“أقول لسكان غزة: اخرجوا من هناك الآن، لأننا سنضرب كل مكان وبكل القوة”، هكذا حث رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، سكان غزة في تصريحه يوم السبت. هذا البيان هز القيادة في مصر، لا سيما المخابرات المصرية. في قناة التلفاز التي هي بملكية مجموعة المتحدة، التي تمتلكها المخابرات المصرية، تم إرسال رسالة حاسمة وواضحة نسبت لـ “جهات مصرية رفيعة المستوى”، حذرت فيها من “دفع الفلسطينيين المساكين نحو الحدود المصرية وتشجيع جهات معينة على الهرب من القطاع. السيادة المصرية غير سائدة، وسلطات الاحتلال هي المسؤولة عن إيجاد معابر إنسانية لإنقاذ الشعب في غزة”.
لم يكن هذا فقط رداً على أقوال نتنياهو؛ فوسائل إعلام أخرى في مصر نشرت بأن توجيهاً مشابهاً لسكان غزة نشر أيضاً في موقع المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي، ثم تم حذفه بعد يوم على الرد المصري. مقالات تحليلية في مصر أضافت بأن إسرائيل تنوي تفريغ غزة من السكان، وجعلهم ينتقلون إلى سيناء ويجعلوا مصر مسؤولة عن مصيرهم. مصر تخاف وتغضب جداً في كل مرة تطرح فيها هذه الفكرة، مثلما يغضب الأردن عندما تتحدث إسرائيل عنه كـ “وطن بديل للفلسطينيين”.
لم تهدأ القاهرة حتى بعد أن أوضحت إسرائيل بأنها لن تسمح بانتقال المدنيين من غزة إلى مصر عبر معبر رفح. وقد أرفقت إسرائيل بهذا التوضيح جولتين من القصف قرب معبر رفح. حسب التقارير الواردة من مصر، فقد أصيب في عمليات القصف عاملان مصريان على الأقل. وأحدث القصف أيضاً حفرة عميقة على الشارع المؤدي إلى المعبر، وبذلك أغلق الشارع. محافظ شمال سيناء، محمد عبد الفضيل شوشة، نشر في هذا الأسبوع بأنه أمر أجهزة الإدارة في شمال سيناء بالاستعداد لاستيعاب آلاف اللاجئين من غزة. وأمر بإعداد مبان عامة للسكن، ووضع المستشفيات والعيادات في حالة تأهب عال. وضعت سيارات الإسعاف حول رفح المصرية، وألغيت إجازات الموظفين العامين. وعلى الرغم من تحذير القاهرة لإسرائيل، تدرك مصر بأنها لن تتمكن من وقف آلاف الأشخاص الذين يريدون إيجاد ملجأ لهم في مصر جراء عمليات القصف الكثيفة التي تقوم بها إسرائيل في القطاع.
مسألة المعبر الآمن تجبر إسرائيل على إيجاد حل لنقص الادوية والغذاء والسلع الاساسية الأخرى في الوقت القريب، والتي أصبحت ملحة، بالأساس التنسيق مع مصر لإيجاد طريقة لعلاج الحالات الإنسانية وعلاج المصابين والمرضى الذين كانوا يعتمدون على رعاية طبية مستمرة حتى قبل الحرب. وربما يقتضي هذا التنسيق إدخال هيئات أجنبية مثل الصليب الأحمر ومنظمات الإغاثة الأخرى إلى القطاع، مع تخوف اسرائيل من محاولة الإرهابيين وكبار قادة حماس استغلال المعبر الإنساني للخروج إلى مصر.
في المقابل، إسرائيل لا يمكنها تجاهل تحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأنه إلى جانب دعمه غير المحدود لإسرائيل، فإنه أكد أن “دولاً ديمقراطية مثل إسرائيل والولايات المتحدة تكون آمنة أكثر عندما تعمل حسب القانون. نحن نتمسك بقوانين الحرب، الأمر المهم الذي يحدث الفرق”. معبر آمن للمساعدات الإنسانية هو جزء لا يتجزأ من قوانين الحرب، وإسرائيل ملزمة بها. يضاف إلى ذلك أيضاً اعتبار سياسي كبير جداً يتعلق بالعلاقات بين إسرائيل ومصر، في هذه المرحلة وفي المراحل القادمة التي سيحتاجون فيها إلى وساطة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين. رغم النفي، فقد بدأت اتصالات أولية تشارك فيها مصر وقطر وتركيا، ويبدو ألمانيا أيضاً. مصدر دبلوماسي أوروبي قال للصحيفة بأن الهدف الأول هو إعداد قائمة منظمة لأسماء المخطوفين ووضعهم ومحاولة إعادة النساء والأطفال والمصابين والمرضى على مراحل. ولكن حتى الآن “لا توجد على الطاولة أي ورقة عمل يمكن البدء منها بنقاشات، ضمن أمور أخرى، بسبب عدم وجود إمكانية للحصول على معلومات موثوقة ومؤكدة من حماس”، قال المصدر الأوروبي.
