الولايات المتحدة الأمريكية تنزع الشرعية عن السودان وتقطع الكهرباء عن لبنان

 

في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الروسية، أعلن القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، عن اختيار رئيس الوزراء وأعضاء مجلس السيادة في غضون أسبوع على الأكثر.

وحول اختيار رئيس الوزراء الجديد، قال البرهان: “سنختار رئيس الوزراء الذي سينتمي إلى التكنوقراط”، وأضاف أن رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، تم اختياره “من خلال التوافق بين القوى السياسية والعسكرية. أما الآن، ومع غياب القوى السياسية، فلدينا مسؤولية وطنية والتزام لأننا نقود ونساعد في المرحلة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات”. وكان البرهان قد تعهّد في تصريح أدلى به مساء الخميس، ونقله التلفزيون السوداني، “بإكمال هياكل السلطة الانتقالية والتحول الديمقراطي في أقرب وقت ممكن، حتى تتحقق قيم العدالة والحرية والسلام”، بينما أشار إلى أن “حمدوك هو أول المرشحين لمنصب رئيس الوزراء رغم تحفّظه”.

على الجانب الآخر، نجح مجلس الأمن الدولي، بعد فشله ثلاث مرات، في اعتماد بيان موّحد بشأن الأحداث الأخيرة في السودان، حيث توصل الأعضاء إلى توصيف ما حدث بـ “الاستيلاء على السلطة” Take over، وليس “الانقلاب” Coup، نظراً لكون الأخير مفهوم قانوني، بينما الأول مفهوم توصيفي، وكانت روسيا والصين قد اعترضتا على “الإدانة الحاسمة لما قام به العسكريون” في الصياغة البريطانية للبيان. وجاء في نص البيان: “يدعو أعضاء مجلس الأمن السلطات العسكرية السودانية إلى إعادة الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية على أساس الوثيقة الدستورية وغيرها من الوثائق التأسيسية للمرحلة الانتقالية”.

من جانبه قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف: “نود أن نرى عودة الوضع في البلاد إلى المسار الدستوري في أقرب فرصة ممكنة، وبالطبع ندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس”. وأضاف أن روسيا تراقب الوضع عن كثب، وتابع: “يجب على السودانيين تسوية الوضع في البلاد بأنفسهم. ونريد أن يحدث ذلك في أسرع وقت ممكن، ودون أي خسائر في الأرواح”.

وقد طالب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في بيان نشر الخميس على موقع البيت الأبيض، العسكريين السودانيين بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين وإعادة المؤسسات المرتبطة بالحكومة الانتقالية، مندّداً بما أسماه “استيلاء العسكريين على السلطة”، بينما ذكر البيان أن من بين المنددين بذلك “الاستيلاء” جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى جانب الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلا أن الجامعة العربية كانت قد أعربت فقط، على لسان أمينها العام، أحمد أبو الغيط، عن “القلق البالغ” إزاء “التطورات السياسية في السودان”، ودعت إلى “التقيّد بترتيبات المرحلة الانتقالية” التي تقضي بتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين إلى حين إجراء انتخابات عامة في البلاد. كذلك فقد أعلنت منظمة التعاون الإسلامي عن “متابعتها بانشغال” تطورات الوضع في السودان، ودعت جميع الأطراف السودانية إلى الالتزام بالوثيقة الدستورية، وبما تم الاتفاق عليه بشأن الفترة الانتقالية، بينما أكّد الأمين العام للمنظمة، الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، أن الحوار هو السبيل لتجاوز الخلافات، تغليباً للمصلحة العليا للشعب السوداني.

لا أدري كيف قام البيت الأبيض بالزج بالجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ضمن المندّدين بـ “استيلاء العسكريين على السلطة” في السودان، دون تصريحات رسمية صادرة عن هاتين المنظمتين، سوى “القلق البالغ” و”الانشغال” بشأن التطورات الجارية.

إلا أن بايدن تابع أن “رسالتنا”، ويقصد كل المنظمات السابق ذكرها، “إلى السلطات العسكرية السودانية واضحة وساحقة: يجب السماح للشعب السوداني بالاحتجاج السلمي، وإعادة الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون”.

وهنا لا أملك سوى أن أضمّ صوتي أنا أيضاً إلى صوت الرئيس الأمريكي والإدارة الأمريكية، فيما يخصّ حق الشعب السوداني ليس فحسب في “الاحتجاج السلمي”، وإنما أيضاً في “تقرير المصير”، وكذلك حقه في التمتع “بالسيادة على أراضيه” و”وحدتها” و”استقرار المجتمع السوداني في ظل سلطة جامعة شاملة من اختياره” غير مفروضة عليه من الخارج، بحسابات خارجية.

تذكّرني هذه الهيستريا حول ما أصبح يعرف الآن في الكثير من وسائل الإعلام بـ “الانقلاب” في السودان، بما حدث عشية القرار رقم 1973 الصادر عن مجلس الأمن في 17 مارس 2011، الخاص بفرض حظر جوي فوق ليبيا، وهو ما اتخذ فيما بعد ذريعة لضربها.

كان مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، قبل ذلك التاريخ بأسبوع واحد، وتحديداً في 10 مارس 2011، قد عقد جلسة على مستوى رؤساء الدول والحكومات، ووافق على خارطة طريق لحل الأزمة الليبية، تضمنت الوقف الفوري لجميع الأعمال القتالية، وتعاون السلطات الليبية المختصة لتسهيل المساعدات الإنسانية، وحماية الرعايا الأجانب، واعتماد وتنفيذ الإصلاحات السياسية اللازمة للقضاء على أسباب الأزمة.

