حين يبدو العراق سعيدا بافتتاح عدد من المولات الجديدة، وآخرها في الحارثية ببغداد، تبدأ الالاف من المتاجر الأمريكية الكبرى باغلاق أبوابها ، بسبب التجارة الأليكترونية التي تتوسع يوما بعد يوم، وتحول تلك المخازن أعمالا خاسرة على أصحابها.
وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية سيكون أكثر من 8600 متجر قد أغلق أبوابه مع نهاية عام 2017، وفقا لمحللي الوكالة المالية العالمية “كريدي سويس”، وهو رقم يتجاوز الإغلاق في المتاجر خلال عام 2008، عندما كانت أمريكا في حالة ركود اقتصادي قاربت الشلل. ومن المتوقع ان يغلق ربع جميع مراكز التسوق فى الأعوام الخمسة المقبلة، وفقا لنفس التقرير.
هذه الدوامة من الهبوط في عمل هذه المتاجر والمولات الضخمة ، لها آثار اقتصادية حادة، على الرغم من أن بعضها لا يبدو واضحا بقوة حتى الآن، لكن هناك بعض الأدلة على أن الأتمتة والتجارة الإلكترونية في الواقع خلقت وظائف أكثر وأفضل أجراً مما تدمره حاليا أو ستدمره قريبا في حال اغلاق المتاجر الكبرى.
ولكن هناك قضية واحدة لم يحدد أحد طريقة حلها: ماذا يجب القيام به مع كل تلك المحلات الشاغرة؟
ومثل هذا السؤال يبدو جوهريا في أمريكا التي لديها مولات ومحلات كبرى أكثر من من أي دولة في العالم. ويبلغ نصيب الفرد الأمريكي الواحد أكثر من قدم مربع في محلات التجزئة الكبرى وهو معدل أكثر بست مرات من معدل دول أوروبا أو اليابان.
كما إن المخازن الأمريكية لا تزال تخسر حصتها في السوق لصالح التجارة الإلكترونية، ويبدو أكثر من مليار قدم مربع من العقارات التجارية تحت رحمة الغبار بحلول عام 2022. وهذا العدد يمكن أن يبلغ مديات أعلى من ذلك.
أسباب نهاية عصر المولات تتجاوز مجرد التغيير في مزاج المستهلك وانتقاله التام إلى العصر الرقمي مع بدء الألفية الجديدة، فقد ساعد الإنترنت، عدم المساواة في الثروة، وإعادة مفهوم العيش في المناطق الحضرية، على قتل المركز التجاري الأمريكي التقليدي (المولات الضخمة) التي أصبحت من ضحايا هذه التحولات الكبرى على الرغم من الرغبة في إبطاء هذه العملية حتمية وإيقاف انقراضها.
وتبدو إعادة تطوير مركز تجاري في مجمله، اقتراحاً مكلفاً ومحفوفاً بالمخاطر. والعديد من مراكز التسوق مملوكة من قبل الشركات التي يتم تداول أسهمها بشكل عام، ويحتاج مساهموها إلى عوائد قوية، وليس مشاريع إعادة تطوير عالية المخاطر. ويقول سبنسر ليفي، رئيس قسم الأبحاث في شركة الأمريكتين، وهي أكبر شركة وساطة عقارية تجارية في العالم، أن الحصول على قرض “صعب جدا بالمقارنة أي نوع من أنواع المضاربة”.
ولكن كيف تتعرف على أي مراكز تجاري كبير سوف يموت كما العديد من المراكز التي لاقت مصيرها المحتوم؟ وأين ستذهب كبرى مراكز التسوق، وخاصة تلك التي لا تزال ترى أمكانية حجم مبيعات ضخمة، مثل محلات تجارة تجزئة الملابس، والجواب يأتي بحسب الخبير الأمريكي جيمس كارفيل، “إنه الاقتصاد، أيها الغبي”.
بمقابل هذه الوقائع الكئيبة في الوطن الأصلي للمولات، يعيش العراق حمى افتتاح المولات في مؤشر على تراجع اقتصاده عن مثيلاته في العالم، فما إن يتم افتتاح مول تجاري كبير في بغداد حتى يعلن عن افتتاح آخر.
وتعتبر كل من الحكومة العراقية وهيئة الاستثمار ذلك مؤشرا للتنمية الاقتصادية في العاصمة، بينما يأتي معظم رؤوس الأموال المستثمرة في تلك المولات من قروض توفرها المصارف الحكومي، فضلا عن كون الشركات المالكة لتلك المشاريع، واجهات اقتصادية لقوى وشخصيات ومجموعات مسلحة متنفذة.
اقتصاديون عراقيون يعتبرون تلك المولات بدون أي جدوى انتاجية بل هي غسيل أموال للفاسدين، ولا تشجع سوى على مزيد من الاستهلاك وهو السمة البارزة للاقتصاد العراقي بعد 2003، فلا انتاج في العراق سوى النفط وهذا يمول الحكومة ويغطي نفقاتها وجيش موظفيها الكبير، ومن تهريب النفط وتجارة مشتقاته تاتي واردات الأحزاب الحاكمة التي تستثمرها العوائد غير القانونية، وتستثمر تلك الأموال غير الشرعية في المولات التي ينفق فيها الموظفون معظم رواتبهم.
المولات تشجع النزعة الاستهلاكية في العراق التي يرافقها توقف قطاعات صناعية وزراعية كبرى، بينما تشجيع الاستهلاك يعمّق الفقر حيث يعيش أكثر من ربع العراقيين تحت خط الفقر.