قبل إعلانه النصر على داعش في التاسع من ديسمبر 2017، أطلق رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، “حملة مكافحة الفساد” وتقول بعض المصادر الإعلامية إن العبادي سوف يعلن عام 2018، عام الحرب على الفساد، التي اعتبرها أخطر من الحرب ضد الإرهاب، نظراً إلى وجود بعض “المفسدين” في “مفاصل الدولة”.
وأكد العبادي في الـ24 من نوفمبر وفقاً لبيان صدر عن مكتبه أمس، “المعركة المقبلة هي محاربة الفساد، وهو عمل مدروس لتطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين”، مضيفاً أن حكومته “ماضية بالقضاء على الفساد”.
وحسب تقرير سابق لوكالة الصحافة الفرنسية، فإن الأموال المنهوبة في العراق خلال الـ 13 سنة الماضية بلغت 312 مليار دولار.
يشير الكثير من التقارير عن دول الفساد في ظهور التنظيمات الإرهابية في العراق ومنها داعش. حيث اعتبرت منظمة “الشفافية الدولية” غير الحكومية في تقرير أصدرته فبراير 2017 أن مجموعات مثل تنظيم داعش وجماعات أخرى تستخدم الفساد لتجنيد عناصرها، وتقدم نفسها على أنها البديل عن السلطات الفاسدة.
وأشارت المنظمة في تقرير أعدّه فرعها البريطاني بعنوان “التحول الكبير: الفساد وظهور التطرف العنيف”، إلى أن “الحركات المتطرفة مثل تنظيم داعش تزدهر عندما يفقد الناس ثقتهم تماما بمن يتولون الحكم، وعندما يستفيد المسؤولون من بؤس الغالبية الكبرى من الناس، وعندما تستغل الشرطة بدلا من أن تحمي، وعندما تحتكر أقلية الفرص الاقتصادية”.
وبعد حديثها عن أن داعش استفاد من الفساد للانتشار في العراق وعدة بلدان أخرى، أكدت المنظمة أن “التصدي للفساد يجب أن يكون الأولوية المطلقة”، داعية حكومات الدول الغربية إلى المساعدة في ذلك.
وهذا ما أكدته تقارير عراقية محلية أخرى وخاصة التي تتحدث عن أسباب الانتكاسة التي مني بها الجيش العراقي خلال هجوم داعش المباغت صيف عام 2014 على مدينة الموصل. وتتحدث التقارير عن الفساد الذي تغلغل في مفاصل الجهاز العسكري العراقي، ومنها تسجيل أسامي أشخاص وهميين كجنود في قطعات الجيش وتسلم قادة القطعات رواتبهم.
خطوات في الحملة
“مكافحة الفساد” كان أحد شعارات العبادي منذ توليه رئاسة الحكومة العراقية. وبعد أن أطلق حملة مكافحة الفساد في نوفمبر الماضي كشف مصدر مقرب منه عن تشكيل فريق مؤلف من ثلاثة قضاة يعملون بمكتب رئيس الوزراء وبإشراف مباشر منه لمتابعة قضايا الفساد وهدر المال العام وتهريب النفط في الفترة من عام 2004 وحتى عام 2014، وهي الفترة التي سبقت تولي العبادي منصبه الحالي، حسب الوكالات المحلية.
وذكرت مصادر حكومية وبرلمانية أن لجاناً متخصصة بدأت منذ أكتوبر الماضي تحقيقات مكثفة في قضايا فساد تشمل 14 وزيراً تولوا مسؤوليات منذ 2003 حتى الآن، و12 محافظاً سابقاً وحالياً، وقادة عسكريين سابقين، وعشرات من رجال الأعمال والمتعاقدين الذين أخفقوا في تنفيذ مشروعات بالعراق.
كما تشمل التحقيقات 10 نواب عراقيين بينهم 6 موجودون في مجلس النواب الحالي، و4 من النواب السابقين. وقالت المصادر إن التحقيقات تغطي أيضاً عمليات سطو على المال العام، وتورط أشخاص يعملون في مؤسسات مدنية وغير حكومية، كانوا يحصلون على تسهيلات من الحكومة العراقية والسلطات الأميركية.
وأشارت يوم الأربعاء 27 ديسمبر بعض التقارير غير المؤكدة إلى صدور أوامر قبض ضد ضباط برتب كبيرة في الوزارتين، من ضمنهم وزير الدفاع السابق وقائد القوة الجوية الحالي، وذلك في إطار مكافحة الفساد.
وأكدت النائبة عن ائتلاف “دولة القانون” عالية نصيف، صدور مذكرات قبض ضد الضباط الكبار على خلفيات فساد، وقالت لـ”الشرق الأوسط”: “صدرت أوامر قبض ضد قائد القوة الجوية أنور حمة أمين قبل أسبوعين، على خلفية قضية هدر للمال العام في عقود التسليح التشيكية، كذلك هناك أمر قبض على وزير الدفاع السابق خالد العبيدي”.
الحرب على الفساد واحتمالات وجود مآرب شخصية
الحديث الطاغي في الشارع العراقي ومواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام يدور حول حملة العبادي في مكافحة الفساد، واحتمالات شمولها رموزا مقربة من رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، وقادة في ميليشيات الحشد الشعبي.
ويعتبر بعض المحللين في الشأن العراقي أن سريان شائعة محاولة “اجتثاث” أنصار المالكي، العاملين في الدوائر الحكومية، الذين تحوم حولهم “شبهات الفساد” ستسهم في “رفع أسهم العبادي”، نظراً لموقع رئيس الوزراء السابق في الرأي العام العراقي.
وتقول بعض الأقاويل المنتشرة في الشارع العراقي أن الحملة ستطال أيضاً عدداً من قيادات “الحشد الشعبي” الذين شكّلوا “عوائق” أمام العبادي في تحقيق بعض رؤاه إبان العمليات العسكرية على “داعش”، ليندرج ذلك في إطار “تصفية الحسابات”، ولكن من باب “مكافحة الفساد”.
إن كانت هذه الأقاويل صحيحة أو لا، من المؤكد أن هذه الحملة تأتي في “توقيت انتخابي بامتياز” يسهم في زيادة رصيده الشعبي، خاصّة أنه حقّق نوعاً ما مقبولية جماهيرية بالانتصارات الميدانية ضد داعش ونجاحه في إجهاض انفصال إقليم كردستان وحفظ وحدة الأراضي العراقية. وربما إطلاق حملة كهذه قبيل الانتخابات ويحقق نوعاً من الالتفاف الجماهيري حول العبادي بمعزلٍ عن طبيعة التحالفات التي سيعقدها في الانتخابات التي سوف تجري في شهر مايو 2018.
ولكن السؤال يبقى دائماً حول مدى النجاح الذي سوف يحققه العبادي في حملته، إذ يواجه إشكاليتين، الأولى الحصول على أشخاص “نزيهين” و”أكفاء” للمشاركة في الحملة والثانية، المقاومة الشرسة المحتملة التي سوف يواجهها من أشخاص نافذين ملطخة أياديهم في الفساد، فهل سينجح؟