مع عرض المقترحات الواردة في ميزانية السنة الإيرانية الجديدة – التي ستبدأ في 21 آذار/مارس 2018 – ثار اعتراض شعبي بسبب زيادة الإنفاق على الكليات الدينية مقارنة بما يُنفق على الكليات الأخرى. كما اعترض على ذلك أيضاً رجال الدين من المعسكر الإصلاحي, الذين يرون أن الميزانيات المفرطة للكليات الدينية تأتي على حساب العاطلين والفقراء، مما يزيد من كراهية الشعب للمؤسسة الدينية.
وفي هذا السياق نشر موقع (منتدى التفكير الإقليمي) في إسرائيل؛ مقالاً للكاتب المتخصص في الشؤون الإيرانية، “راز تسيمت”، أكد فيه على تراجع مكانة رجال الدين في إيران، وزيادة حدة الغضب الشعبي بسبب تخصيص ميزانيات ضخمة للمؤسسات الدينية بدلاً من توجيه تلك الأموال لحل مشاكل الطبقات الفقيرة.
إرتفاع ميزانية الكليات الدينية..
يقول “تسيمت”: بعدما تقدم الرئيس، “حسن روحاني”، خلال الشهر الماضي، بالميزانية المقترحة للسنة الإيرانية الجديدة، لإقرارها من البرلمان, تعالت خلال الأسابيع الأخيرة انتقادات شديدة ضد الميزانية المخصصة للمؤسسات الدينية، وعلى رأسها الكليات. وما أجج الغضب الشعبي أن الميزانية الجديدة تتضمن زيادة الأعباء الضريبية وإرتفاع أسعار الوقود وتخفيض أعداد المستحقين للمخصصات مالية، بالإضافة إلى زيادة ميزانية المؤسسات الدينية بنسبة 10%، أي ما يفوق “000 2” مليار تومان، (550 مليون دولار).
وتشير البيانات الأخيرة إلى أن ميزانية الكليات الدينية زادت بنسبة 26% خلال فترة ولاية “روحاني”، مقارنة بميزانية التعليم والصحة على سبيل المثال، التي لم تتجاوز نسبة زيادتها 17%.
الفقراء أولى من المؤسسات الدينية..
تعرضت الميزانية المقترحة لانتقادات عامة من قبل أغلب الفئات الاجتماعية، التي ترى ضرورة توجيه الموارد الضخمة المخصصة للمؤسسات الدينية إلى مجالات أخرى لحل المشاكل الاقتصادية للمواطنين.
وتأتي تلك الانتقادات في أعقاب الاحتجاجات التي إندلعت في شهر كانون أول/ديسمبر الماضي في مدينة “مشهد”، وسرعان ما انتشرت إلى جميع أنحاء البلاد، متخذة طابعاً سياسياً مناهضاً للنظام. فخلال تلك المظاهرات التي قادها العمال والطبقات الفقيرة، تعالت الهتافات ضد النظام بقيادة، “علي خامنئي”، وضد السياسة الإيرانية تجاه الشرق الأوسط، التي تكلف الدولة ثمناً اقتصادياً باهظاً بدلاً من حل أزمات ومشاكل المجتمع الإيراني.
لا وجه للمقارنة..
تطرق الكاتب الإسرائيلي إلى مقال نشره موقع (تبناك) الفارسي، في نهاية كانون أول/ديسمبر الماضي, ويدعو عمداء الكليات الدينية إلى ضرورة مراجعة مواقفهم وسؤال أنفسهم: “لماذا يثير تخصيص الميزانيات لمؤسساتهم كل تلك الانتقادات الجماهيرية ؟”. وأكد المقال على أنه لا مجال للمقارنة بين الدعم الحكومي للكليات الدينية ودعم الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، التي لا تمتلك مصادر دخل إضافية، كالتي تمتلكها الكليات الدينية مثل التبرعات العامة والأوقاف الإسلامية.
وعلاوة على ذلك، ففي حين يحصل طلاب الكليات الدينية على رواتب شهرية، حتى لو ضئيلة، فإن طلاب الجامعات العادية لا يحصلون على شيء، بل إنهم مطالبون بدفع جزء من المصروفات، مثل مقابل السكن في المدن الجامعية. ولا يوجد سبب يمنع طالب الدكتوراه في الجامعة من الحصول على راتب، في حين يحصل كل طالب ديني على راتب شهري.
رجال الدين يدافعون عن ميزانياتهم..
رداً على تلك الانتقادات، هب كبار مسؤولي المعاهد والكليات الدينية للدفاع عن الميزانيات الممنوجة لهم, زاعمين أن كل ما تحصل عليه مؤسساتهم لا يبلغ حتى نصف ميزانية “جامعة طهران”. وأكد المتحدث باسم المعاهد والكليات الدينية، “عباس رفعتي”، على أن ما يُقال عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول ميزانية المعاهد والكليات الدينية هو من قبيل الدعاية التي تروجها “عناصر مناهضة للثورة”؛ بهدف إضعاف مكانة رجال الدين.
