في العام 2017، خاضت روسيا حرباً دموية وبدون تمييز دعماً لنظام وحشي في سورية؛ وسلّحت الثوار الذين يحتلون شرقي أوكرانيا؛ وواصلت حملتها الدعائية التي تستهدف الانتخابات في الديمقراطيات الغربية -الحملة نفسها التي ساعدت في وضع دونالد ترامب في البيت الأبيض.
والآن، ما من سبب للاعتقاد بأن العام 2018 سيكون مختلفاً. وفي تجاهل لإعجاب ترامب الشخصي بفلاديمير بوتين ونظامه الأوتوقراطي، سمى فريق الأمن القومي في إدارة ترامب روسيا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي كأحد أكبر التهديدات التي تواجه المصالح الأميركية. لكن من غير الواضح ما الذي ستقوم الإدارة المنقسمة لرئيس متواطئ بعمله من أجل مواجهة روسيا منبعثة مجدداً.
من الممكن أن يكون العام الجديد خطيراً، بينما تواصل روسيا هجماتها على الغرب ومصالحه، وبينما تصارع أميركا وحلفاؤها للرد بطريقة متساوقة. وقد حذر “مجلس الأطلسي” الذي يتخذ من واشطن العاصمة مركزا له من أن “النتيجة الصافية لكل هذا ستتمثل في تآكل للاستقرار والسلام في العالم”.
في أواخر العام 2015، تدخلت القوات الروسية في الحرب الأهلية السورية التي كان قد مضى على بدئها أربعة أعوام. وقصفت سفن وطائرات موسكو المقاتلين المعادين للنظام. وشنت القوات الروسية الخاصة مئات الغارات التي استهدفت زعماء المعارضة. وأصرت موسكو على القول إن هدفها كان تدمير تنظيم “داعش”، لكن العديد من الهجمات الروسية ضربت مجتمعات ومجموعات تقاتل بنشاط هذه المجموعة الإرهابية.
في الحقيقة، تبقى حرب بوتين في سورية منسجمة مع فكرة “الدعم الروسي لحليف منذ وقت طويل ومع موقف روسيا المناهض لسياسة تغيير النظام”، طبقاً لما ذكرته المؤسسة الفكرية “راند” التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقراً لها. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون من شأن الحفاظ على نظام رجل سورية القوي، بشار الأسد، أن يحافظ على القاعدتين البحرية والجوية الروسيتين في سورية –ومعهما الخيارات لحملات مستقبلية ممكنة ضد الناتو والغرب. وقد شرحت “راند” ذلك بالقول: “إن هاتين القاعدتين تستطيعان تمكين روسيا من تحدي الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة”.
لا يجب أن يكون مفاجئاً إذن أن تعلن روسيا عن خطط لتواجد عسكري دائم في سورية، حتى مع تقهقر “داعش” وخروجه من البلد. وقال الكرملين: “سوف يركز تجمع القوة الروسية جهوده الرئيسية لتقديم الدعم للسوريين على صعيد استعادة الحياة السلمية ومراقبة اتفاقيات وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها”.
لكن حرب موسكو في سورية يمكن أن تكون نذيراً بتدخلات أخرى مستقبلية. ومتشجعة باستدامة نظام الأسد، من الممكن أن تقحم روسيا نفسها مباشرة في نزاعات إقليمية أخرى حيث تتطلع إلى كسب قواعد استراتيجية. وكانت روسيا قد عززت في العام 2017 دعمها للجيش الوطني الليبي، الجناح المسلح لواحد من المنظمات العديدة المتنافسة في ليبيا، البلد الآخر المطل على البحر الأبيض المتوسط.
بينما تدخلت روسيا في سورية للمحافظة على الحكومة القائمة في العام 2014، فقد غزت أوكرانيا في محاولة لزعزعة استقرار حكومة كانت تستعد للتحول نحو الغرب. وفي تكرار لاستراتيجية استخدمتها روسيا وبأثر حاسم في جمهورية جورجيا في العام 2008، استولت قوات روسية بسرعة على شبه جزيرة القرم الاستراتيجية الأوكرانية قبل أن تتولى الاضطلاع بدور أقل مباشرة في تزويد ودعم الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة الدونباس الشرقية.
