مثلما فعل الإرهاب في مصر.. بعدم تفريقه بين دور العبادة؛ فعل هذه المرة في مدينة “بنغازي” في ليبيا، التي شهدت تفجير سيارتين مفخختين أمام مسجد “بيعة الرضوان” في منطقة السلماني، أسفر عن سقوط أكثر من 40 قتيلاً و80 جريحاً.
ووقع الهجوم مساء الثلاثاء 23 كانون ثان/يناير 2018، عندما انفجرت سيارة مفخخة أثناء خروج المصلين من مسجد في حي “السلماني”، ثم انفجرت سيارة ثانية بعد نصف ساعة في المنطقة ذاتها موقعة قتلى في صفوف قوات الأمن والمدنيين.
استهدفت سقوط أكبر عدد ممكن من الضحايا..
تعتبر هذه العملية الأولى من نوعها، فرغم وقوع تفجيرات دموية في ليبيا سابقاً، إلا أن التفجيرين المتعاقبين، ويفصلهما حوالي 15 دقيقة، لم تكن شائعة من قبل.
ويرى مراقبون أن بصمة التنظيمات الإرهابية واضحة في العملية، وأن هدفها كان سقوط أكبر عدد ممكن من الضحايا تضاف إلى سجل هذه التنظيمات الإجرامي في حق البشرية.
معقل الجماعات السلفية..
المسجد الذي وقع الهجوم قربه معروف بأنه معقل للجماعات السلفية، التي قاتلت المتشددين في “بنغازي” إلى جانب قوات الفريق “خليفة حفتر”.
وقال الناطق باسم القوات الخاصة في بنغازي، العقيد “ميلود الزوي”، إن “أحمد الفيتوري”، آمر سرية القبض والتحري الخاصة التابعة للقيادة العامة لقوات “حفتر”، قتل في الهجوم.
حوادث سابقة..
شهدت “بنغازي”، التي كانت معقل الثورة الليبية ضد نظام الرئيس السابق “معمر القذافي”، أعمال عنف خلال الفترة الماضية استهدفت دبلوماسيين وقوات أمن، وكان أبرزها الهجوم على القنصلية الأميركية في 2012، الذي أسفر عن مقتل السفير، “كريستوفر ستيفنز”، وثلاثة أميركيين آخرين.
وبدد الإنفجار المزدوج الهدوء النسبي الذي شهدته مدينة “بنغازي”، ثاني أكبر المدن الليبية، عقب إعلان إنتهاء العمليات العسكرية فيها مؤخراً.
ثلاثة أيام حداد وطني..
لاقت هذه التفجيرات الضخمة، ردود فعل غاضبة محلياً ودولياً، فقد أعلن مجلس النواب الليبي، في بيان له، تنديده للعمل الإرهابي معلنًا في ذات الوقت الحداد الوطني لثلاث أيام، داعيًا الليبيين إلى “وحدة الصف ولم الشمل والتفاهم والتصالح من أجل إنقاذ بلادهم ليبيا من هذا العبث والفوضى والإجرام والإرهاب الذي طال الجميع ولم يستثني أحداً منهم في كل أنحاء البلاد، ودعم الجيش الوطني الليبي والشرطة والأجهزة الأمنية والإستخباراتية لتقوم بدورها في محاربة الإرهاب والفوضى”.
مرتكبيها يسعون لترويع الآمنين..
كما أدانت الحكومة المؤقتة التفجيرات، مشيرةً إلى أن “هذه الجريمة الإرهابية الآثمة التي تتنافى مع كل القيم والمبادئ الإنسانية وتعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء، تكشف بما لا يدع مجالاً للشك عن الوجه القبيح للإرهاب الأسود الذي لا يراعي للنفس البشرية وأماكن العبادة أي حرمة”. وأشارت إلى أن “مثل هذه الجرائم تؤكد أيضًا أن مرتكبيها من أفراد وتنظيمات، ومن يقفون وراءهم بالتمويل والتسليح والمساندة إنما يسعون لترويع الآمنين وحصد أرواحهم والعبث بأمنهم”، مؤكدة على أنها “ستعمل على مواجهة الفكر المتطرف والمتشدد للتنظيمات الإرهابية التي تعتنق هذا الفكر الظلامي الخارج عن صحيح الدين”.
