حاورت قناة “فوكس نيوز” الأمريكية الشهيرة أمس، بول بريمر رئيس سلطة التحالف المؤقتة التي قادت العراق لأكثر من عام في المراحل المبكرة للاحتلال الأمريكي في عام 2003 والذي انتقدت سياساته واعتبرت هي التي قادت إلى الفوضى، وعدم الاستقرار لأكثر من عقد من الزمان.
فمن اجتثاث حزب البعث إلى تفكيك الجيش العراقي، كما اعتبرت السياسات الأميركية التي نفذت في عهد بريمر مسؤولة أحيانا عن كل شيء من حل الدولة في العراق إلى ارتفاع داعش في عام 2014.
*فوكس نيوز: إذا نظرنا إلى الوراء في حكمكم للعراق وما حدث منذ ذلك الحين، ما الذي نجح وما الذي فشل؟
بريمر: القصة غير المكتوبة للعراق هي مدى نجاحه على الرغم من كل المشاكل، داعش وكل شيء آخر. فهناك بلد أجرى أربع انتخابات، واستفتاء، وانتخابات إقليمية. عندما جاء (رئيس الوزراء الحالي) حيدر العبادي إلى المنصب (في أغسطس 2014) فكان ذلك رابع نقل سلمي ناجح للسلطة في العراق، وهو رقم قياسي في العالم العربي، ربما باستثناء لبنان. وقبل ذلك كتب العراقيون الدستور ووافقوا عليه، وكانوا يتبعون الدستور من حيث أحكامه الانتخابية.
في تاريخ العراق، هذه هي المرة الأولى والعالم العربي، وهذا غير عادي جدا. إن التزامهم السياسي بمحاولة إقامة حكومة تمثيلية منتخبة مثير للإعجاب.
*فوكس نيوز: ومع ذلك، غالبا ما ينظر الناس إلى حرب العراق كخطأ.
بريمر: يبدو لي أن الحكمة التقليدية حول العراق كخطأ كبير لا تركز على الحقائق على الأرض. وفي الإنصاف، يتعين على المرء أيضا أن يضيف إن العراق – مثل جميع منتجي النفط – قد تعثر بالفعل بسبب انخفاض أسعار النفط. لذلك كانت الضغوط الاقتصادية، التي تؤثر على كل شيء آخر، مشكلة أيضا.
ولا يزال الأمن يمثل مشكلة كبيرة أيضا. الدرس الذي تعلمته هناك هو ما شعرت به مبكرا بأننا كنا نملك نقصا في عدد قوات الأمن حتى عام 2007 عندما غير الرئيس بوش الاستراتيجية، ونفذ استراتيجية مكافحة الإرهاب التي هزمت تنظيم القاعدة في العراق بحلول نهاية عام 2008، على نحو فعال في عام 2009 عندما جاءت الإدارة الجديدة، قال الرئيس أنهم ورثوا عراقا مستقرا وهذا كان صحيحا نسبيا.
*فوكس نيوز: ما هو الحدث الخطأ؟
بريمر: الخطأ الكبير تم بسحب القوات الأمريكية من العراق في عام 2011، الذي فتح الباب لداعش ليأتي ويستولي على ثلث البلاد. لقد أدرك الرئيس أوباما أن هذا خطأ، وبدأت عملية التعزيز مرة أخرى التي أدت بنا إلى ما نحن عليه الآن.
الشيء الذي لم ينجح هو سحب أمريكا بشكل فعال دعمها المادي والسياسي للحكومة العراقية في عام 2011. نحن بحاجة إلى التزام مستمر لمساعدة العراقيين على تطوير قواتهم وتدريبهم على هزيمة تنظيم القاعدة أولا ثم داعش، الذي الإصدار الثاني من القاعدة. ولا يمكننا تكرار ذلك الخطأ.
