عكس قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التوجه للانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، عمق الأزمة الدبلوماسية التي تواجهها تل أبيب والتي تكشفت مع تصويت الجمعية العامة للمنظمة الدولية مؤخرا بالأغلبية برفض قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتبار القدس عاصمة إسرائيل.
يقرأ مراقبون ومحللون توصيات نتنياهو لوزارة الخارجية بحكومته للانسحاب من اليونيسكو لموقفها “المنحاز للفلسطينيين” وبزعم عدائها لإسرائيل، استمرارا في إستراتيجية تل أبيب العدائية والمناهضة للهيئات الدولية والأممية بسبب مواقف تظهر فيه بعض الحق الفلسطيني.
وعلى المدى البعيد، لا يستبعد محللون أنه في حال نفذ نتنياهو انسحاب بلاده من المنظمة بنهاية 2018، ستتسع وستتعزز عزلة إسرائيل الدولية، خاصة بظل حملة الانتقاد من قبل المجتمع الدولي والمقاطعة الدولية التي ازدادت من حيث وتيرتها مع توارد القرارات من المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي بشأن الاستيطان، وهي القرارات التي تضعف الموقف الإسرائيلي وتقوي الفلسطيني.
ممارسة الضغوط
ويرى مدير المعهد الإسرائيلي “ميتفيم” المتخصص بالسياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط نمرود جورن، أن خطوة نتنياهو تأتي بتأثير من واشنطن التي انسحبت من اليونسكو، كما أنها تعكس التنسيق الوثيق بين إسرائيل وإدارة ترمب بكل ما يتعلق بالتعامل مع المؤسسات الدولية، وقد تجلى ذلك بمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وعزا جورن في حديثه للجزيرة نت الدوافع الإسرائيلية للانسحاب من اليونسكو إلى عوامل داخلية متعلقة بالسياسة الحزبية لإسرائيل التي تلوح بالقدس الكبرى “العاصمة الموحدة للشعب اليهودي”، وكذلك إلى القرارات الصادرة عن المنظمة خلال العامين الماضيين بشأن القدس التي تدين الاحتلال وتنفي وتشكك بالعلاقة التاريخية والدينية لليهود بالمدينة، وهو الأمر الذي أحدث إرباكا بالمشهد السياسي والمجتمع الإسرائيلي الرافض لهذه القرارات.
ويعتقد أن إسرائيل بتوجهها الانسحاب من المنظمات الدولية ترتكب خطأ فادحا، كما أنها تتجه نحو توسيع عزلتها الدولية والبقاء تحت المظلة الأميركية، لتسجل بذلك انتكاسة دبلوماسية وخسارة سياسية لا يمكن تحديد ملامحها وتداعياتها بالمرحلة الراهنة، علما أن اليونسكو تعترف بالكثير من المواقع الأثرية والتاريخية داخل إسرائيل.
لكن ولتفادي العزلة الدولية أو الخسارة السياسية، لا يستبعد جورن إمكانية أن تعيد تل أبيب النظر في قرارها الانسحاب من اليونسكو، لافتا إلى أن خطوة نتنياهو ما هي إلا محاولة لابتزاز المنظمات الدولية وإرغامها على إحداث تغييرات بتعاملها مع إسرائيل والقدس على وجه الخصوص.
العربدة الدبلوماسية
من جانبه، يقرأ الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) أنطوان شلحت، في قرار نتنياهو سياسة العربدة الدبلوماسية واستمرار السياسة الهوجاء ضد المنظمات الدولية التي تقر ببعض الحق الفلسطيني، كما أنه يندرج ضمن الحملة التي تقودها إسرائيل لدرء أي ضغوط قد تفرض عليها بأي تسوية سياسية.
وعن دلالات هذه الخطوة بين شلحت للجزيرة نت أن هذا يدلل على إصرار إسرائيل على مناهضة فلسطين، وهو الذي تعزز مع قدوم ترمب إلى السلطة في واشنطن.
ويعتقد شلحت أن خطوة نتنياهو بمثابة خسارة سياسية بامتياز لحلبة دولية، وتدل على عمق الأزمة الدبلوماسية ما بين الحكومة الإسرائيلية والمنظمات الدولية بشأن فلسطين والقدس، وتحديدا اليونسكو التي عبرت عن رفض روايات إسرائيلية عن الارتباط الديني اليهودي بالمدينة المقدسة.
ويرجح أن الحكومة الإسرائيلية باتت عاجزة عن التأثير لذا اختارت الانسحاب والهرب إلى الأمام، وهذا يأتي بانسجام تام مع تحركات الأمم المتحدة ضد السياسات الإسرائيلية، مثلما تجلى ذلك مؤخرا بمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القدس.
العزلة
ويتفق أستاذ القانون الدولي النائب يوسف جبارين مع طرح شلحت، ويعتقد أن انسحاب إسرائيل من اليونيسكو هو مؤشر واضح لعزلتها الدولية التي تواجهها تل أبيب بالسنوات الأخيرة، كما يبرهن على فشل مخطط نتنياهو بتحسين علاقات إسرائيل الدولية بظل استمرار سياساته الاحتلالية ضد الشعب الفلسطيني.
أما بالنسبة للتوقيت، فاعتبره جبارين أنه يأتي مع تلقي تل أبيب الدعم الأميركي غير المسبوق.