كشف ومحاسبة الجناة..
المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، أدان من جهته الحادث، مؤكداً أنه “سيسخر كل إمكاناته للمساهمة في الكشف عن الجناة والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة”، حسب بيان له.
كما أعلن المجلس، الحداد ثلاثة أيام على ضحايا العمل الإرهابي الغادر، معرباً عن عميق الحزن والمواساة لفقد مواطنين أعزاء سقطوا نتيجة لهذه الجريمة البشعة.
إدانات دولية..
على الصعيد الدولي، سارعت العديد من الدول إلى التنديد بالتفجيرات، حيث دعت السفارة الإيطالية في ليييا “كافة الليبيين إلى توحيد القوى لمكافحة (الإرهاب) الذي يزرع الموت والخراب”.
فيما أكدت الخارجية الفرنسية، في بيان، تضامن باريس مع ليبيا في حربها ضد الإرهاب لتحقيق الأمن والإستقرار في البلاد.
وتقدم وزير الخارجية البريطاني، “بوريس غونسون”، في بيان صحافي، بالتعازي لأهالي المدينة، مشيرًا إلى أن القانون الإنساني الدولي يحظر الاستهداف المباشر أو العشوائي للمدنيين، والذي يعتبر “جريمة حرب”.
تنديد أممي..
من جانبها، نددت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبر حسابها على (تويتر)، بما وصفته بـ”التفجيرات المروعة”، مشيرةً إلى أن ما حدث يرقى إلى أن يكون “جريمة حرب”.
نتاج استمرار ظاهرة تهريب السلاح..
فيما طالبت مصر، في بيان صادر لها عبر صفحة وزارة الخارجية المصرية على (فيس بوك)، المجتمع الدولي بضرورة القيام بواجبه “بصورة حازمة تجاه تجفيف منابع تمويل ودعم الجماعات الإرهابية”، مشيرة إلى أن “انتشار مثل تلك الأعمال الإرهابية في ليبيا، هو نتاج مباشر لاستمرار ظاهرة تهريب السلاح دون رقابة صارمة من المجتمع الدولي”.
وتتجه أصابع الإتهام في الوقوف وراء الهجوم إلى التنظيمات الإرهابية، التي مازالت تنشط بعض عناصرها المتخفية في المدينة عقب هزائمها السابقة.
تحالف قوى الإرهاب..
في هذا السياق، كشف المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة العربية الليبية، عميد “أحمد المسماري”، أن تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، و”جماعة الإخوان” وغيرها، هم المسؤولين عن هذا العمل الإرهابي، مؤكداً على أن ما اسماه “تحالف قوى الإرهاب” هو المسؤول عن الهجوم المزدوج.
الخلايا النائمة لها يد في الحادث..
قال “فتحي المريمي”، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي، “إن هناك بعض الخلايا النائمة وأشخاص لم يتم القبض عليهم منذ تحرير الجيش الليبي لمدينة بنغازي هم من قاموا بهذا العمل”، مشيراً إلى أن الرسائل التي أراد الإرهابيون توصيلها؛ أنه لا إستقرار في البلاد طالما هم موجودون. وطالب “المريمي” الشعب والمؤسسات الليبية بالتوحد لإجتثاث هذا الإرهاب الذي دمر البلاد.
المسؤول عن الحادث هم المختلفون مع الجيش الليبي..
فيما أعتقد “عبدالحكيم فنوش”، المحلل السياسي الليبي، أن “الجهة الوحيدة التي يمكن أن يُوجه لها أصابع الإتهام هي الجهة التي على خلاف وعلى صدام مع الجيش الليبي، ومع من يسيطرون على الجيش الليبي، والذين يرغبون أن يعطوا صورة لإنعدام الأمن والإستقرار داخل بنغازي”.
التخلص من التيار “المدخلي” السلفي..
