رغم المساعي الإسرائيلية – الأميركية لإفشالها، صوتت الجمعية العامة للانتربول، الأربعاء 27 أيلول/سبتمبر المنصرم، على انضمام فلسطين إلى المنظمة الدولية للشرطة الجنائية، في انتصار جديد لها أمام العالم.
يأتي هذا الانتصار بعد محاولة الفلسطينيين العام الماضي الانضمام إلى المنظمة، لكن محاولتهم فشلت بسبب توصية من اللجنة الفنية للانتربول بتأجيل الموضوع، نتيجة استجابتها للضغوط الإسرائيلية والأميركية.
وأخذت فلسطين العضوية في المنظمة بتصويت 74 دولة لصالح القرار، خلال اجتماع الجمعية العامة للمنظمة بالعاصمة الصينية بكين.
فشل الجهود الإسرائيلية والأميركية..
بحسب وسائل إعلامية إسرائيلية، من بينها صحيفة “يديعوت أحرنوت” والقناة الإسرائيلية الثانية، فإن قبول “الطلب الفلسطيني يعني فشل الجهود الإسرائيلية والأميركية التي بذلت في الفترة الأخيرة لمنع انضمام الفلسطينيين إلى هذه المنظمة الدولية”.
قلق إسرائيلي..
القناة الثانية العبرية أشارت إلى قلق إسرائيل من لجوء فلسطين إلى تقديم مذكرات اعتقال لشخصيات إسرائيلية تتهمها بارتكاب جرائم ضد الشعب الفلسطيني.
وتتخوف إسرائيل بشكل كبير من انضمام فلسطين للمنظمة، لأن ذلك يعني أنه سيسمح لها بإصدار أوامر اعتقال لضباط وسياسيين إسرائيليين، وتلقي معلومات حساسة عن “مكافحة الإرهاب”.
عرقلة الانضمام..
تخوض إسرائيل منذ عدة أسابيع حملة دبلوماسية، من وراء الكواليس، من أجل إقناع الدول بعدم التصويت على طلب فلسطين الانضمام للشرطة الجنائية الدولية.
وكان موقع “I24NEWS” الإسرائيلي الإخباري قد نقل، أن “إسرائيل تتابع استراتيجية دبلوماسية ذات شقين لعرقلة طلب السلطة الفلسطينية للانضمام إلى الإنتربول”.
وأوضح الموقع: “أولاً، إسرائيل تتفاوض مع قيادة الإنتربول لتشديد المعايير المقترحة للأعضاء الجدد، في محاولة لإقصاء الفلسطينيين من الانضمام إليها. وهي أيضاً تضغط على أعضاء الإنتربول ليرفضوا الانتساب الفلسطيني عندما يتم التصويت عليه، الأمر الذي يتطلب أغلبية الثلثين”.
مخالف للاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل..
إعلان الإنتربول قبول انضمام فلسطين وقع كالصاعقة على مسامع المسؤولين الصهاينة، حيث وصف “نتنياهو” القرار بأنه خطوة مخالفة للاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وأضاف أن سلوك السلطة الفلسطينية يُلحق ضررًا بفرص تحقيق السلام، فيما اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن فلسطين ليست دولة؛ ما يستدعي عدم السماح لها بالحصول على عضوية الإنتربول، كما ذكرت وزير الخارجية السابقة “تسيبي ليفني”، إن قرار الإنتربول هو أسوأ قرار منذ إقامة إسرائيل في سنة 1948، مضيفة أن الحكومة الإسرائيلية تتحمل المسؤولية كاملة عن هذا القرار.
تحاول الانضمام منذ عامين..
قدمت السلطة الفلسطينية رسميًا طلبًا للانضمام إلى المنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الإنتربول” في عام 2015، وقالت إن العضوية ستساعدها لمقاضاة وملاحقة المطلوبين الفارين من العدالة بسبب تهم جنائية وفساد.
وفي تشرين ثان/نوفمبر من العام 2016، علقت “الإنتربول” طلب فلسطين للانضمام إلى عضويتها، بعد أن صوت لصالح انضمامها 56 عضواً، فيما صوت 62 عضوًا بـ(لا)، وامتنع 37 آخرون عن التصويت.
و”الإنتربول” أكبر منظمة شرطة دولية أنشأت في 1923، وتضم عناصر تابعين لـ190 دولة، وتتخذ من مدينة “ليون” الفرنسية مقراً لها.
انعكاس للثقة في قدرات فلسطين..
من جانبه، رحب “رياض المالكي”، وزير خارجية دولة فلسطين بنتائج التصويت، وقبول عضوية فلسطين فى منظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول” هذا اليوم خلال اجتماع الجمعية العامة للمنظمة فى بكين، وأكد على أن التصويت الساحق لدعم عضوية فلسطين هو انعكاس للثقة في قدرات فلسطين على إنفاذ القانون والإلتزام بالقيم الأساسية للمنظمة.