علماً بأن 10٪ فقط من ميزانيات المؤسسات الدينية تأتي من الحكومة، والباقي يأتي معظمه من التبرعات والأوقاف الإسلامية. مضيفاً “رفعتي”: أن معظم طلاب المؤسسات الدينية في إيران يعيشون تحت خط الفقر، وأغلب الميزانية الحكومية مخصصة لإنشاء المدارس ودعم الأنشطة الثقافية، وليس لمساعدة الطلاب.
كما هب خطيب جمعة طهران، “آية الله كاظم صديقي”، للدفاع عن الكليات الدينية وطالب بزيادة ميزانيتها لأنها، بحسب زعمه، أقل من ميزانية الجامعات. وأشار “صديقي” إلى أنه إذا ما رغبت السلطات الإيرانية في نشر القيم الدينية بين فئات المجتمع, فعليها أن توفر الميزانيات الكافية لصالح الكليات والمراكز الثقافية والدينية.
تفنيد مزاعم رجال الدين..
في المقابل، وجه الأستاذ، “صادق زيبا كلام” – المحلل السياسي البارز في “جامعة طهران”، والذي ينتمي للمعسكر الإصلاحي – رسالة تفصيلية لتصحيح ما جاء على لسان “صديقي”. حيث أشار “زيبا كلام” إلى أنه بفحص ميزانية 44 مؤسسة وصندوق ومنظمة دينية وثقافية تبين أن ميزانية الكليات الدينية ضخمة للغاية مقارنة بميزانية الجامعات. فعلى سبيل المثال، تحصل جامعة “أمير كبير” التكنولوجية في طهران, وجامعة “تبريز” على ميزانية حكومية سنوية تبلغ حوالي 250 مليار تومان لكل منهما، (بما يعادل قرابة 68 مليون دولار)، وذلك مقابل 400 مليار تومان، (أي قرابة 110 مليون دولار)، المخصصة للمجلس الأعلى للكليات الدينية، وهناك 353 مليار تومان، (قرابة 95 مليون دولار)، لدعم الطلاب الدينيين لما قبل المرحلة الجامعية و380 مليار تومان، (حوالي 104 مليون دولار)، لهيئة الإرشاد الإسلامية، و300 مليار تومان، (حوالي 82 مليون دولار)، لجمعية “المصطفى” العالمية؛ التي تقوم بتأهيل رجال الدين من غير الإيرانيين.
كما أشار “زيبا كلام” إلى أن ميزانية حماية البيئية، التى تبلغ قرابة 300 مليار تومان، (82 مليون دولار تقريباً)، تعتبر أقل من ميزانية المؤسسات الدينية. وأضاف أن بنود الموازنة بالنسبة لجميع المؤسسات الثقافية والدينية، باستثناء “وزارة الإرشاد الإسلامي”، لا تخضع للرقابة الحكومية, على عكس الجامعات.
موقف الإصلاحيين..
جدير بالذكر أن تلك القضية قد أثارت أيضاً انتقاد رجال الدين المنتسبين للمعسكر الإصلاحي، ومنهم “محمد تقي”، الذي نوه في مقابلة صحافية إلى أن الحصول على ميزانيات حكومية يضر باستقلال الكليات الدينية ويدفع عامة الناس إلى كراهية رجال الدين, ففي الوقت الذي تتزايد فيه الميزانيات الدينية، يتراجع أثر الدين على المجتمع وتنهار ثقة الجماهير في المؤسسات الدينية، وبالتالي يجب مراعاة مطلب الجماهير وتوجيه الميزانيات لدعم المحتاجين.
وأضاف “تقي” أنه كلما زادت استقلالية رجال الدين، كلما تحسنت صورتهم لدى الجماهير. كما أنضم آية الله “يوسف صانعي”، كبير رجال الدين الإصلاحيين، إلى تلك الانتقادات وحذر من خطر الفساد. وقال إن الكليات الدينية يجب أن تكون مستقلة عن الحكومة؛ وينبغي توجيه الميزانية الحكومية لصالح العاطلين والمحتاجين.
رجال الدين يُحسبون على النظام..
يؤكد الكاتب الإسرائيلي، في الختام، على أن الانتقادات العامة لميزانية الكليات الدينية تُعد بمثابة دليل آخر على تنامي السخط الجماهيري في إيران تجاه المؤسسة الدينية, وعلى تراجع مكانة رجال الدين. كما أن حملة التسييس المفرطة للخطاب الديني في إيران وفشل النظام في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى انتشار الفساد, كل ذلك قلل من إقبال الجماهير على الدين، وبات رجال الدين الآن يُحسبون على النظام ويتحملون مظالمه إلى حد كبير.