قتل ستة متظاهرين بالرصاص في جنوب العراق، الأحد، مع تصاعد العصيان المدني بعد قرابة شهرين من احتجاجات دامية تعتبر بين الأكبر في التاريخ الحديث للبلاد، يقابلها غياب أي أفق لحل سياسي.
وتهز الاحتجاجات بغداد وبعض مدن الجنوب، مطالبة بـ”إسقاط النظام” وإجراء إصلاحات واسعة، ويتهم المحتجون الطبقة السياسية بـ”الفساد” و”الفشل” في إدارة البلاد.
وقتل نحو 350 شخصا، غالبيتهم متظاهرون، منذ بدء موجة الاحتجاجات في الأول من أكتوبر الماضي.
وفي الناصرية التي تعد مع الديوانية، رأس الحربة في موجة احتجاجات الجنوب، قتل ثلاثة متظاهرين بالرصاص في مواجهات مع القوات الأمنية ليل السبت الأحد، وفق مصادر طبية.
وأوضحت المصادر لوكالة فرانس برس أن 53 متظاهرا جرحوا بين ليل السبت ووقت مبكر صباح الأحد، بأول أيام الأسبوع في العراق.
وقتل ثلاثة متظاهرين في أم قصر في محافظة البصرة الغنية بالنفط، بحسب ما أفادت به مفوضية حقوق الإنسان في البصرة، مشيرة إلى أن الإصابات وقعت جراء إطلاق “الرصاص الحي” في المدينة التي تضم ميناء أم قصر المرفق الحيوي للبلاد لاستيراد المواد الغذائية والأدوية.
تصاعد حدة العصيان
وشهد الأحد تصاعدا في حدة العصيان المدني في مدن الجنوب. وقام المتظاهرون في الناصرية بحرق الإطارات المطاطية وقطع الجسور الخمسة التي تعبر نهر الفرات للربط بين شطري المدينة.
وفي البصرة، أشار مراسل فرانس برس إلى أن المحتجين عمدوا صباحا إلى قطع بعض الطرق الرئيسية ومنها المؤدي إلى ميناء أم قصر.
ومنذ بدء الاحتجاجات، تأثر عمل هذا الميناء مرارا جراء قطع الطرق. وبحسب المراسل، أطلقت قوات الأمن الرصاص لتفريق المحتجين.
وبعدما جمدت الاحتجاجات المتواصلة منذ الشهر الماضي العديد من مناحي دورة الحياة في مدن الجنوب، لا سيما على صعيد المدارس والدوائر الرسمية، أتت الاحتجاجات المتجددة الأحد غداة قرار من وزارة التربية العراقية هدف إلى إعادة فتح المدارس التي انضم طلابها إلى التظاهرات بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة في مناطق مختلفة.
لكن البيان لم يلق صدى في الناصرية، حيث أشار مراسل فرانس برس إلى أن المدارس بقيت مغلقة، ومثلها غالبية الدوائر الحكومية التي تجمع خارجها محتجون رفعوا لافتات كتب عليها “مغلقة بأمر من الشعب”.
واتسعت رقعة الاحتجاجات في الناصرية الواقعة على مسافة 300 كلم جنوب بغداد، لتشمل حرق مبنى الوقف الشيعي، وإقفال طرق مؤدية إلى مقر شركة نفط ذي قار (شرق)، وحقل كطيعة النفطي (شمال).
كما بقيت غالبية الدوائر الحكومية والمدارس مغلقة في مدن الحلة والديوانية والنجف والكوت والعمارة والبصرة، وفقا لمراسلي فرانس برس.
وفي ساحة الاحتجاج أمام مبنى مجلس المحافظة وسط العمارة، قال المتظاهر سالم حسن “لا نخاف تهديدات المسؤولين وقطع الرواتب لمن يتخلف عن الدوام الرسمي. راتبنا لا يساوي قطرة دم نزفت من متظاهر”، مضيفا “لن نسكت عن همجية السياسيين وتسويفهم لمطالبنا”.
احتجاجات مستمرة في بغداد
وتأتي هذه التحركات غداة مقتل متظاهرين بالرصاص المطاطي في مواجهات بين محتجين والقوات الأمنية في بغداد، ما رفع إلى 10 عدد الذين قضوا في مواجهات في العاصمة منذ ليل الأربعاء الخميس.
وواصل المحتجون، الأحد، اعتصامهم في العاصمة لا سيما في ساحة التحرير وعلى مقربة من ثلاثة جسور مقطوعة هي الجمهورية والسنك والأحرار. وقال متظاهر فضّل عدم كشف اسمه لفرانس برس “باقون في أماكننا ولن نتحرك حتى إسقاط الحكومة وتنفيذ مطالب المتظاهرين”.
وشدد من ساحة التحرير على أنه “لن نتزحزح من هنا ولا لخطوة واحدة”.
رصاص حي في كربلاء
وشهدت مدينة كربلاء الواقعة على نحو 100 كلم جنوب بغداد، مواجهات ليل السبت الأحد بين قوى الأمن والمتظاهرين، بحسب مراسل فرانس برس.
وتبادل الطرفان قنابل المولوتوف الحارقة، بينما اتهم محتجون قوات الأمن باستخدام الرصاص الحي خلال الليل.
واندلعت مواجهات واسعة بين الطرفين ليل السبت الأحد في الشوارع والأزقة، حيث حاول المحتجون التحصن خلف عوائق حديدية، وقاموا برمي مقذوفات نحو قوات الأمن وتوجيه أشعة ليزر خضراء نحو أفرادها.
وقال أحد المحتجين إن القوات الأمنية “تقوم برمي المولوتوف على البيوت ورؤوس المتظاهرين، وبعد الـ12 بالليل يبدأ إطلاق الرصاص الحي”.
وقال متظاهر آخر في كربلاء لفرانس برس “المطالب واضحة: إسقاط هذه الحكومة الفاسدة” التي تولت مهامها قبل نحو 13 شهرا.
وعلى الرغم من وعود حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بإجراء إصلاحات وتقديم معونات اجتماعية وصولا إلى تعديلات وزارية، لم يؤد ذلك إلى الحد من الاحتجاجات غير المسبوقة على هذا النطاق منذ الغزو الأميركي وإسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003.
وانعكست الاحتجاجات بشكل واسع على قطاعات اقتصادية مختلفة في العراق، ثاني أكبر منتجي النفط في العالم ضمن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بعد السعودية، والذي يتهم المحتجون طبقته السياسية بنهب هذه المصادر المالية بالفساد والمحسوبيات والمحاصصة.
وتدرس الحكومة في الوقت الراهن مشروع قانون موازنة عام 2020 قبل رفعه إلى البرلمان. وبحسب مصادر حكومة، يتوقع أن تكون موازنة السنة المقبلة من الأكبر حتى الآن، علما بأن موازنة 2019 كانت الأكبر في مرحلة ما بعد صدام حسين، وبلغ حجمها 111 مليار دولار.
ويأتي ذلك غداة قيام نائب الرئيس مايك بنس، السبت، بزيارة سريعة إلى العراق شملت تفقد قوات بلاده في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، ولقاء رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني في مدينة أربيل، بينما اكتفى باتصال هاتفي مع عبد المهدي.
وقال مسؤول أميركي رافق بنس في زيارته، إن “أسبابا أمنية” حالت دون زيارته بغداد للقاء المسؤولين هناك.
المصدر : قناة الحرة