كما ربطت بعض وسائل الإعلام بين تفجيرات “بنغازي”، والنوايا الجديدة للواء المتقاعد “خليفة حفتر”، فقالت أنه بعد سيطرة قواته بشكل كامل على المدينة، شمال شرقي ليبيا، يبدو أنّها تتوجّه هذه المرة إلى التخلّص من ظهيره المسلّح المتمثّل في مقاتلي التيار “المدخلي” السلفي.
خطوات تفكيكية في الخفاء..
خطوات “حفتر” لتمكين “التيار المدخلي” عسكرياً، وازتها خطوات تفكيكية في الخفاء منذ وقت مبكر، يبدو أنّها كانت تحضّر لهذا الحدث، ففي 23 كانون ثان/يناير 2015، أعلن عن حلّ “كتائب التوحيد” السلفية وتوزيع عناصرها على كتائب قواته، بعد أيام من مقتل آمر كتيبة التوحيد السلفي البارز، “عز الدين الترهوني”، في ظروف غامضة، قيل وقتها إنّها كانت ضمن معارك منطقة “سوق الحوت”.
وبموازاة ذلك، تم توزيع أبرز العناصر السلفية على الأجهزة الأمنية، في مدينتي “المرج” و”البيضاء”، بعيداً عن مخازن السلاح والجنود في “بنغازي”، أما ما بقي من “كتائب المدخلية” فقد وضعهم “حفتر” تحت إمرة قادة وضباط تابعين له، كما فعل مع النقيب “محمود الورفلي”، الذي يخضع لإمرة “إدريس بوخمادة” قائد قوات الصاعقة.
وفي السياق ذاته، لم يتوقّف “حفتر” عن إرسال المقاتلين “المداخلة” العاديين إلى جبهات القتال، ولا سيما في حرب السيطرة على “قاعدة الجفرة”، جنوبي ليبيا، في حزيران/يونيو الماضي، وفي حروب السيطرة على “الهلال النفطي”.
تخفيف فتاوى الدعاة لتأييد “حفتر”..
لعلّ ما يعكس هذا الإتجاه لدى “حفتر”، الهدوء في تصريحات دعاة “السلفية المدخلية” لدى المملكة العربية السعودية أخيراً، فبعد نشاط هؤلاء الدعاة في إرسال عناصر دعوية لمناطق سيطرة “حفتر”، كزيارة الداعية السعودي، “أسامة العتيبي”، في كانون ثان/يناير العام الماضي، لـ”طبرق وأجدابيا وبنغازي”، خفت فتاوى هؤلاء الدعاة لتأييد “حفتر”.
وفي السابق، أطلق “حفتر” يد شيوخ “التيار المدخلي” لتطبيق فتاواهم، رغم أنّها لاقت إستهجاناً محلياً، وإستهجان دار الإفتاء التابعة لمجلس النواب في “طبرق”.
وقد أقدم مسلّحو المداخلة الموالون لـ”حفتر” على نبش قبر الإمام “أبو عبدالله السنوسي” في “الكفرة”، ونقل رفاته إلى مكان مجهول، كما حاول فريق مسلّح آخر الهجوم على ضريح الصحابي “رويفع الأنصاري” في “البيضاء”، وهي أفعال لقيت معارضة محلية، حدت ببعض القيادات القبلية لدعوة “حفتر” إلى نفض يده من المداخلة، أو وضع حدّ لهم.
توريطهم في أعمال إجرامية..
في الإتجاه ذاته، ذهب “حفتر” في ما يبدو إلى توريط المداخلة في عدة أعمال إجرامية؛ أبرزها “مذبحة الأبيار”، التي نفّذها القيادي المدخلي، الشيخ “قجة الفاخري”، في تشرين أول/أكتوبر الماضي، والتي راح ضحيتها 38 مدنياً، أغلبهم يتحدر من قبائل لها حضورها في الشرق الليبي، فضلاً عن عمليات خطف واعتقال لكتاب ومثقفين في “بنغازي”، لقيت هي الأخرى إستهجاناً واسعاً بالمدينة.
وحتى خارج “بنغازي”، سعى “حفتر” إلى إستغلال المداخلة، من خلال إطلاق أيديهم لتنفيذ معتقداتهم الدينية في “الجفرة والكفرة والبيضاء”.