يبلغ عدد المدن العراقية، التي اعتُبرت رسمياً مناطق منكوبة بعد تحريرها من قبضة تنظيم “داعش”، 20 مدينة وبلدة، وذلك خلال تصويت علني تم في البرلمان العراقي، في فترات متفاوتة خلال عام 2017، يلزم الحكومة بمنح هذه المدن الأولوية في المساعدات والمشاريع والإنفاق المالي المباشر. إلا أن مراقبين وأعضاء في البرلمان يتهمون الحكومة العراقية بتحويل قوانين “المدن المنكوبة” إلى حبر على ورق.
ويُقصد بمصطلح المنطقة المنكوبة، حسب التفسير القانوني العراقي لسنة 1957، أي محافظة أو قضاء أو ناحية أو قصبة أو قرية تتعرض لخسائر في الأرواح والبنى التحتية وباقي أساسيات الحياة فيها، من جراء كوارث طبيعية، كالفيضانات وغيرها، أو أوبئة أو حوادث عرضية أو معارك أو اجتياح قوى خارجية. ووفقاً للقانون، فإن الدولة العراقية، ممثلة بالحكومة، تلتزم، بعد تصويت البرلمان على اعتبار المنطقة منكوبة بناءً على تقرير ميداني، بتسخير كافة إمكانيات الدولة لها، بما فيها موازنة الطوارئ أو نقل أموال من موازنة وزارة إلى أخرى، بهدف تقويم وضع المنطقة المنكوبة، إذ يتوجب على الحكومة تقديم مساعدات عاجلة لسكان المنطقة وإجلاؤهم في حال كانت هناك حاجة لذلك، وإعلان حالة طوارئ في كافة الوزارات الخدمية، وأن تتوقف المشاريع غير المهمة في عموم مدن البلاد، على أن يتم التركيز، مالياً وخدماتياً، على المنطقة المنكوبة.
مخالفة دستورية لحكومة العبادي
إلا أن ذلك كله لم يحدث حتى الآن في أي من مدن العراق التي اعتُبرت منكوبة بعد تحريرها من تنظيم “داعش”، وهو ما يمكن اعتباره مخالفة دستورية لحكومة حيدر العبادي، وتغاضيا من قبل رئيس البرلمان، سليم الجبوري، باعتباره المعني الأول بمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن البرلمان.
وحتى الآن، اعتُبرت الموصل والرمادي وبيجي وسنجار والفلوجة والقائم وبلدات أعالي الفرات والحويجة وسهل نينوى وجرف الصخر، مناطق منكوبة، إذ تجاوزت نسب التدمير فيها 70 في المائة، كما سقط عشرات الآلاف من سكانها بين قتيل وجريح ومفقود أو مختطف من جراء “داعش” وانتهاكات المليشيات بحق السكان، والأخطاء العسكرية للقوات العراقية. وصوّت البرلمان، الخميس الماضي، على اعتبار خمس مدن، هي البعاج وتل عبطة والعياضية وعنة وراوة، مع القرى التابعة لها، منكوبة، مطالباً الحكومة بالتحرك لتوفير مساعدات عاجلة لها، بفعل الدمار الذي حصل فيها، إثر عمليات التحرير التي نفّذها الجيش العراقي لطرد تنظيم “داعش” منها.
الحكومة العراقية قدمت القليل
ووفقاً لمسؤول رفيع المستوى في وزارة التخطيط العراقية، فإن الأمم المتحدة ومنظمات عربية وخليجية وأوروبية قدمت لسكان المناطق المنكوبة أكثر مما قدمته الحكومة لهم، رغم إقرار القانون واعتبارها مناطق منكوبة، مبيناً أن الحكومة لم تقم بواجباتها فحسب، بل إنها لم تدفع مرتبات الموظفين في أغلب هذه المدن تحت مزاعم تدقيق الأسماء.
وقال المسؤول، إن تقارير وشكاوى حكومات محلية في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك وبغداد، تؤكد أن الحكومة العراقية لم تقدم، حتى الآن، المنح الخاصة بالسكان، والبالغة مليون دينار (نحو 900 دولار)، رغم أنه تم إقرارها ضمن موازنة عام 2017، ويجب أن تكون موجودة ومحجوزة للصرف لكل عائلة.
كما فشلت وزارة الصحة العراقية في تطعيم نحو مليوني طفل وأكثر من مليون امرأة في المناطق المحررة. كما أنها لم تتحرك لمواجهة تفشي الأوبئة في تلك المدن، مثل التهاب الكبد الوبائي وشلل الأطفال والتلاسيميا والحساسية الجلدية وجرثومة العين والأمراض التي تنقلها الحشرات والقوارض، بالإضافة إلى عدم توفير الدولة سكنا بديلا لأكثر من مليون و900 ألف مواطن سويت منازلهم بالأرض، فضلاً عن شح المياه الصالحة للشرب وانقطاع الكهرباء وانعدام الخدمات الصحية الأساسية. واعتبر أن حمى الانتخابات جاءت بنتائج عكسية سلبية وسيئة على السكان، مشيراً إلى أن العبادي وباقي الوزراء يتحركون في معاقلهم الانتخابية وليس في المدن أو المناطق المنكوبة.
حبر على ورق
وحول ذلك، قال النائب عن التحالف الكردستاني، سرحان أحمد ان “قوانين المناطق المنكوبة باتت مجرد حبر على ورق، ولم يتم تنفيذ أي من شروطها حتى الآن”. وأضاف “تم إقرار قوانين لشمول الكثير من المدن بالمساعدات والمنح، لكن حتى الآن لا شيء” طُبق على الأرض.
وقالت عضوة لجنة الهجرة العراقية في البرلمان، لقاء مهدي وردي، إن “الحكومة غير قادرة على إنجاز كل متطلبات المدن الواقعة تحت هذه القرارات، لذا نحاول أن نستنهض همم المنظمات الدولية”، مضيفة “منذ بداية تحرير الأنبار، صوّتنا على قرار بأن المحافظة ومدنها منكوبة، ولها حقوق محلية ودولية أيضاً، ونحن نحاول توفير أموال للمشاريع وإعادة الإعمار”.
وأضافت “نحن نركز على المجتمع الدولي، والمفترض عند إعلان محافظة أو منطقة منكوبة أن تقوم رئاسة الجمهورية، بموجب الاتفاقيات الدولية، بعرض ما تحتاجه المحافظة على مجلس الأمن الدولي وفي الاجتماعات الدولية والإقليمية والأممية. فهناك التزامات أخلاقية يجب الإيفاء بها، لكن هذا لم يحدث حتى الآن”. وتابعت أن “القوانين في العراق أصبحت حبراً على ورق، إذ إن الحكومة لا تطبقها”.