظ النجف الجدل، بعد أن ضُبط متلبساً في عملية تهريب كميات كبيرة من المخدرات، مستغلاً عمله كضابط في جهاز المخابرات، غطاءً للعملية، ما يطرح تساؤلات بشأن تورط جهات حكومية ورسمية وسياسية بإغراق العراق بالمخدرات.
الإعلان العراقي جاء بعد ساعات على نشر عناصر أمن صورَ لحظةِ اعتقال جواد الياسري، نجل محافظ النجف لؤي الياسري، في بغداد، وبحوزته كمية من المخدرات، ما شكل إحراجاً لها مع إعلان تفاصيل العملية. لكن جهات رسمية عراقية تحاول اليوم إغلاق ملف القضية، التي تسببت بفضيحة سياسية كبيرة على مستوى العراق، لا سيما في ظل الحديث عن أن نجل المحافظ، يعمل ضمن شبكة تهريب كبيرة مرتبطة بإيران.
وألقي القبض على نجل لؤي الياسري، عضو حزب الدعوة، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء حيدر العبادي، بعد أن تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للمواد المخدرة وأسلحة والأشخاص المتورطين بها، من بينهم جواد، ووثائق تعود له، من بينها بطاقة تعريف تؤكد ارتباطه بجهاز المخابرات الوطني.
الفضيحة عبر شبكات التواصل الاجتماعي
وعمد عناصر من الأمن، إلى فضح المحافظ وولده عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تناقلت الخبر سريعاً، بعد أن تأكد لهم أن العصابة التي ضُبطت بالجرم المشهود، سيطلق سراح أفرادها.
وعقب انتشار صور أفراد العصابة وعددهم ثلاثة، أصدرت الشرطة العراقية بياناً أوضحت فيه أن “القوات الأمنية ألقت القبض على عصابة تتاجر بالمخدرات في محافظة بغداد مؤلفة من ثلاثة عناصر من بينهم جواد لؤي الياسري نجل محافظ النجف”.
وأشار البيان إلى أنه “كان في حوزة العصابة لحظة القبض على أفرادها، 28 كيس حشيشة يتراوح وزن الواحد منها ما بين 190 إلى 200 غرام، إضافة إلى 7 أكياس فئة ألف حبة، بالإضافة إلى مبلغ 4 آلاف دولار ومسدس عيار 9 ملم”.
في المقابل كان الموقف صادماً لمحافظ النجف لؤي الياسري، الذي عمل دائماً على الترويج لنفسه، بأنه يتبع منهجاً دينياً في إدارة المحافظة، واتخذ في هذا الصدد قرارات اعتبرت متشددة، من بينها ارتداء الحجاب والتشديد على المقاهي.
وأثارت تصريحات المحافظ التي رد بها على قضية نجله، سخرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إذ برأ صلة نجله بالمخدرات، مشيراً إلى أن الأخير كان ينوي إيصال مساعدات طبية وغذائية إلى مخيمات النازحين. وأضاف أن ما كان بحوزته، هي أدوية لأوجاع الرأس، وأكياس لصنع حلوى الكاستر.
وبذلك كذب محافظ النجف رواية الشرطة، وما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً أنه اعتبر القضية ملفقة وهدفها سياسي، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية. إذ سبق للمحافظ أن أعلن في وقت سابق دخوله ضمن قائمة رئيس الوزراء حيدر العبادي.
محاولات لانهاء القضية
وفي السياق، اكد مصدر بوزارة الداخلية العراقية، أن هناك محاولات لإنهاء القضية، مؤكداً أن “نجل محافظ النجف ما كان ليعتقل ساعة واحدة لو لم ينتشر الخبر موثقاً بالصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
وبحسب المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، “إن إغلاق ملف القضية ليس بسبب قوة المحافظ، بل لأن نجله يعمل ضمن شبكة تهريب كبيرة مرتبطة بإيران”.
وأوضح أن “المعلومات التي تمتلكها الأجهزة الأمنية في العراق حول تجارة المخدرات واسعة، وليس هناك الكثير من الخبايا على الأمن العراقي في هذا الموضوع. إيران تجني أموالاً طائلة في هذه التجارة التي تنقلها إلى العراق ومنه إلى سورية ولبنان فضلاً عن طرق أخرى من العراق إلى الخليج”.
وأضاف “العراق أصبح سوقاً مستهلكة للمخدرات بالإضافة إلى كونه طريقاً لعبورها”، مشيراً إلى وجود “حماية تكفل دخول المخدرات إلى العراق وتوزيعها داخل البلد، فضلاً عن حماية لنقل المخدرات إلى سورية ولبنان”.
مليشيات تحمي تجارة المخدرات
كما بيّن أن “المليشيات هي من تحمي هذه التجارة. وسلطة المليشيات في العراق أكبر من سلطة الأجهزة الأمنية وهذه حقيقة. هناك بضائع تدخل من إيران عبر معابر برية يمنع تفتيشها وترافقها المليشيات، تدخل مخبأة مع مواد غذائية أو أجهزة وغير ذلك، لكن المؤكد لدى الأجهزة المختصة أن المخدرات تدخل إلى البلاد بهذه الطريقة”.
وأوضح أن “طريق العراق -سورية- لبنان، وأيضاً العراق- الخليج العربي، يطلق عليه مسؤولون إيرانيون تسمية طريق الحرير؛ إذ تجري عبره عمليات التهريب، ليس فقط من إيران بل من هذه الدول إلى إيران عبر منافذ برية مع العراق، وتشمل تهريب أسلحة ومقاتلين ومهربي مخدرات”.
وفي السياق، أكد المصدر أن “توزيع المخدرات في العراق يعتمد على باعة صغار، هؤلاء غير محميين وألقي القبض على عدد منهم في أوقات سابقة. لكن الموزعين الكبار محميون ولا يمكن ملاحقتهم”، لافتاً إلى أن ابن محافظ النجف أحد هؤلاء. واستدرك قائلاً “حقيقة الأمر أن المجموعة الأمنية التي تابعت العصابة لم تكن تعلم بهوية أفرادها”.
وأضاف المصدر أن “الهويات العديدة التي يمتلكها جواد ابن المحافظ، تؤكد التهمة، فهي بطاقات تخوله العبور إلى أي مكان وفي أي وقت دون تفتيش سيارته من قبل المفارز الأمنية، وهذا الأسلوب ليس جديداً واتخذته المليشيات في أوقات سابقة، خلال نقل مواطنين اختطفتهم، أو نقل الأسلحة بين المناطق”.