*فوكس نيوز: يشير منتقدوك في كثير من الأحيان إلى سياسة “اجتثاث البعث” في العراق، التي تركت عشرات القادة من حزب البعث المدربين تدريبا جيدا دون وظائف أو آفاق في الحياة، وأصبح العديد منهم لاحقا قادة في داعش؟
بريمر: “اجتثاث البعث” وافق عليه جميع العراقيين (المعارضين) الذين استشارتهم وزارة الخارجية قبل الغزو. وقد صيغ هذا النظام في واشنطن قبل أن أذهب لاستلام الحكم هناك. لكنني ارتكبت خطأ، وكان ذلك هو تسليم تنفيذ قرار الاجتثاث إلى مجلس الحكم العراقي الذي أنشأ بعد ذلك لجنة اجتثاث البعث التي توسعت بشكل خطير جدا على حساب القانون الأصلي.
المصالحة هي دائما أصعب شيء في أي حالة ما بعد الصراع، والتعامل الفعال مع حزب البعث ينطوي على مسألة المصالحة.
*فوكس نيوز: هناك مخاوف واسعة النطاق من أن طهران لها تأثير كبير جدا في بغداد. هل هذا مشكلة كبيرة تحول دون مضي العراق قدما؟
بريمر: تمثل المشاركة الإيرانية الكبيرة، لا سيما من خلال وحدات الحشد الشعبي، تحديا حقيقيا لبغداد. والسؤال الآن هو أن بعد مهمة هزيمة داعش، فماذا نفعل معهم؟ هناك أكثر من 100 ألف عنصر في الحشد. إن الوجود الإيراني الواسع النطاق، لا سيما من خلال قوات الأمن، يعقد هذه المشكلة بالنسبة لرئيس الوزراء.
*فوكس نيوز: هناك الكثير من الحجج حول الفكرة القائلة بأن العراق الموحد لن يعمل، وبالتالي فالأكراد – وغيرهم – يطرحون قضية تفكيك العراق. هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين الوضع الأمني، أو جعله أسوأ؟
بريمر: أعتقد أنه سيؤدي إلى وضع أسوأ. إذا تفكك العراق فسيبدأ أولا وقبل كل شيء، اضطراب داخلي وثانيا، من المرجح أن تتدخل بعض البلدان المجاورة مثل تركيا وإيران، فكلاهما يضمان مجموعات كردية كبيرة وغير مريحة للغاية. ولن يتسامح أي من هذين البلدين مع كردستان المستقلة، لذلك لا أعتقد أنها فكرة جيدة جدا.
*فوكس نيوز: هل كان لديك أي مؤشرات على نوع الطائفية التي روّج لها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي؟
بريمر: إذا نظرتم إلى ما فعله المالكي، فقد جاء إلى واشنطن وسمع من الرئيس أوباما أننا سننسحب في نهاية عام 2011. ثم فعل ثلاثة أشياء. وعاد إلى وطنه وأصدر مذكرة بالقبض على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، الذي لا يزال في المنفى في تركيا. ثم قطع التعاون مع الأكراد ولم يرسل لهم أموالهم. والأهم من ذلك أنه بدأ عملية تطهير واسعة النطاق للجيش العراقي المدرب من قبل الولايات المتحدة. لقد سمعت من العراقيين أن التطهير ضمن للضباط الشيعة المؤيدين له أن يكون لهم اليد الطولى.
*فوكس نيوز: الآن داعش هزمت رسميا في العراق، هل ستحافظ الولايات المتحدة على وجود هناك على المدى الطويل؟
بريمر: أعتقد أننا يجب أن نوضح للحكومة العراقية وجيرانها أننا نعتزم البقاء هناك طالما تريد الحكومة العراقية أن نكون هناك. كم من الوقت، أنا لا أعرف. ولكن ذلك في مصلحة أمريكا وليس مصلحة العراقيين فقط. في مصلحتنا اذا استثمرنا قدرا كبيرا في العراق، واذا نجح هيكله السياسي والاقتصادي. ينبغي أن نكون على استعداد للبقاء والدفاع عن تلك النجاحات طالما أن الحكومة العراقية تريد منا أن نكون هناك.
*فوكس نيوز: ما هو أي شيء فعلته في العراق وأنت فخور به اليوم؟
بريمر: أعتقد أن مساعدة العراقيين على وضع الدستور الحديث مع الضوابط والتوازنات، والطريق إلى حكومة منتخبة يختارها الشعب العراقي. كان ذلك هو أنجح ما فعلناه.