القضية الملحة هي توفير الكهرباء للقطاع، بعد أن أعلنت سلطة الكهرباء أمس في المدينة بأن الوقود نفد في محطة الكهرباء المحلية، بعد أن قطعت إسرائيل تدفق الكهرباء إلى القطاع. وفرت مصر كمية غير كافية من الكهرباء للقطاع في خط قديم للكهرباء، الذي تم وقف تشغيله في 2018. وفي حزيران الماضي، جرت نقاشات بين مصر وحماس بالتنسيق مع إسرائيل على إقامة خط كهرباء جديد بين مصر والقطاع يوفر 100 ميغاواط. هذا الخط استهدف الإجابة لمعظم احتياجات القطاع، لكن المصادقة عليه كانت مرهونة بالموافقة على عملية إعمار القطاع، لكنه نزل عن الأجندة بصورة طبيعية. السؤال هو: هل ستسمح إسرائيل بنقل صهاريج السولار والوقود إلى القطاع من مصر لتوفير الاحتياجات الفورية للمستشفيات والعيادات ومضخات المياه على الأقل؟ حتى الآن، لم يتم النشر عن نية مصر لخرق الحصار الإسرائيلي، لكن الضغط المصري داخل مصر آخذ في الازدياد، وأضيف إليه أيضاً خوف من إيقاف إسرائيل ضخ الغاز الطبيعي الذي تصدره لمصر إذا خرقت مصر الحصار.
هذا الخوف ازداد بعد أن قررت إسرائيل في بداية الأسبوع وقف منشآت الغاز التي تنقل الغاز من حقل “تمار”، وإن كانت شركة “شبرون”، التي هي من أصحاب هذا الموقع، قد أعلنت بأن الغاز سينقل إلى مصر عبر الأردن. إن منع أو حتى تقليص كمية الغاز التي تصدرها إسرائيل لمصر، يعني تعميق أزمة الطاقة في مصر، التي هي في الأصل تعاني من انقطاع الكهرباء، أيضاً من المس بمداخيلها بسبب تقليص بيع الغاز الإسرائيلي السائل لأوروبا. تخوف مصر من الإضرار باقتصادها وباحتياجات مواطنيها يتراكم ويصبح تخوفاً من هبة شعبية ترد على شكل أفلام وتقارير تبرز الوضع الصعب في القطاع. وهذه دفعت مصر للتوجه إلى الإدارة الأمريكية للضغط على إسرائيل كي تسمح بتقديم مساعدات إنسانية ونقل الوقود إلى القطاع. يبدو أن هذا الضغط سيحظى بأذن مصغية لدى واشنطن، التي تعرف جيداً حيوية المعابر الإنسانية. فقد عملت مثل هذه المعابر في سوريا وأوكرانيا حتى تحت ظل القتال الشديد.
في الوقت الذي تواصل فيه الصواريخ والقذائف الانطلاق من غزة نحو إسرائيل، وفي الوقت الذي شكلت فيه إسرائيل “كابنت الطوارئ”، وربما تقوم بفحص أهداف الحرب وطرق الوصول إليها، فإن الوقت ما زال مبكراً للتحدث عن نهاية اللعبة وعن صورة الوضع التي يجب أن تسعى إليها إسرائيل بعد المعركة العسكرية. حتى الآن، لم يسمع أحد عن أي خطة رسمية ومرتبة توضح من الذي سيحكم القطاع عندما ستتوقف النيران. المتحدثون بلسان الحكومة يحذرون التحدث عن تدمير حكم حماس كهدف؛ لأنهم لم يصوغوا حتى الآن إجابة على سؤال من الذي سيحل محل حماس. في الوقت نفسه، تؤكد إسرائيل أنها لا تريد احتلال القطاع، أي أنها لا تنوي إقامة حكم عسكري ومدني فيه.
نظرياً، قد نسلي أنفسنا بفكرة أن إسرائيل ستزيح قيادة حماس، مادياً، أو أنها ستتمكن من إبعادها هي ومقاتليها إلى دولة عربية أخرى كما سمحت لقيادة م.ت.ف بالمغادرة إلى تونس في حرب لبنان الأولى، وستنقل غزة إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، ولكن يبدو أنه لهذه النظرية رأساً دون أرجل. المعارضة والاشمئزاز والغضب تجاه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، عميقة جداً في الضفة الغربية وقطاع غزة. حتى لو وافق على حكم غزة تحت حراب إسرائيل (مثلما يفعل في الضفة)، فثمة شك أنه قد يتمكن من توفير الخدمة التي تطلبها منه إسرائيل.
بدلاً من ذلك، ربما تقيم إسرائيل حكماً محلياً يستند إلى قيادة محلية، وربما تعيين المعروف من قبلها، محمد دحلان، على رأسها. نعم، دحلان، صديق محمد بن زايد، حاكم الإمارات، الذي كان مقرباً جداً من الموساد، وموهبته تكمن في قدرته على الرقص في عدد من الأعراس، بما في ذلك أعراس حماس، حيث حصل في السابق على مكانة الوصي، وحتى إنه تم تخصيص دور رئيسي له في حكومة حماس وفتح الموحدة، إذا تم تشكيل مثل هذه الحكومة. لم يكن بالصدفة أن دحلان أجرى قبل يومين مقابلة مع قناة “الغد” الأردنية، التي أعلن فيها بأنه لا يطمح إلى أن يحل محل عباس. ولكنه لم يكن رفضاً مطلقاً للفكرة، ويبدو أنه لن يرفض الدعوة إذا جاءته. تبقى هذه الآن أفكاراً وتخيلات غير مجمعة في خطة العمل، التي ستأتي كالعادة في اللحظة الأخيرة، بدون إعداد وتحت الضغط.
تسفي برئيل
هآرتس 12/10/2023