حصل الإيرانيون على ميزات وتسهيلات جديدة من حكومة بغداد، ما ساعدهم على مواصلة صدارة قائمة الاستثمارات الأجنبية في العراق على الرغم من حاجة البلاد الماسة لدخول المستثمرين العرب والأجانب باختلاف جنسياتهم من أجل دعم اقتصاده المتأزم والتخفيف من البطالة المتفاقمة.
وكشف مصدر مقرب من هيئة الاستثمار العراقية أن السلطات خفّفت القيود عن المستثمرين الإيرانيين الذين ركزوا جهودهم خلال الفترة الماضية على المحافظات والمدن التي توجد فيها مراقد دينية.
وأكد المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن من بين التسهيلات تخفيض الضرائب وإجراءات خاصة بالموانئ وإلغاء شرط نسبة العمالة العراقية في المشروعات الجديدة.
وحسب المصدر فإن النشاط الاستثماري الإيراني موجود في أكثر من محافظة عراقية، لكن يزداد في محافظتي النجف وكربلاء (جنوب بغداد)، ومدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين (شمالا)، نتيجة لوجود عدد كبير من الإيرانيين هناك، إذ اشترى الكثير منهم بنايات تجارية، فيما استثمر آخرون أموالهم بطرق مختلفة.
تفضيل الايرانيين على غيرهم مخالف لقانون الاستثمار
وفي هذا الإطار، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد علي العبيدي إن تفضيل الإيرانيين على غيرهم فيما يتعلق بالمشاريع مخالف للمادة الأولى من قانون الاستثمار في العراق الذي يتعامل مع جميع المستثمرين الذين يأتون من خارج العراق على أنهم أجانب.
وأكد العبيدي أن الأبواب يجب أن تفتح أمام بقية المستثمرين ولا سيما الأتراك الذين لم يغادروا العراق في ظل التضييق الذي تعرضوا له خلال السنوات الماضية والذي وصل إلى حد الخطف للعمال الأتراك.
وأشار إلى أن تفضيل الإيرانيين أمر يستفز بقية المستثمرين الذين لن يخاطروا بالموافقة على العمل في العراق من دون الحصول على ضمانات أمنية واقتصادية وسياسية، موضحا أن فتح أبواب الاستثمار لدول أخرى قد يمنح العراق فرصا أكبر لتطوير اقتصاده وبناه التحتية لا سيما وأن الاستثمار الإيراني يكاد يقتصر على المراقد الدينية والمناطق المحيطة بها.
وكان وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري قد أكد في وقت سابق أن بلاده مهتمة بفتح باب الاستثمار، موضحا في تصريح له على هامش مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي عقد في الكويت مؤخرا أن الأولوية ستكون لتركيا في حال قررت دول الجوار المساهمة.
وتسعى كل من السعودية وتركيا إلى حجز مكانة متقدمة في قائمة الاستثمارات الأجنبية بالعراق، وأعلنت الرياض خلال الفترة الأخيرة عن خطط لضخ استثمارات في العديد من القطاعات العراقية بعد فترة قطيعة تجارية شبه كاملة في أوقات سابقة بين الجانبين.
من جهته، رحب رئيس هيئة الاستثمار العراقية سامي الأعرجي بدخول المستثمرين العرب والأجانب إلى العراق، موضحا خلال مقابلة تلفزيونية أن الاستثمار يمثل الركيزة الثانية للاقتصاد العراقي بعد الموارد النفطية. وأشار إلى وجود مشاكل متعلقة بإنجاز المشاريع التي منحت للمستثمرين خلال الفترة الماضية، مبينا أن المنجز منها لا يتجاوز 60%. ولفت إلى تشكيل لجان لبحث الأسباب التي أدت إلى تأخر إنجاز المشاريع، مؤكدا أن مشاكل المستثمرين ستحل من قبل اللجان المختصة.
معوقات الاستثمار في العراق
وأكد وجود معوقات بوجه الاستثمار لأن تحول العراق إلى اقتصاد السوق أمر صعب في ظل وجود اقتصاد مركزي موجه، موضحا أن الصعوبات قللت فرص إنجاز كثير من المشاريع الاستثمارية.
وأوضح الأعرجي أن هيئة الاستثمار تعول على الدعم الحكومي في مجال الاستثمار، مؤكدا أن هذا الدعم سيؤدي إلى تنفيذ عدد كبير من المشاريع لا سيما وأنه تزامن مع النصر على تنظيم “داعش” الذي يوفر بيئة آمنة لاستقطاب المستثمرين. إلى ذلك، انتقد المقاول العراقي حسين البهادلي في حديثه لـ “العربي الجديد” منافسة الاستثمارات الإيرانية للجهود المحلية لإعمار العراق، مؤكدا أن الإيرانيين يستحوذون بشكل شبه كامل على المشاريع التي تنفذ في النجف وكربلاء ولاسيما المناطق المحيطة بالمراقد الدينية والتي تستقطب سنويا عشرات الآلاف من الزوار.
