عار البرلمان
بقلم” د.باسل حسين
صدمني خبر مفاده ان كتل كبيرة في البرلمان تدفع باتجاه عدم وضع نص يمنع فيه الفاسدين والمرتشين ممن شملهم قانون العفو بالترشح الى انتخابات محلس النواب وذلك في مناقشة تعديل قانون انتخاب مجلس النواب العراقي. ويبدو ان من يسعى الى عدم منع الفاسدين من الترشح ، اما هو فاسد ويخشى على نفسه مستقبلا او ان كتلته فاسدة ولديه اوامر بالدفع اتجاه منح الفاسدين فرصة الترشح مرة ثانية.. اليس من حقنا ان نتسائل اية جهة رقابية بائسة وهزيلة وفاسدة تلك التي تناقش منح الفاسدين من عدمه فرصة الترشح. بل ان مجرد مناقشة هذا الامر هو عار على البرلمان واعضاءه.
يذكر ابن خلدون مقولة يبدو انها اصبحت قانونا حتميا ساريا لحد الان نصها ” المنصب من اجل الريع” اي استغلال المنصب من اجل تحقيق منافع مادية ومعنوية. وينفرد العراق الان بتطبيق كامل لهذه المقولة، وقد يكون صحيحا ان الفساد اضحى آفة عالمية، إلا ان الفساد في العراق وصل الى حد لايعقل ولايوصف، بحيث وصلنا الى نوع من الفساد المركب والذي نعني فيه تعدد صور وانواع الفساد في العراق بطرق حتى لاتطرأ على ابليس نفسه، والذي اتصوره فاتحا فاه مستغربا مستعجبا مندهشا لدهاليز الفساد والياته.
والفساد في العراق نوعان : ” الاول الفساد المشرعن” وهذا المصطلح الذي ادعي اني اول من استخدمه في مقابلة تلفازية عام 2008، واعدتها عام 2009 ثم، في مقالة ، واخذ بالتناول فيما بعد على مستوى الاعلام والسياسة، واستخدمه فيما بعد رئيس هية النزاهة السابق القاضي رحيم العكيلي حينما قال إن هناك فسادا مشرعنا في العراق من خلال قوانين تمنح الفئة العليا من الموظفين امتيازات كبيرة، لكني اقصد به على نحو اكثر شمولية، وتتضمن وجود قوانين فاسدة بالاصل تم تشريعها من قبل البرلمان ، لانها اما تعطي حقوقا غير شرعية كالامتيازات او ان تمنح سلطات لشخصيات غير قابلة للمحاسبة وماشابه ذلك، او انها قوانين تسمح للفاسدين الافلات من العقوبة وبذلك تم اقرار هذا النوع من الفساد المشرعن، التباطئ في اصدار القوانين المانعة لعمليات الفساد، كقانون الاحزاب الذي يكشف عن مصادر التمويل وطرق صرفها على سبيل المثال.
النوع الثاني هو ” الفساد الذي يتم خارج الاطر القانونية “ وهو الاعم والاشمل والذي يبدأ من اعلى قمة الهرم السياسي والاداري الى اصغر موظف. كما ان للفساد في العراق صورا اخرى، فالفساد في منطقة كردستان ياخذ بالانموذج الاسيوي، بمعنى يوجد فساد لكن معظم الاموال يتم اعادة تدويرها واستثمارها داخل كردستان، اما في الجانب العربي فيتم تطبيق الانموذج الافريقي في الفساد، اي ان اموال الفساد تهرب خارج العراق ولا يتم تدويرها داخل العراق، ولذا نجد ان التنمية والعمران موجودان في كردستان، ولايوجد هذا العمران في الجانب العربي.
المفارقة هنا ان الفساد تحول من ظاهرة عابرة الى مؤسسة صلدة، المضحك المبكي فيها ، انها عابرة للهويات والقوميات لافرق فيها بين سني او شيعي او كردي او تركماني او مسلم او مسيحي لان الجامع بينهم شهوة المال والمصلحة، وليس هناك صديق دائم او عدو دائم بل هناك مصلحة دائمة، ويحكى ان وزيرا من طائفة معينة عرض عليه مبلغ قيمته 5 ملايين دولارا لغرض احلته لتاجر من نفس طائفته الا انه في النهاية فضل احالتها الى تاجر آخر من غير طائفته عرض عليه مبلغا وقدره 8 ملايين.. ومع الاسف فان المؤسسة الوطنية الوحيدة التي تم صناعتها طوال عقد من الزمن هي مؤسسة الفساد لانها تضم كل الاطياف والالوان دون استثناء، لكنها وطنية من حيث الشكل ومدمرة من حيث المضمون.
لقد اصبحت الطبقة السياسية والمرتبطة بها تتحكم بمصير العراق، وبدأت تهيمن شيئا فشيئا على مقدرات العراق وثرواته على حساب المواطنين، ومن المؤسف ان دولة تعد التاسعة عالميا من حيث الغنى في مواردها الطبيعية حسب تصنيف المعهد الاميركي لكاقة للثروات الطبيعية في العالم ، ان تكون نسبة الفقر في العراق تبلغ 30% حصب الاحصاءات الرسمية العراقية اي ما يعادل 11.5 مليون مواطن عراقي .
نحن بلد غني بكل شئ لكن مقدر عليه ان يعيش فقيرا. وغريب بل معيب جدا ان نرى احزمة البؤس منتشرة في جميع محافظات العراق مع كل هذه الثروات، يا سادتي الافاضل يؤسفني ان اقول لقد تحولنا الى “دولة حرامية”. وبعد كل هذا نجد ان البرلمان يناقش مسألة منح الفاسدين حق الترشح في البرلمان، حقا هزلت ورب الكعبة وتعسا للطالب والمطلوب.