وقد استمر ذلك النزاع طيلة العام 2017، على الرغم من التوصل إلى وقف رسمي لإطلاق النار في العام 2015. وفي خطوة مفاجئة في كانون الثاني (ديسمبر)، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي ترامب أنها ستسمح للشركات الأميركية ببيع بعض أصناف الأسلحة لأوكرانيا -في انقلاب على سياسة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما التي قضت بإرسال إمدادات غير قاتلة فقط إلى ذلك البلد المحاصر.
وفي المقابل، أدانت روسيا مبيعات الأسلحة المحتملة، مدعية بأنها قد تفضي إلى تصعيد الصراع. وقال عضو البرلمان الروسي، فرانز كلينسيفتش: “في الحقيقة، يدفع الأميركيون القوات الأوكرانية نحو حرب”. ولا يهم ما كانت موسكو قد فعلته متعمدة على مدى أعوام لتسعير الحرب الأوكرانية من أجل إضعاف جارة متوجسة، وضمان إحكام قبضتها على الأراضي المتنازع عليها.
كانت ثلاث سنوات من الحرب كافية لمحلل أميركي بارز واحد على الأقل -واستطاعت أن تؤشر على النجاح النهائي الذي ستحققه مغامرة بوتين في أوكرانيا في العام 2018 أو بعدها. وقد كتب مايكل أوهانلون من معهد بروكينغز في واشنطن العاصمة: “ثمة طريقة واحدة وحسب نستطيع من خلالها خفض خطر اندلاع حرب بين الناتو وروسيا، من دون التنازل عن قيمنا أو التضحية بمصالح حلفائنا وأصدقائنا”.
“وهي تبدأ بالاعتراف بأن توسع الناتو، مع كل إنجازاته الماضية، قد ذهب إلى ما فيه الكفاية. يجب علينا أن نسعى -إذا أدى بوتين ما عليه- إلى خلق هندسة أمنية جديدة لأوروبا الشرقية، والتي تستبعد صراحة جلب بلدان مثل أوكرانيا وجورجيا إلى التحالف الذي يضم 29 عضواً”.
وسوف يعني اقتراح أوهانلون -إذا نال قبولاً واسعاً- مكافأة روسيا من الناحية الأساسية على غزوها جارتها من أجل سحق إرادة الناخبين. ومن شأن ذلك أن يشجع موسكو على مضاعفة ما وصفت بأنها الاستراتيجية الأكثر فعالية حتى اليوم -ونشر أخبار مزيفة لتقويض الانتخابات الديمقراطية في البلدان المنافسة من دون اللجوء إلى الزج بدباباتها وبقواتها الخاصة.
من بين انتخابات أخرى، تدخلت موسكو في استفتاء “البريكسيت” في المملكة المتحدة، وفي الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016، وفي انتخابات الرئاسة الفرنسية في العام 2017. لكن الانتخابات الفرنسية لم يسر حسب ما أرادت موسكو، على عكس التصويتين، البريطاني والأميركي.
كتبت إلينا بولياكوفا من “مجلس الأطلسي”: “أرسل التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016 إشارة إلى الغرب: أن المجتمعات الديمقراطية ضعيفة بشكل كبير أمام التأثير الخارجي”. لكن من غير المؤكد ما إذا كانت الحكومة الأميركية ستفعل أي شيء للتخفيف من ذلك الضعف.
إذا استمر الديمقراطيون المناهضون لترامب في اتجاه فوزهم الأخير وهيمنوا على انتخابات نصف الفترة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، فسيكون باستطاعتهم عندئذٍ توجيه ضربة قوية إلى العناصر الموالية لروسيا في داخل إدارة ترامب. ومع بدء الانتخابات التمهيدية في الربيع المقبل، ينفد الوقت من المشرعين لتأمين التصويت بأمن سيبراني أفضل، على سبيل المثال. وقد أقر رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، السناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الشمالية، بأنه “لم يتبق وقت طويل، ما من شك في ذلك”.
على المستوى الاستراتيجي، تمتعت روسيا بسنة ناجحة في 2017؛ حيث غيرت الانتخابات وزعزعت استقرار المنافسين، وأوصلت الأنظمة الصديقة إلى بر الأمان، وضمنت الوصول إلى قواعد حيوية. ومن المؤكد تقريباً أن تواصل موسكو هذه الاستراتيجية في العام 2018. والسؤال هو ما الذي ستفعله أهداف عدوان الكرملين لوقف هذا العدوان.
ديفيد آكس