وأضاف البهادلي: “المعروف أن دخول المستثمرين إلى أي بلد يساهم بشكل كبير في إنعاش الاقتصاد المحلي، والقضاء على البطالة”، مبينا أن هذا الأمر لم يحدث في العراق بسبب قيام رجال الأعمال الإيرانيين بجلب عمالتهم معهم، أو الاستعانة بالعمالة الأجنبية في العراق كون أجورها أرخص بكثير من أجور العمالة الوطنية.
وتابع أن “هذا الأمر مضر اقتصاديا من ناحيتين، الأولى حصول التجار ورجال الأعمال الإيرانيين على فرص الاستثمار وحرمان العراقيين من ذلك، والثاني الاستحواذ على فرص العمل ومنحها لأجانب على حساب قوت العراقيين”، مطالبا الجهات المختصة بوضع ضوابط صارمة تقيد هيمنة الإيرانيين على استثمارات النجف وكربلاء، والعمل على إنشاء مشاريع تنفع العراقيين سواء أكانوا مستثمرين أم عمالا.
من جهته، أعلن نائب رئيس لجنة إعمار العتبات المقدسة الإيرانية مسعود شوشتري أن لجنته تعمل على إنجاز 200 مشروع لتوسيع المراقد المقدسة في مدن عراقية هي النجف وكربلاء وسامراء والكاظمية، موضحا خلال تصريح صحافي، مؤخراً، أن توسيع العتبات الدينية يمثل مهمة طويلة الأمد بالنسبة للجنة إعمار العتبات المقدسة. وتقوم لجنة إعمار العتبات المقدسة الإيرانية بإنجاز مشاريع عديدة في العراق منذ عدة سنوات.
تعاون سياحي
وفي مجال التعاون السياحي والتجاري، أشار رئيس غرفة تجارة محافظة كرمانشاه الإيرانية، كيوان كاشفي، الي الإمكانات التي تتمتع بها المحافظة وحدودها في مجال التجارة مع العراق وكذلك مرور الزائرين وقال: إن كرمانشاه هي ممر إيران إلى العراق في مجال التجارة والترانزيت والسياحة الدينية.
وأضاف كاشفي في تصريحات الأسبوع الماضي: تمتاز المحافظة بتعدد الممرات الحدودية مع العراق على طرفيه العربي والكردي وأن 90% من البضائع التي يتم تصديرها إلى العراق تمرعن طريق هذه المحافظة لذا يجب تطويرها وفتح منافذ أخرى.
وقال إنه يمكن الاستفادة من ممر شوشمي لعبور السياح إلى المناطق الكردية في العراق وكذلك حدودي خسروي وسومار لعبور زوار العتبات المقدسة وهناك مفاوضات مع الطرف العراقي لتهيئة الظروف اللازمة وللاستفادة القصوى من هذه الممرات الحدودية.
وقال أيضا إن مقدار ما يتم تصديره عن طريق المحافظة يقدر بثلاثة مليارات دولار سنويا منها 700 مليون دولار لمنتجات المحافظة ومليار دولار ما يقوم به تجار كرمانشاه بتصديره، والباقي من مناطق إيران المختلفة التي يتم إرسالها إلى العراق.
ايران لزيادة حجم تجارتها الى 20 مليار دولار
ومن جانبه، أكد السفير الإيراني في العراق إيرج مسجدي، في تصريحات صحافية، مؤخراً، أن بلاده عليها القيام بدور فريد في العراق، موضحا أن العراقيين يثمّنون الدور الإيراني الداعم لهم بحسب قوله.
وأشار إلى أن العراق دخل مرحلة جديدة من بناء الاقتصاد، وإقامة علاقات سياسية، مطالبا الشعب الإيراني والشركات والوزارات للقيام بدورها في العراق، ولفت إلى أن حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران سيرتفع بعد بيع الكهرباء، وتطوير السياحة الدينية.
وكان رئيس غرفة التجارة الإيرانية العراقية المشتركة، يحيى آل إسحاق، قد أكد في تصريحات صحافية سابقة إن إيران تستهدف مضاعفة حجم تجارتها مع العراق لتقفز إلى 20 مليار دولار العام المقبل بدلا من 6 مليارات دولار حالياً.
وحسب تقارير غير رسمية، تغرق السوق العراقية في قائمة طويلة من البضائع الإيرانية قدّرت بأكثر من 6 آلاف سلعة تبدأ من المواد الغذائية مرورا بالمنزلية ثم الملابس بمختلف أنواعها ثم مواد البناء والإنشاءات والأدوات الكهربائية، ولا تنتهي عند سوق السيارات الصالون وشركات الاستثمار، بل تتعدى إلى حصر أعمال محافظة كاملة لصالح شركات إيرانية، وفقاً لما يصطلح عليه في الشارع العراقي بـ(اللزمة)، وتعني أن أعمال إعمار وتأهيل هذه المدينة أو تلك بلا منافسة من شركات أخرى حتى لو كانت محلية.