قرر المجلس حينها إنشاء لجنة مخصصة رفيعة المستوى تضم خمسة من رؤساء الدول والحكومات (مالي، موريتانيا، جمهورية الكنغو، جنوب أفريقيا، أوغندا). ولما كان القرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن رقم 1973 قد أعطى السلطة للدول الأعضاء، بالعمل على الصعيد الوطني أو من خلال المنظمات الإقليمية، لـ “اتخاذ جميع التدابير الضرورية” لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان تحت تهديد الهجوم، “بما في ذلك إنشاء منطقة حظر الطيران فوق ليبيا”. وعلى الرغم من أن الفقرة الخامسة من القرار الأممي، قد أشارت إلى جامعة الدول العربية، دون الاتحاد الأفريقي، وكان من الواضح أن القرار لا يخاطب الاتحاد الأفريقي، في مسألة التعاون مع الدول الأخرى في حماية المدنيين، إلا أن اللجنة رفيعة المستوى، التابعة لمجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي أعلنت عن اعتزامها زيارة ليبيا، بهدف تسهيل حوار حول الإصلاحات السياسية الضرورية لإيجاد حلول سلمية ومستدامة، في اجتماع لها بنواكشوط في 19 مارس 2011، وكان أعضاء اللجنة يخططون للسفر في اليوم التالي، للتواصل مع أطراف الأزمة.

والتزاماً بالقرار 1973، طلبت اللجنة الحصول على إذن بالرحلات الجوية إلى ليبيا، إلا أن الطلب قوبل بالرفض، حيث كانت القوات البحرية الأمريكية والبريطانية، في نفس وقت اجتماع اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى بنواكشوط، تطلق ما يزيد على 110 صاروخ كروز توماهوك، بينما قام سلاح الجو الفرنسي وسلاح الجو الملكي البريطاني وسلاح الجو الملكي الكندي بطلعات جوية في أنحاء ليبيا، بينما فرضت قوات التحالف حصاراً بحرياً على ليبيا، وبقية فصول القصة نعيشها وإياكم حتى وقتنا الراهن.

هذا ما حدث بالأمس، بينما أشتم رائحته اليوم من جديد، في تصريحات المسؤولين الغربيين، خاصة ما صدر ويصدر في الإعلام حول “الانقلاب” في السودان. فهل ينتظر السودان مخططات مماثلة؟

أعود لكلمات بايدن، وأستغرب ألا يصدر عنه تصريحات مماثلة بشأن مصير الشعب الفلسطيني على سبيل المثال، أو بشأن أفغانستان، وليبيا، وما يجري في شمال شرقي سوريا، وما أصاب سوريا والعراق، وما يعيشه ملايين البشر جراء مغامرات أمريكية طائشة تحت ستار وعود برّاقة بـ “الديمقراطية” و”الحرية” و”الحياة على الطريقة الأمريكية”.

بالتزامن مع “رسائل” بايدن “الواضحة والساحقة”، وصلتني معلومات من مصادر مقرّبة من البيت الأبيض حول تعليق واشنطن للدعم المقدم من البنك الدولي لتمويل مشروع “الأنبوب العربي” الذي ينقل الغاز من مصر إلى لبنان، عبر الأردن وسوريا، وهو ما كان يمثّل بارقة أمل بالنسبة لمشكلة الكهرباء في لبنان.

وكانت الصفقة المعقدة قد تطلّبت العمل الجاد والمضني بين موسكو وواشنطن على أكثر من مستوى لتوفير الاستقرار جنوب سوريا، حيث ستعبر شبكتا الغاز والكهرباء، وهو ما رعته روسيا من خلال تسويات داخل سوريا، وتنسيق ما بين دمشق والأردن، تكلل باتصال ما بين الرئيس السوري، بشار الأسد، والملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، وكذلك زيارات وزارية وأمنية، ثم فتح طريق عمّان دمشق، والبحث في إجراءات لضبط الحدود، وعقدت اجتماعات وزارية سورية أردنية مصرية لبنانية لبحث سبل حل العقد الفنية أمام تشغيل الأنبوب والشبكة.

اليوم أصبح هذا المشروع هو الآخر في مهب الريح، فيما أراه أسلوباً أمريكياً خبيثاً للتضليل، بدلاً من مساعدة لبنان في تجاوز أزمته الاقتصادية الطاحنة، وإفلاس مصارفه، والغلاء الفاحش الذي ينذر بكارثة، ناهيك عن خلق فتن نراها بين الحين والآخر بين الطوائف اللبنانية، وهو ما يشي بجهود أمريكية إسرائيلية لمحاربة “حزب الله” وإيران في المنطقة.

ترى لماذا لا نستمع إلى صوت السيد بايدن حينما يتعلّق الأمر بالأنشطة الاستيطانية، وإعلان الحكومة الإسرائيلية جهاراً نهاراً، 24 أكتوبر الجاري، عن خططها لتوسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث نشرت مناقصات لبناء 1355 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية و83 في القدس الشرقية، بغرض زيادة عدد السكان الإسرائيليين المقيمين في غور الأردن مرتين بحلول العام 2026؟

أم أن “انقلاب” السودان و”استيلاء العسكريين” على السلطة هناك، والإبقاء على لبنان من دون كهرباء ودون مساعدات، عقاباً للشعب اللبناني، هو غاية ما يقلق الإدارة الأمريكية؟!

بقلم: الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر


Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.