يعيش “مجلس التعاون الخليجي” أسوأ أيام عمره، البالغ 36 عاماً. إذ عُقدت بـ”الكويت” مؤخراً الجلسة الثامنة والثلاثين للمجلس، تلك الجلسة التي أحالها التعاون “السعودي – الإماراتي” المشترك إلى واحدة من أضعف وأفشل جلسات مجلس التعاون على مدى السنوات الماضية، بحسب صحيفة (المفتاح) الإيرانية الأصولية.
وكانت الدول الست الخليجية قد أعلنت، عام 1981، تشكيل كتلة سياسية – تجارية، تعكس في الواقع الحاجة إلى اتحاد وتعاون العواصم العربية ضد ما أسموه “النفوذ الإيراني”. ومن المنظور السعودي لا يجب أن يتمتع هذا المجلس بعد الآن بالفاعلية، وإنما لابد من إستبداله بآخر أصغر واضح الأهداف بالشكل الذي يلبي مصالح القيادات الشابة بالرياض.
شبح الخلافات الأخيرة إنعكس على الجلسة..
في النهاية عٌقدت بدولة “الكويت” الجلسة الثامنة والثلاثين، بعد الكثير من الشكوك حول التوقيت والضروريات. ونظرة مجملة على تركيبة المشاركين بالجلسة تكشف عن فجوة عميقة بين الدول الأعضاء في “مجلس التعاون الخليجي”.
إذ شارك بدلاً من الرؤساء هذه المرة، (وعلى عكس المرات السابقة)، وزيرا خارجية “السعودية والإمارات”، وكذلك نائبا وزيرا خارجية “عمان والبحرين”، وإقتصر حضور الجلسة على المستوى الرفيع، الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” أمير قطر، والشيخ “صباح الأحمد الجابر الصباح” أمير دولة الكويت.
وقبل ستة أشهر تقريباً خلق الخلاف “السعودي القطري” إصطفافات واضحة بين مختلف الدول أعضاء “الجامعة العربية”، وكذلك “مجلس التعاون الخليجي”. من ذلك التماهي الإماراتي والبحريني مع المملكة العربية السعودية في إعلان الاتهامات والخصومات ضد القيادات القطرية، وادعاء دعم الدوحة للجماعات الإرهابية والإرهاب والتآمر على دول الجوار؛ إنتهاءً بالمقاطعة الشاملة ضد قطر، في مقابل السياسات الكويتية والعمانية المعتدلة، وهو ما بدا واضحاً في الجلسة الأخيرة للمجلس.
وبالنظر إلى تآكل مساعي حل الأزمة، إقتصر زمن الجلسة على ساعة ونصف فقط، وقد كان من المقرر أن تستمر مدة يومين، وذلك بسبب التمثيل عديم الصلاحيات. فقرر أمير الكويت تعطيل الجلسة بسبب الخلافات الدبلوماسية بشأن العلاقات مع “قطر”، من ثم أتخذ أمير قطر القرار، وكشف عن اتفاق تعاون منفصل بين الإمارات العربية المتحدة والسعودية.
السعودية والإمارات وتجاوز مجلس التعاون..
قبل ساعة على إنعقاد جلسة الكويت، أعلنت الخارجية الإماراتية تشكيل لجنة تعاون عسكرية واقتصادية مشتركة مع المملكة العربية السعودية؛ تهدف إلى تعاون البلدين في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية.
ومن المقرر، بحسب بيان الخارجية الإماراتية، أن تكون اللجنة مسؤولة التعاون الثنائي بين الجانبين في أي مجالات أخرى تتعلق بالمصالح المشتركة. وقد حملت هذه اللجنة، بالتوزاي مع إنعقاد جلسة “مجلس التعاون”، رسالة واضحة للأعضاء المعارضين للسعودية داخل المجلس، لا سيما الكويت، التي سعت قبل ستة أشهر، وفي ظل تصاعد حدة الخلافات القطرية السعودية، إلى لعب دور الوسيط وتهيئة أجواء التقارب مجدداً بين العواصم العربية الخليجية.
لكن السعودية لم تكن تتوقع مثل هذه المساعي، وقد كانت تطلب فقط تماهي وتعاون الدول العربية في إعمال الضغوط على قطر، وقد أتخذت السعودية من فشل الحشد ضد قطر ذريعة للخروج على المجلس. وأستناداً لما نقلته صحيفة (المفتاح) الإيرانية، أكد الكاتب الصحافي القطري، “علي الهيل”، على أن سبب تشكيل التحالف “السعودي – الإماراتي” هو سخط البلدين الشديد من أمير الكويت، وقال: “بدأت السعودية والإمارات قبل سنوات تعاون استراتيجي، وبخاصة في الحوزات السياسية والعسكرية. وأبرز نموذج على ذلك هو المشاركة الإماراتية الكبيرة في التحالف السعودي ضد اليمن، تلك المسألة التي أثارت بالنهاية رد فعل جماعة (أنصار الله)، ممثلاً في الهجوم الصاروخي على مطار الملك خالد والتهديد بضرب المنشآت النووية الإماراتية. كذا وجهت (أنصار الله) تحذير شديد اللهجة للإمارات بعدم التدخل في الشأن اليمني، وذلك بعد إحباط المؤامرة السعودية – الإماراتية في اليمن، وقتل الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح”.
في ظل هذه الأجواء، قررت الإمارات، (وبدلاً من إعادة النظر في سياساتها المكلفة)، تكثيف التعاون مع السعودية على أمل تحقيق مكاسب مستقبلية دون الإلتفات إلى أن سياسات المداخلة السعودية في الشرق الأوسط، دفعت السعوديين إلى إتباع سياسات غير عقلانية.
ومن منظور المراقبين، فقد باءت سياسات الجيل الجديد، من القيادات السعودية، على صعيد التطورات السورية والعراقية والقطرية، بالفشل الذريع. وتسببت في تعميق الفجوة الحالية داخل “مجلس التعاون”، فيما تشدد الولايات المتحدة وحلفاءها الأوربيين على ضرورة تقارب ووحدة الدول الخليجية. إذ استغل الغرب منذ سنوات التعاون “السعودي-الإماراتي-العماني-القطري” كسد في مواجهة “إيران”.
وتخلص صحيفة (المفتاح) الإيرانية، إلى أنه بعد فشل مساعي أمير الكويت لرأب الصدع، كانت الحاجة إلى خلق تشكيلات موازية لمجلس التعاون، بأهداف أشمل واستراتيجية قد تؤثر بشكل جاد على حياة المجلس وتمثل بداية الإضمحلال.