بقلم: أحمد صبري
هي مقاربة بَيْنَ مشهدَيْنِ تداخلت فيهما الصوَر والمواقف سطَّرها في دُرر الكلام الشَّاعر العراقي رياض عبدالعزيز النَّجم الَّذي جالَ في رحلة شعريَّة بَيْنَ حمام القدس الشَّريف والأقصى المبارك وما بَيْنَهما، مستلهِمًا في معارضاته لبعض قصائد أمير الشُّعراء أحمد شوقي ونزار قباني.
ومِثلما كانت مناجاة حمام المسجد الأقصى والقدس الشَّريف تُمثِّل الثَّبات وعشق الوطن بإرادة الصمود والبقاء رغم وحشيَّة الغاصبِينَ فإنَّها جسَّدت رمزيَّة المكانَيْنِ في وجدان وضمير العراقيِّين والأُمَّة بِرُمَّتها.
وحوَّل النَّجم ديوان شعره (ديوان الحمامة) إلى لوحة تصويريَّة مُبدعة للأفكار والوقائع تبارَتْ حروفها في عزفٍ موسيقيٍّ مُلهِم وجميل. و(ديوان الحمامة) ـ للمُكنَّى بشاعر الزَّمن الجميل ـ يحتوي على ثلاث مجموعات شعريَّة في قضايا الوطن العربي والأُمَّة العربيَّة والعالَم زادت من أهميَّتها ملامستهما نبض الشَّارع العراقي وهمومه وانكساراته وتحدِّياته وتمسُّكه بثوابت العمل القومي العربي، ودرء معاول الهدمِ لمستقبل الأُمَّة ومشروعها التَّنويري.
والقصائد الَّتي تضمَّنها ديوان النَّجم هي لوحات تشكيليَّة أوحتْ بالمعاني والقِيَم النَّبيلة المُفعمة بالصِّدق، ارتقَى بها إلى سلَّم الحقيقة والذِّكريات في عوالم الانتصار والانكسار الَّتي مرَّت على الأُمَّة وأقطارها. والقارئ لقصائد (ديوان الحمامة) يجدها في قمَّة التَّناغم والاختيار والتَّدرُّج النَّوعي والشَّكلي، ما زادها ألَقًا واهتمامًا بالموروث الشَّعبي في قصائد الديوان.
وفي مقدِّمة الديوان يصِفُ المستشار سعيد النعمان منجز النَّجم بأنَّه محاولة لتوأمة مشهد الحمام في القدس والأقصى، في مناجاة قلَّ نظيرها تحكي قصَّة شَعبٍ أبيٍّ مقاوِم متمسِّك بقضيَّته العادلة مهما كانتِ الصِّعاب والمُعوِّقات. وما يجري في غزَّة والضفَّة الغربيَّة الدَّليل على أصالة هذا الشَّعب ورفضِه لمحاولات التَّنازل عن الحقوق المشروعة في مقدِّمتها الدَّولة الفلسطينيَّة وعاصمتها القدس الشَّريف.
ومِثلما توقَّف شاعر الزَّمن الجميل عِند مدينة الأعظميَّة في رصافة بغداد لبهائها وأصالتها ومكانتها كمدينة مقاوِمة عَبْرَ قصائد أظهرت دَوْرها في أحداث العراق، فإنَّ كرخ بغداد هي توأم الأعظميَّة في ذات السِّياق، والدَّوْر والمكانة لم يغفلها المؤلِّف مع باقي مُدُن العراق.
ولا نُبالغ إذا قُلنا إنَّ الحمام في المسجد الأقصى المبارك في ديوان النَّجم هو عالَم غريب يعيش بَيْنَ البَشَر آمِنًا مطمئنًّا يسبِّح باسْمِ الله، ويشدو بالحُبِّ والشَّجن بآهاتٍ ودعاء، في مناجاة ألفه المسجد الأقصى كما حمام القدس الشَّريف، في مفارقة تعكس وحدة المكانَيْنِ ورمزيَّتهما عِند العرب. وحمام الأقصى والقدس واستلهامًا لِصوَرهما عَبْرَ الثَّبات والبقاء وعشق الوطن؛ لكونِ الحمامة هي رمزُ الحُب بأنواعه وما لهَا من مكانة عِند مُحبِّيها في النُّفوس في التُّراث الشَّعبي، لا سِيَّما لدَى العراقيِّين في أهازيجهم الشَّعبيَّة هي رسول المَحبَّة والسَّلام.
لقد جاء اختيار الحمامة عنوانًا لديوان شاعر الزَّمن الجميل رياض النَّجم، وقصائده في الحماسة والفكر وفلسفة الحياة وقِيَم ومبادئ أُمَّة العرب والأحاسيس والعاطفة الإنسانيَّة الَّتي تنبض في قلْبِ المُحبِّينَ في كُلِّ زمان ومكان. إنَّ ما احتواه (ديوان الحمامة) جديرٌ بأن يكُونَ إضافةً متميزة في المكتبة العربيَّة ودواوين الشِّعر العربي ودُرر الكلام المُعبِّرة عن واقع الحياة بألوانها في مجال الفكر والمشاعر والحكمة والكفاح.
*كاتب عراقي