وأشار “المالكي” إلى أن هذا الانتصار تحقق بسبب الموقف المبدئي لأغلبية أعضاء الإنتربول، الذين دافعوا اليوم عن السبب الوجودي لهذه المنظمة ومبادئها الأساسية، إذ رفضوا بشكل واضح محاولات التلاعب والتسلط السياسي، قائلاً: “اليوم تغلبت الحقائق والمبادئ على كل الاعتبارات الأخرى”.
وحول أهمية هذا الانضمام، رأى قانونيون أن هذه الخطوة تمثل إنجازاً دبلوماسياً مهماً، فيما رأى البعض أنها خطوة رمزية فقط، وأنها تمثل سلاحاً ذو حدين، وقد تحمل أخطاراً كـ”تسليم مقاومين فلسطينيين”.
نقلة نوعية..
أستاذ القانون الدولي الدكتور “حنا عيسى”، اعتبر أن قبول الجمعية العامة للإنتربول فلسطين عضواً فيها نقلة نوعية في السياسة الفلسطينية الخارجية، وخطوة نجاح جديدة تضاف للدولة الفلسطينية المستقلة.
مضيفاً: أن “هذه العضوية تشكل قلقاً كبيراً لدى كبار المسؤولين الإسرائيليين، لما تعنيه من تبعات، فاليوم وبعد أن أصبحت فلسطين عضواً في (الإنتربول) سترتفع مكانة دولة فلسطين في العالم أولاً، وخشية من مذكرات الاعتقال الدولية التي قد تطال كبار المسؤولين الإسرائيليين العسكريين والسياسيين لأدوارهم في إرتكاب الجرائم والانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني ثانياً، كما ويضع فلسطين على قدم المساواة مع باقي الدول الأعضاء أخيراً”.
كما ويتيح المجال للسلطة الفلسطينية المطالبة بمواطنين متهمين بارتكاب جرائم جنائية كالقتل والاختلاس والنصب والاحتيال والتزوير والتهريب وتجارة المخدرات، حيث هناك الكثير ممن ارتكبوا جرائم وفروا ولم تستطع السلطة الفلسطينية إلقاء القبض عليهم حتى تاريخه.
خطوة مهمة..
دون مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم)، “د. عمار الدويك”، عبر صفحته على موقع “فيس بوك”، قائلاً: أن “قبول عضوية دولة فلسطين في الإنتربول تعتبر خطوة مهمة جداً، وتظهر أن فلسطين ما زالت تحظى بمكانة مهمة على الصعيد الدولي رغم المعارضة الإسرائيلية الشرسة لهذه الخطوة”.
لن تحدث فرقاً..
أما خبير القانون الدولي “فادي شديد”، فرأى أن جدوى الخطوة محدود وضئيل، قائلاً: أنه “لن تحدث فرقاً كبيراً في ميزان العدالة بالنسبة للفلسطينيين، وإن فعالية الانضمام وجدواه، محدودة وضئيلة”.
مبيناً “شديد”، أن “الإنتربول” لا تستطيع اختراق حدود الدول، وقد لا تسمح إسرائيل لها بدخول الأراضي التي تسيطر عليها، وبالتالي لا تستطيع تنفيذ المطلوب منها.
وأشار إلى أن المنظمة الدولية لن تستطيع دخول أي دولة دون حصولها على الموافقات والأذونات الخاصة بذلك، مضيفاً أن “الإسرائيليون يتجنبون دخول الدول التي تتبنى القضاء الجنائي الدولي، لتجنب محاكمتهم أو اعتقالهم”.
وحول الخطر على الفلسطينيين، استدرك بالقول: “إسرائيل غير منضمة للإنتربول، فلا يمكنها أن تطلب من المنظمة إحضار أي شخص موجود داخل الاراضي الفلسطينية أو خارجها”.
تحتاج لشروط..
يوضح المحامي، في “المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان”، أهمية هذا الانضمام، قائلاً: “هذه المنظمة الدولية معنية بتسليم المجرمين الذين تتم ملاحقتهم دوليًا وتقديمهم للمحكمة الجنائية، ولكن بشرط أن تكون هناك معاهدة لتسليم المجرمين موقعة بين الدولتين”، مضيفاً “صيام”: أن “فلسطين تعتبر دولة غير كاملة ولها أحقية الانضمام إلى هذه المنظمة وفق القانون، ولكن إسرائيل تضرب بعرض الحائط كل القوانين الدولية، فرغم أن المحكمة الدولية معنية بمجرمي الحرب في فلسطين، وقد تم تقديم أكثر من مذكرة لشخصيات قامت بجرائم حرب، وما زالت الملفات تدرس حتى اليوم، وبالتالي الإنتربول وهي منظمة أقل من محكمة الجنايات الدولية، ماذا يمكنها أن تفعل ؟!”.
مناورة سياسية..
يرى “صيام” أن هذا الإجراء لا يشكل أكثر من مناورة سياسية وليس له أي تأثير على إسرائيل، بل هو مجرد فرقعة إعلامية.
تقدم في مجال الحقوق الفلسطينية..
بينما يرى المحامي “سامر موسى”، المختص بالقانون الدولي، أن هذه الخطوة ضرورية ومهمة، واعتبرها تقدمًا جيدًا في مجال الحقوق الفلسطينية وتطبيق القانون “لأن انضمام فلسطين للإنتربول يترافق مع طلب انضمام فلسطين لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وهذا سيكون لمصلحتها في المستقبل”، وفق تقديره.
