نشرت صحيفة (إسرائيل اليوم) العبرية؛ مقالاً تحليلياً للمحلل الإسرائيلي “زئيف ماغين” – أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة “بار إيلان” – تناول فيه التطورات الأخيرة في إيران والأسباب الحقيقة لإندلع المظاهرات ضد النظام الديني في طهران.
الإيرانيون بين الإنتماء للإسلام والهوية الفارسية..
يقول “ماغين” إن الإيرانيين يعانون منذ 1400 عام من إنفصام في الشخصية الوطنية. فهم من ناحية، مسلمون إعتنقوا، منذ القرن السابع الميلادي، ديانة الفاتحين العرب، (مع الأبجدية والمفردات)، وأختاروا المذهب الشيعي؛ وأتبعوا الآئمة المهديين العرب، وعلى رأسهم “النبي محمد” وآل بيته.
لكن الإيرانيين من ناحية أخرى، فخورون بأنهم أحفاد الإمبراطوريات الفارسية العظمى – التي سبقت الفتح الإسلامي – بزعامة “كورش” و”الأخمينيين” و”خسرو” و”الساسانيين”.
يضيف “ماغين”؛ بأن الشخص الإيراني المُسن عندما يحاول النهوض من مكانه فإنه ينادي: “يا رستم !” – وهو اسم بطل أسطوري فارسي – مثلما ينادي بقوله: “يا حق !” أو “يا الله !”.
ورغم أن مؤلف ملحمة إيران العظمى – (كتاب الملوك) أو ما يُسمى بـ (الشاهنامة) – كان مسلماً بحق إلا أنه وصف العرب بأنهم: “آكلي لحم الضب”، وأتهمهم بأنهم جردوا إيران من الثقافة.
محاولات العودة إلى ما قبل الإسلام..
يرى “ماغين” أنه منذ فتح العرب بلاد الفرس ومحاولات إعادة إيران إلى ما قبل الإسلام تتكرر بشكل شبه مستمر, بداية من ثورات العصور الوسطى – التي قمعتها الخلافة الإسلامية – وإنتهاء بالقرن الـ 20 ، عندما حاول ملوك إيران البهلويين إحلال القومية الإيرانية محل الإسلام – وهي المحاولة التي قمعتها الثورة الخمينية.
شعارات جريئة وغير مسبوقة..
من المُلفت والمُثير متابعة الشعارات التي يرددها المشاركون في المظاهرات التي تشهدها إيران خلال الأيام الأخيرة. فعلى الرغم من الزعم بأن الدافع الرئيس لأعمال الشغب والتظاهر هو الإستياء من سوء الأوضاع الاقتصادية – وكثيراً ما يتردد هذا الزعم عند إندلاع أي تمرد في إيران، بما في ذلك ثورة عام 1979 – إلا أننا لا نكاد نسمع الآن شعارات في شوارع المدن الإيرانية تندد بإرتفاع أسعار البيض أوالخبز أو الشقق السكنية. بل نسمع في المقابل شعارات مختلفة لا تتعلق فقط بإنتقاد سياسة النظام الحاكم مثل شعار: “أوقفوا الإنفاق في سوريا، وابدؤوا الإنفاق علينا !” – ولكن هناك شعارات جديدة وأكثر جرأة. مثلما ردد المتظاهرون في “همدان” قائلين: “الموت للجمهورية الإسلامية !”. ومثلما هتفوا في مدينة “قُم” بقولهم: “يا علماء الدين، عودوا إلى دياركم، وأطلقوا سراح البلاد !”.
وكما هتف المتظاهرون في “أصفهان” بقولهم: “يا رضا شاه بهلوي روحك مازالت حية”. وكما هتف المتظاهرون في “الأحواز” بقولهم: “عُد إلينا يا ملك الملوك”, وكما هتفوا في مدينة “شيراز” بقولهم: “الموت لخامنئي، نريد بهلوي !”. وكما هتفوا في “قزوين” قائلين: “نحن من نسل الجنس الآري، ولسنا أحفاد العرب”. وتعكس هذه الهتافات توجهاً جديداً يعني التمسك بهوية إيران، ورفض الإسلام.
النظام قادر على قمع المعارضين..
يتساءل المحلل الإسرائيلي: “هل تعني الشعارات الجريئة والتوجه الجديد بداية النهاية لنظام ولاية الفقيه ؟”.. والإجابة هي أنه حتى الآن لا يمكن الجزم بذلك. فأجهزة ومؤسسات الجمهورية الإسلامية قوية ومستقرة, وآلة القمع الإيرانية ضخمة وفتاكة، (فهي تمارس التدريب ليل نهار في سوريا والعراق)، كما أن النجاحات التي حققها النظام الإيراني على المستويين الإقليمي والدولي رائعة ومُشجعة، لكن لا ينبغي أيضاً؛ أن ننسى بأنه ليس كل الايرانيين يؤيدون المتظاهرين, فهناك جزء كبير لا يزال يتمسك بالإنتماء للهوية الإسلامية، بل ولمبادئ الثورة الخمينية، (حتى لو كان معترضاً على الحكومة).
وعلاوة على ذلك، فمن الصعب أن نتصور نوع النظام الذي قد يخلف النظام الحالي، الذي يتسم بأنه ديني وديمقراطي في الوقت نفسه, ويتسم كذلك بالفصل بين السلطات وبالتوازنات وبالضوابط، وبالإنتخابات شبه الحرة وبقسط من حرية الرأي والتعبير. لذا فمن الصعب أن نرى الشعب الإيراني يُخاطر بثورة لإستعادة النظام الملكي من جديد.
هل تتفوق الهوية القومية ؟
مع كل ذلك، فما نشاهده الآن في إيران يُعد سابقة, لأن الشعارات التي يرددها المتظاهرون لم نسمعها من قبل، لا سيما بهذا الإنتشار وبتلك القوة. وربما أن البندول الإيراني، الذي كان يتأرجح ذهاباً وإياباً عبر الأجيال بين الهوية الدينية والهوية القومية, قد أخذ ينجزب الآن نحو القومية ويبتعد عن الإسلام, بفضل الدعم الكبير الذي تقدمه العلمانية الغربية عبر شبكة “الإنترنت”.