سيؤدي إلى قرارات إيجابية..
يؤكد “موسى” على إيجابية هذا التصويت، وأنه سيؤدي بالفعل إلى قرارات إيجابية وإن لم يلمسها الشارع الفلسطيني، وقال: “انضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو كان دافعًا لإنجاح قرارات إيجابية لاحقاً لصالح القضية الفلسطينية”، مضيفًا أنه على المستوى القانوني يعتبر دفعة قانونية جديدة تجرم الاحتلال، ويتمثل نجاح فلسطين بهذا الانضمام من خلال السماح لها بالمطالبة بتسليم المجرمين الذين ارتكبوا جرائم حرب وتصبح أدوات القبض على المجرمين في يد الإنتربول”.
ويوضح “موسى”: “إن هذا القرار يعطي ميزة كبيرة لترقية المؤسسة الشرطية الفلسطينية من خلال هذا الانضمام، ويعطي تطورًا إيجابيًا ينعكس على كل منظومة حقوق الإنسان إذا أصبح الشرطي الفلسطيني يتعامل مع ذات المعايير التي يتعامل بها الإنتربول والمتوافقة مع حقوق الإنسان”.
يخدم فلسطين..
منوهاً إلى أن كل هذه الأسباب تبرر الحملة التي تشنها “إسرائيل”، مع الولايات المتحدة منذ 2015، والتي أسفرت في الدورة السابقة للإنتربول بتسجيل معارضة أكبر لطلب السلطة، مؤكداً على وجود قانون موقع لتبادل المجرمين بين “إسرائيل” وفلسطين لأن كل الموقعين والأعضاء في الإنتربول ينطبق عليهم الاتفاق، بالإضافة إلى أن هذا الموضوع يخدم فلسطين من خلال تطبيقه مع بقية الدول، وكل هذا يعتمد على نشاط وزارة الخارجية في إبرام أكبر عدد من الاتفاقيات التي تضمن تسليم مجرمي الحرب للقانون الدولي.
اعتقال “دحلان” وارد..
حول إمكانية أن يستغل الرئيس “محمود عباس”، انضمام فلسطين للشرطة الدولية “الإنتربول”، في اعتقال النائب والمفصول من حركة (فتح) “محمد دحلان”، الذي صدرت بحقه أوامر اعتقال من المحكمة بتهم فساد مالي وإداري، ويقيم خارج فلسطين، أكد عضو في اللجنة المركزية لحركة (فتح) بالضفة، أن هذا القرار سيكون بيد “عباس” وحده، مشيراً إلى أن تقديم ملف “دحلان” للشرطة الدولية لاعتقاله وتسليمه للسلطة الفلسطينية “وارد” بأي لحظة.
وهو ما أكده موقع “ميديل إيست آي” البريطاني عن مسؤولين في السلطة الفلسطينية، قولهم إن النائب في المجلس التشريعي “محمد دحلان” واثنين من زملائه سيكونون على رأس قائمة طويلة ستطلب السلطة من الإنتربول متابعتهم.
سبق وقال مسؤولون فلسطينيون أن “أحد أهداف الانضمام لمنظمة الإنتربول الدولية، هو القبض على مطلوبين فلسطينيين للقضاء بتهم فساد واختلاس ملايين الدولارات، يقيمون خارج الأراضي الفلسطينية”.
وقال رئيس السلطة “محمود عباس”: إن “دحلان ومحمد رشيد ووليد نجاب سيكونون على رأس القائمة”.
وأكد المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته – لأنه لم يكن من المسموح له مناقشة القضية – “إن الهدف الرئيس لانضمام السلطة إلى الإنتربول هو أن تكون عضواً في هذه المنظمة الدولية الهامة جداً، وتسعى للقبض على عشرات المجرمين الفارين من العدالة، والذين لجأوا إلى دول أخرى، ولا سيما أولئك الذين سرقوا الأموال العامة، ودحلان ومجموعته ليسوا استثناءً”، بحسب الموقع البريطاني.
وكان “دحلان”، رئيس الأمن بالسلطة في غزة قبل أحداث الانقسام عام 2007، وهو بالمنفى في “دبي” منذ عام 2010، وأوقفته حركة (فتح) بسبب تورطه المزعوم – الذي نفاه “دحلان” – في مؤامرة للإطاحة بـ”عباس”.
وفي وقت لاحق، أدانته محكمة مكافحة الفساد في “رام الله” خلال كانون أول/ديسمبر 2016، بسرقة أموال عامة مع “رشيد”، المستشار الاقتصادي السابق للرئيس الفلسطيني الراحل “ياسر عرفات”، بالاضافة إلى “نجاب”، وحكم عليه بالسجن 3 سنوات وغرامة قدرها 16 مليون دولار، لكنه قال إن المحاكمة كانت سياسية ونتيجة لخصامه مع “عباس”.
ومنذ نفيه أقام “دحلان” صلات وطيدة مع حكام دولة “الإمارات”، وحكومة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”.